لا نغالي إذا قلنا إن واحدة من أهم مشكلات الطفل العربي عمومًا والمصري خاصة، هي الدونية وضعف الثقة بالنفس التي تلقي بآثارها السلبية على نفسية الطفل ودوافعه.
في هذه المقالة سوف نلقي الضوء على مفهوم الدونية أو ضعف الثقة بالنفس، وأبرز ملامحها، والأسباب المؤدية إليها، ودور الوالدين في الأخذ بأيدي أبنائهم لتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
ماذا تعني الدونية/ ضعف الشخصية؟
الدونية أو ضعف الشخصية أو تدني اعتبار الذات كلها تؤدي المعنى نفسه، تعني أن لدى الطفل مجموعة من الصور السلبية عن شكله، مظهره، ذكائه، قدراته وإمكاناته، لباقته، مكانته في قلب أبويه، خلقه وأخلاقه.. وغيرها.
ترتسم هذه الصور السلبية في ذهن الطفل عن نفسه حتى تصبح كأنها حقيقة أو مسلمة من المسلمات، فالأب أو الأم التي دائمًا ما تصف طفلها بالغبي، أو الأحمق، لا شك أن هذه الصورة السلبية سوف ترتسم في ذهنه، ويعتقد فعلًا أنه أحمق وغبي، وغيرها من الصفات السلبية التي تترسخ في ذهن الطفل عندما يحرص الكبار على وصمه بها مرارًا وتكرارًا.
سأذكر في السطور التالية بعض العلامات التي إن وُجدت في طفلك، كانت دليلًا على ضعف شخصيته وضعف ثقته بنفسه.
الخوف
أولى هذه العلامات هي الخوف الشديد من الانخراط في الحياة العادية والتعامل مع الآخرين، خشية التعرض للسخرية والاستهزاء، أو الخجل وعدم القدرة على التحدث في وجود آخرين، خشية الوقوع في الخطأ، ومن ثم الارتباك.
والخوف المقصود هنا، أن يخاف الطفل من أشياء يفترض ألا يخاف منها، كالخوف من السباحة، أو من الإجابة عن سؤال المعلم أو المعلمة في الفصل الدراسي، أو تسديد الكرة نحو المرمى خوفًا من نقد الزملاء.
التشاؤم
تحض الأديان السماوية على التفاؤل بالمستقبل، أما التشاؤم فليس من شيم المؤمن ولا حسن ظنه بربه. فالطفل يركز دومًا على الجانب السلبي، ويغض الطرف عن الجانب الإيجابي، ويعتقد أنه لا يملك هذه المزايا التي لدى الآخرين.
تقول إحدى الأمهات إن طفلها كان في السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية، وكان ضعيفًا في بعض المواد الدراسية. بذلت الأم جهودها من أجل الارتفاع بمستواه، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها، فإن النتيجة لم تكن جيدة؛ ما دفعها لأن تعرض طفلها على طبيب نفسي، ليكتشف أن الطفل ذكي للغاية، غير أنه تعرَّض للتنمر من أحد زملائه بالمدرسة بسبب قصر قامته، ليس هذا فحسب، بل إن أحد معلميه، أخبره أنه يدرس معهم بطريق الخطأ، لأنه يجب أن يكون بالصفوف الأدنى.
هذا في الوقت الذي كان الطفل يمنِّي النفس بأن يصبح ضابطًا مثل أحد أقاربه، لكن كلام زملائه ومعلمه أنهى هذا الحلم قبل أن يبدأ بسبب قصر قامته.
أنا غبي.. أنا أحمق
ما يزيد المشكلة تعقيدًا هي الصورة التي يرسمها الطفل عن نفسه، فهو يعتقد فعلًا أنه أحمق، وغبي، ولا فائدة منه، ولا يعرف لماذا هو حي إلى الآن. يحدث نفسه بهذه العبارات، التي تدل على الدونية وضعف الشخصية وتدني تقدير الذات.
بدلًا من أن يقول بينه وبين نفسه، أنا أذكى شخص في العالم، أنا أفضل مخلوق على هذا الكوكب، أنا طبيب العائلة المنتظر، يرسم في مخيلته صورة سلبية عن نفسه وقدراته وإمكاناته.
قصة ملهمة.. حلمي أن أكون معيدًا
أذكر وأنا في المرحلة الجامعية، كان حلمي أن أصبح معيدًا في الجامعة، أسوة بأحد أقاربي، في السنة الأولى كان ترتيبي الثالث على الدفعة، وفي العام الثاني من الدراسة وخلال إحدى محاضرات رئيسة القسم التي كانت تدرس لنا بعض المواد، قالت لأحد الزملاء وكان ترتيبه الثاني على الدفعة: "أنت مثل ابني، وغدًا ستكون معيدًا بالجامعة".
