القلم
ذهب يحيى مع أصدقائه لحضور مسرحية بعنوان «مغامرات الأستاذ قلم»، دون أن يدرك أن هذا العرض سيحمله إلى رحلة فكرية عميقة حول دور الكتابة وتأثيرها في المجتمع. تجسد المسرحية صراعًا بين الخير والشر بواسطة شخصية قلم رصاص يحاكم على أفعاله، فهل هو مذنب حقًا أم مجرد أداة في يد البشر؟
جلس الجميع في هدوء تام، ورفع الستار لتبدأ المسرحية.
المشهد الأول.. القلم بين المجد والسقوط
قلم رصاص مسكين، هزيل، مكبَّل يجلس خلف الأسوار، ويتذكر أنه كان سيفًا على الباطل، ولا يكتب إلا الحق والحقيقة، وينشر العلوم المفيدة النافعة. يتذكر كتابة كلام الله، المصحف الشريف، وأمهات الكتب التي نتعلم منها كثيرًا وتنير للناس الطرق.
المشهد الثاني.. محاكمة القلم بين الحقيقة والاتهام
تدخل مجموعة من الجنود، ويأخذون القلم الضعيف، ويجرونه بقسوة، ويوقفونه أمام القضاة، ثم يوجهون له أبشع التهم، ويحملونه مسؤولية الخراب والدمار والتخلف والضعف وأمور كثيرة في المجتمع.
يقف القلم الضعيف، ولكنه كعادته يقف بكل قوة وصلابة وثقة، ويقول: «أنا كرَّمني الله وأقسم بي في كتابه العزيز في سورة «ن»، ويعلم الله أنني لم أكتب شيئًا فيه معصية أو ضرر، فقد كتبت القرآن والفقه والحديث وكل العلوم المفيدة، وسجلت التاريخ وكل ما حدث بأمانة تامة و...»
فرد عليه القاضي مقاطعًا حديثه: «وكتبت أيضًا الكلام الرخيص، والروايات الهابطة، والتخاريف، والأكاذيب، وخضت في الأعراض، وأطلقت الشائعات، ورسمت الرسوم الفاضحة الفاحشة، هذا بخلاف السب واللعن وترويج الباطل، فماذا تقول في ذلك؟ وتحت أيدينا كل الأوراق والأدلة بخطك الواضح!».
حينئذ، خفض القلم رأسه وانهار باكيًا، وقال: «حسبي الله ونعم الوكيل... حسبي الله ونعم الوكيل...».
سوف أوضح لكم جميعًا ما حدث، وكيف أنني بريء على الرغْم مما عندكم من أدلة، فما أنا إلا أداة في يد الإنسان الذي كرَّمه الله بنعمة العقل، وسخَّر له كل شيء من حوله لخدمته، وأنزله إلى الأرض ليعبد الله ويعمر فيها.
ولكن لم يكن الناس سواء؛ فمنهم الصالح الذي عبد الله حق عبادته، وعمر الأرض، ونشر الخير والحب، واستعمل كل الأدوات القديمة والحديثة في خدمة البشر.
استعمل السكين في الخير، في الذبح الحلال، واستعمل الكوب في شرب كل ما هو حلال وأكل الحلال، واستعمل النار في الطهي وإذابة المواد وتشكيلها والصناعة، وكذلك التلفاز والكمبيوتر والإنترنت والدش، وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة في نشر العلم وخدمة المجتمع. واخترع وابتكر ما هو مفيد، واستعملني أنا، القلم المسكين، في كل خير.
وكما تعلمون، يوجد صنف آخر من البشر لا يخاف الله، استعمل كل شيء خلقه الله في معصية خالقه؛ استعمل السكين في القتل، والكوب في شرب الخمر والمسكرات والمحرمات، والنار في الحرق والدمار، والفأس في التخريب والتدمير، وكذلك كل وسائل التكنولوجيا استعملها في الشر والخراب، ونشر الفتن والإشاعات المغرضة، والفساد والدمار. وكذلك أنا، القلم المسكين، استعملني في نشر شره وكذبه، وكل ما بين أيديكم من مستندات.
المشهد الثالث.. الصراع بين الحرية والمسؤولية
يحاول القلم أن يثبت براءته قائلًا: «فما أنا إلا أداة، وأنا الآن بين أيديكم، أستغيث وأستنجد بكم، وأرجو منكم أن تحموني مما لُصق بي من تهم، وأن تحاسبوا الفاعل الحقيقي، وأن تتصدوا لكل من يحاول استخدامي واستخدام كل الوسائل المتاحة في أعمال الشر ونشر الفساد في الأرض».
فقاطعه القاضي ثانيًا وقال له: «لا تحاول، وكفاك مراوغة! فقد حكمنا عليك بأقصى العقوبة، أن تموت سحقًا وهرسًا في مفرمة النفايات، جزاءً لك على كل أفعالك... خــذوه!».
المشهد الأخير: الحلم أم الحقيقة
وسُحِب القلم المسكين إلى المفرمة، وألقي به فيها، وهو يردد: «حسبي الله ونعم الوكيل».
وفي لحظة دخوله إلى آلة الفرم، استيقظ فزعًا من نومه وهو يردد: «حسبي الله ونعم الوكيل».
فقد كان كابوسًا يراه الأستاذ قلم في أثناء نومه.
ويُغلق الستار، ويُصفق الجميع تصفيقًا حارًا، ويهتز المكان من كثرة التصفيق وشدة الزحام، ويزيد الاهتزاز حتى حدث شيء غريب—بدأ السقف يقرقع ويتشقق، ويهرول الجميع محاولين الخروج والنجاة، ولكن السقف بدأ ينهار ويسقط فوق الرؤوس.
وحاول يحيى الهرب، ولكنه لم يستطع من شدة الزحام وتدافع الناس، إلى أن سقطت على رأس يحيى كتلة خرسانية من السقف.
فأفاق يحيى مذعورًا، ليجد نفسه نائمًا في غرفته، ولكنه هذه المرة لم يكن في سريره، بل كان على مكتبه، ويمسك بيده القلم، فقد نام على مكتبه وهو جالس على الكرسي الخاص به.
فحمد الله، ونهض يشرب كأسًا من الماء.
«فهل القلم بريء فعلًا مما نُسب إليه؟ وما موقفك من استخدام الأدوات ووسائل التكنولوجيا في عصرنا الحالي؟ وهل استخدمناها الاستخدام الصحيح؟».
👍👍👍
الف شكر
جميل .. استمر
الف شكر يا فنان يا عظيم دي شهادة و وسام على صدري
حمدا لله على سلامة يحي فهو شخصية محترمة ونحب القراءة له
الله يسلمك والف شكر متابعتك شرف لي
رائع - استمر
الف شكر
رائع جداً ومعلومات ودروس مستفادة من خلال هذه الصفحة المحترمه ربنا يوفقك يارب
الف شكر لشخصك الكريم ويارب ينتفع الجميع وان ينفعنا الله بما انعم علينا بما علمنا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.