مسلسل "غسيل" عمل كويتي يتطرق لقضية حساسة وهي "غسل الأموال" التي تظهر بصورة سلبية على الدولة، إذ تستفيد منه قلة قليلة، ويخلق عجزًا اقتصاديًّا ويهدد الحياة الاجتماعية للأفراد. ولكن في هذا العمل لم يتطرق لتجارة البشر أو حتى المخدرات، بل هي فكرة معاصرة لوقتنا الحالي بتوظيف مشاهير السوشيال ميديا واللعب بهم كالدمى، وذلك من طريق استغلال ظروفهم وأحلامهم. وهذا الاختيار لم يأتِ من فراغ بلا شك؛ لأنه يصعب الالتفات لهم، صحيح أنهم يصعدون سلم الثراء الفاحش بطريقة صاروخية ويعبرون المحطات بسرعة فائقة، لكن العواقب وخيمة بلا شك.
قصة العمل والمشاركون فيه
الإنتاج كان من نصيب المنتج "جمال سنان"، وهو مسلسل قصير يتكون من 8 حلقات، مدة كل حلقة 45 دقيقة، عُرض على منصة شاهد في أغسطس من عام 2023.
الكاتب فهد العليوة أبدع في سرد هذه القصة، إذ بدأها من معاناة الطرفين، من ناحية تهميش الأهل والحالة الاقتصادية الحرجة، وزيادة على ذلك، يتأزم الأمر على نحو معقد.
تزوج البطلان عن حب على الرغم من رفض الأهل وقطيعتهم لهما... لنبدأ مع شخصية حنين التي لعبتها الممثلة (شجون الهاجري)، وهي امرأة طموحة لديها مشغل بسيط لكنه متهالك، لا زبائن ولا دخل، تحلم أن تكون مصممة مشهورة لكنها لم تنجح، بل تتكبد هي وزوجها الخسائر، عوض أن يساعدهما على تخفيف المصروفات.
بينما زوجها حسن الذي أدى دوره الغني عن التعريف (عبد الله بو شهري)، شاب يعمل في وزارة الصحة، وقد أتعبت المصاريف كاهله، فيتدين ليكمل ما تبقى من احتياجاته، وفي عيد زواجهما قرر أن يدعو زوجته إلى مطعم، لكن هنا ستبدأ القصة وستكون الأحداث شيقة، إذ يلتقي حسن بصديقه القديم في المطعم، وأدى هذا الدور الممثل (عبد الله عبد الرضا)، يعرض صديقه عملًا عليه يدر عليه الأرباح ويغير حياته من فقير إلى غني، وكذلك زوجة صديقه التي أدت دورها الممثلة (زينب أحمد)، تعرض هي الأخرى عملًا على زوجته.
في بادئ الأمر يرفضان، لكن مع حدة الوضع وملاحقة الصديقين لهما، يرضخان ويوافقان، وبعدها يكتشفان أن اللقاء لم يكن عبثًا، بل كان مدروسًا، ولتنجح الخطة، أحرقوا منزلهما ليكونا لقمة يسهل بلعها، وهو كذلك.
ثم تظهر شخصية حصة التي أبدعت فيها الممثلة المتمكنة (عبير أحمد)، وهي سيدة أعمال في مجال العقارات، تتحكم في رقعة الشطرنج وتحرك الدمى كيفما شاءت، وقد تقربت من سامي أخ حنين عن طريق علاقة غرامية، لتكون قريبة جدًّا منها، لتعرف كل أخبارها ولتعرف بدقة متناهية من أين تأكل الكتف، فموهبة حنين تعد مغارة علي بابا لحصة التي احتكرتها بطريقة هستيرية لأنها تستقي منها شلالات من الذهب.
ليظهر لنا الكاتب والمخرج أحمد عبد الواحد أن الشخصيتين، على الرغم من نقائهما، فإنهما سقطا في فخ الشهوة والشهرة، وكيف تغيرا من الأسوأ إلى القعر، على الرغم من تغير حالتهما المادية من سيئة إلى أفضل، وكيف أن البدايات المشبوهة تحرق ولا تثمر أبدًا.
من الناحية الإخراجية، استعمل "مشهد المستقبلي" flash forward، وذلك عن طريق بدء الحلقة بمشهد مستقبلي، يليه الرجوع إلى الماضي لنرى تداعيات الشخصيات، ما يخلق عند المشاهد حالة من التوجس بما سيحصل لهم بسبب اختياراتهم وكيف ستكون العواقب. ورغم ما عانوه من مآسٍ، فإنك لا تتعاطف معهم، وهذه حيلة درامية استخدمت في كثير من الأعمال، إذ لا يمكنك التعاطف مع أبطال العمل.
تعقيبات على العمل
برأيي أن الحلقات الثمانية ومدتها لم تسعفهم؛ لأن بعض الشخصيات بقيت عليها علامات استفهام، ما أدى إلى تشويش المشاهد. فعلى سبيل المثال، حصة بقيت شخصية مبهمة، لا نعرف عن ماضيها شيئًا، وكيف أصبحت بهذا الجبروت.
وأيضًا علاقتها بسامي، لماذا أنهيت بذلك الشكل؟ وحنين كيف أصبحت مشهورة في الشرق الأوسط؟ حدث تنقل سريع في الأحداث، ما ضيَّع هيبة النص والعمل، وكان التريث يجب أن يكون حاضرًا.
النهاية كانت غير مرضية أبدًا، إذ ينقصها حبكة درامية، جعلت من المتلقي هو من يجتهد ويحلل ماذا جرى في الشخصيات، والمسلسل ينقصه أحداث وتسلسل درامي يغنيه ليكتمل، وتظهر اللوحة الفنية باحترافية.
ومع الأسف، الوقت المطلوب سُلب منه جوهره، فضاع فحواه بصورة غير معقولة، وأتمنى أن يكون في الأعمال القادمة اجتهادٌ لتخطي مثل هذه الهفوات التي تنقص من نجاح العمل الدرامي.
وفقًا لاختيار كاست العمل، كان موفقًا جدًّا، وهذا يعني أن دولة الكويت تزخر بمواهب تضخ وتنبض بالحياة، وهذا جيد جدًّا لهوليوود الخليج، ويُحسب للكاتب كيف سلط الضوء على مساوئ السوشيال ميديا واستغلالها في أعمال مشبوهة، ليبقى السؤال الجوهري المطروح أمامنا: كيف لشخص كان معدومًا ومجهولًا أن يصبح في ومضة مشهورًا وذا مكانة وفاحش الثراء؟ يجب على الدول تنظيم هذه المنظومة؛ لأنها تمثل خطرًا على المجتمع والفرد والسياسة والاقتصاد.
مسلسل رائع ...
مسلسل ناقش قضية مهمة كل شكر لفريق العمل وشكرا لمرورك الراقي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.