وقعت عليَّ هذه الكلمات كالصاعقة، فأنا أرى حلمي بأم عيني ينهار أمامي، فهذه الأستاذة يفترض أنها صاحبة الكلمة فيمن يُعيَّن معيدًا بالقسم. لكنها لم تراعِ نفسية زملائه، ولم تراعِ كونها رئيسة للقسم وأستاذة للجميع وليس لهذا الزميل فحسب، كان عليها أن تدرك وقع كلماتها على زملائه الذين يحدوهم الأمل كي يصبحوا يومًا ما أساتذة بالجامعة.
انهالت الدموع من عيني، لم أتمالكها، لم أستطع إخفاءها، فالحلم الذي لطالما حلمت به، وبنيت عليه أحلامي، ينهار أمام عيني، حتى إن زملائي المقربين، حاولوا مواساتي بعد انتهاء المحاضرة.
لم تتوقف دموعي حتى وصلت بيتي، وأنا في حالة انهيار تام، بعدها توضأت وصليت وناجيت الله، وأقسمت بيني وبيني نفسي، والله شهيد عليَّ، أنني سوف أحصل على المرتبة الأولى في الكلية، وسوف أصبح معيدًا، ثقة في الله قبل كل شيء، وثقة في نفسي وقدراتي وإمكاناتي التي لا تقل عن زملائي المتفوقين.
فعلًا، جاء يوم ظهور نتيجة نهاية العام في السنة الرابعة من الجامعة، وكنت في ترقُّب لمعرفة ترتيبي النهائي في الأعوام الأربعة، وكانت كما توقعت، أنني الأول على دفعتي، سجدت لله شكرًا، وتذكَّرت عندها تلك اللحظة التي حاول أعدائي إسقاطي فيها، فكانت الضربة التي قوَّتني وجعلتني بعزيمة أقوى لتحقيق حلم حياتي.
فقدان الحماسة
فقدان الشغف والحماسة والانسحاب بسرعة من علامات الشعور بالدونية، وضعف الشخصية. فالطفل هنا لا يحب المغامرة، بل يخشى منها، في حين أن الطفل الطبيعي يحاول مرة بعد مرة ويتعلم من أخطائه السابقة.
السؤال هنا: ما الذي يجعل الطفل يشعر بالدونية؟
توجد أسباب وراثية، يرثها الطفل من أبويه، وأخرى كالعاهات الجسدية التي تُشعره بالنقص والدونية عن أقرانه العاديين. فضلًا على أنها تؤدي إلى مجموعة من المشاعر النفسية السلبية لدى الطفل، فتجد الطفل يميل إلى الانطواء والانعزال، ورفض مخالطة أقرانه، خشية تعرضه للتنمر.
ومن ثم تكون للعاهات الجسدية آثار نفسية واجتماعية على الطفل، إلا إذا تدخل الوالدان على نحو يعزز ثقة الطفل بنفسه وبجسده.
التوقعات المبالغ فيها
التوقعات المبالغ فيها من الوالدين سبب آخر من أسباب الشعور بالدونية لدى الأبناء، فبعض الآباء يرسمون لأبنائهم خارطة الطريق التي فشلوا هم في تحقيقها. فالأم التي كان حلمها أن تصبح طبيبة يومًا ما، ولأنها لم تتمكن من الحصول على الدرجات التي تؤهلها لدخول كلية الطب، ترسم مستقبل طفلها ليكون أحد الأطباء المشهورين.
المشكلة هنا، في الضغوط الكبيرة التي يقع الأطفال ضحيتها التي قد تلقي بآثارها على نفسيته وتحصيله الدراسي، فتكون النتيجة الفشل، والشعور بالنقص.
الحماية الزائدة والقسوة الزائدة
التدليل الزائد والقسوة المبالغ فيها، كلاهما لا يجدي في تربية الأبناء، فالأول -التدليل الزائد- من شأنه أن يخرج طفلًا اتكاليًا غير قادر على تحمل مسؤولية نفسه، خاصة في غياب الوالدين، ولا يمكنه اتخاذ القرارات دون الرجوع إليهما.
كذلك القسوة المبالغ فيها، واللجوء إلى الضرب والتعنيف والإيذاء النفسي والبدني، من شأنه أن يدمر شخصية الطفل ويشعره بالخجل أمام أقرانه. فالمطلوب من الوالدين الحزم وليس القسوة، وشتان بينهما، فالحزم يعني التزام الأبناء بالضوابط الموضوعة، مثل موعد النوم والاستيقاظ، والعودة إلى المنزل، وتناول الوجبات معًا، والصوت المنخفض وغيرها.
الخلاصة
على الآباء والأمهات اتباع أسلوب تربوي ينشأ على احترام قدرات الطفل وإمكاناته وتشجعيه والثناء على جهوده مهما كانت بسيطة، فالكلمة لها مفعول السحر في نفوس الأبناء، فثقة الآباء بأبنائهم من شأنها أن تزيد ثقتهم بأنفسهم، وهذا يعني أنه لا مكان للضرب أو الإهانة أو التعنيف، وإنما الحوار والنقاش، وإتاحة الفرصة للأبناء بأن يعبروا عن آرائهم في القضايا التي تهم الأسرة دون سخرية أو استهزاء، بل يجب تشجيعه لأن يشارك برأيه ويتفاعل مع المحيطين به.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.