الشهادة و العريس
قبل أن أكتب صفحتي الثانية من هذه اليوميات , خطر لي أن أخبرك بأنني قبلت مرغمة ً بإرتداء الحجاب وأنا في الصف السابع بعد حادثة الX مباشرةً , وهي هزيمة لي عدلت نتيجتها في مباراة ساخنة بيني وبين أهلي للإلتحاق بالقسم الأدبي في المرحلة الثانوية وتبديد حلم العائلة بأن أصبح طبيبة - بشرية أو بيطرية المهم أن أكون طبيبة والسلام – وأكدت نجاحي بنسبة 94% في الثانوية العامة لأحقق هدفين نظيفين في شباك الأسرة الكريمة ! , وهي نسبة ممتازة وقتها حيث فتحت لي أبواب كل الكليات تقريباً ما عدا كلية الإقتصاد والعلوم السياسية , ولم تكن هدفي في كل الأحوال .
تهنئة غريبة وهدايا أكثر غرابة !!
وكالعادة في أغلب الدول العربية , إزدحم منزلنا بفلول المهنئين والمباركين بالحدث التاريخي وهو إجتياز أحد شباب العائلة لإمتحانات الثانوية العامة بدون أن يقطع شرايينه أو يصاب بالجنون , ليس هذا وفقط بل يكسر حاجز ال85% , وينضم لأصحاب التسعينات .
ورغم روعة الحدث وسعادتي بمباركة الأهل والجيران إلا أن هناك جملة واحدة كانت تتكرر على كل الألسنة رجالاً ونساءً , شباباً وشيبة , ( وهي عزيزتي القارئة قنبلة مفخخة بالأفكار المغلوطة ) تقول العبارة :
(ألف مبروك , لم يتبقى لك سوى الشهادة الكبيرة – يقصدون الشهادة الجامعية- والعريس) , ولا أعرف تحديداً العلاقة بين إجتياز المرحلة الجامعية والزواج , وكأن المأذون سيطلب شهادة التخرج قبل أن يعقد قراني على احدهم !
أما هدايا خالاتي وعماتي فجاءت مؤكدةً لهذه الفكرة ( أطقم أطباق للعشاء – طقم أواني للمطبخ – واخيراً وليس آخراً ألبسة وقمصان حريرية للنوم مما ترتديها السيدات المتزوجات حديثاً!! ) أسرعت أمي تعرض علي الهدايا بسعادة بالغة وكأن حلم السنين سيتحقق غداً ! , بينما أخرجت عمتي ورقة تكتب فيها مستلزمات الجهاز , ما وجد منه في شكل هدايا والمتبقى لتشتريه أمي فيم بعد . الأكثر غرابة هو أنه لم يسألني أحد عن الكلية التي أنوي الإلتحاق بها , ولماذا .
الهدف الثالث والرابع في المباراة بيني وبين أمي !
وبينما كنت أملأ أوراق الرغبات المخصصة للإلتحاق بالكليات , ألقت أمي نظرة خاطفة غير مكترثة وهي تحشو فمها بشطيرة الجبن , تحمل كوب شاي , سقط من يدها بعد أن تجاوزتني إلى الردهة , لتعود بسرعة الصوت صارخة , إعلااااااااام !
كلية الإعلام , ستصبحين مذيعة وتخلعين الحجاب وتلحقي العار بالعائلة ! , إكتبي كلية التربية أيتها الحمقاء , المدرسة محترمة , ولو رغبت في العمل بعد الزواج لن يعترض زوجك , فلك مواعيد ثابتة ومعروفة لمغادرة المنزل والعودة إليه , كما أنه ليس عليك خلع الحجاب .
وإليك عزيزتي المفاجأة , لقد إلتحقت بكلية الإعلام في قسم الصحافة الذي لايشترط خلع الحجاب ولكن بدون حجاب , وكان إنتقاماً للطفلة الصغيرة التي حرمها بلوغها المفاجىء من التمتع بالكثير من الأشياء , اهمها أسدال شعرها .
وكم كان شعوراً رائعاً حين إستخرجت أول بطاقة هوية لي بصورة مشرقة بشعر أسود قصير كتب فيها طالبة بكلية الإعلام قسم الصحافة .
نادراً ما نلتقي بشخصيات ملهمة
في هذه الفترة من حياتي كنت أعلم جيداً من أنا , ولم خلقت , وماهو شغفي وإلى أين أمضي , ويعود الفضل في هذا إلى معلمتي العزيزة (موزة خاتم ) وهو الإسم الحقيقي لمعلمة اللغة العربية في مدرستي الإعدادية .
ولازلت أذكر حصة التعبير التي طلبت فيها معلمتي موضوعاً عن التلوث البيئي وهو موضوع علمي جاف يصعب تزيينه بالعبارات الجميلة , ولكنها حملت كراستي بعدما إنتهيت لتقرأ وتقرأ , قبل أن تقول لي أنت موهوبة يا فتاة وفي يوم من الأيام ستكونين كاتبة كبيرة , وسأقرأ كتبك وأتابع مقالاتك في أكبر الصحف العربية , هذه هي موهبتك ولهذا خلقك الله , فلا تضيعي هذه المنحة الإلهية أبداً لأنك ستسألين عنها .
وهذا ما فعلته لوقت طويل , قبل أن يتغير كل شيء
يتبـــــــع ...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
تسجيل دخول إنشاء حساب جديد