في صخب الملاعب وسط الهتافات المدوية، يقف الفقير مشدوهًا، يرفع يديه إلى السماء، كأنما يناجي إلهه الخالد ناديه الرياضي، يراه كيانًا ساميًا، لا يخطئ، لا يُهزم إلا بمؤامرة، لا يسقط إلا بخيانة، هذا النادي الذي يجمع شتات أحلامه، هو مجده الذي لم ينله، وهو سلطته التي لم يحكم بها، وهو قوته التي حُرم منها في واقعه المرير.
في قصيدة (الحذاء) لنجيب سرور، يرى الطفل أباه كملك متوج، بطلًا خارقًا، قادرًا على كل شيء، لكنه حين يصطدم بواقع الطبقية والقهر، يسقط الوهم، ويكتشف أن أباه الذي طالما تباهى به بين أقرانه ليس إلا رجلًا مسحوقًا تحت أقدام الأقوياء، هكذا يُبنى وهم العظمة في ذهن الفقير، ثم يتحطم عند أول مواجهة مع الحقيقة.
الإيمان بالنادي.. معبد الفقراء الجديد
الفقراء بحاجة إلى ما يمنحهم العظمة ولو كان وهمًا، في النادي الرياضي يجدون انتصارًا يعوضهم عن الهزائم اليومية، حين يفوز فريقهم ينتصرون معه، ويرفعون رؤوسهم، ويشعرون أن الحياة قد أنصفتهم أخيرًا، أما حين يخسر فإنهم لا يعترفون بالهزيمة، بل يبحثون عن شماعة يعلقون عليها خيبتهم، الحكم كان متآمرًا، الإدارة خانت، اللاعبون باعوا المباراة. لا يمكن أن يكون الإله ضعيفًا، لا يمكن أن ينهزم إلا بفعل قوى شريرة تتربص به.
لحظة السقوط.. حين يتحطم الوهم
لكن كما سقطت هيبة الأب تحت وطأة الحذاء في قصيدة نجيب سرور، تأتي لحظة يدرك فيها الفقير أن ناديه الذي ظنه إلهًا ليس سوى مؤسسة رأسمالية، تستغل مشاعره وحماسه، وتربح من ولائه الأعمى، يرى كيف تبيع الإدارة لاعبيه المفضلين من أجل المال، كيف يستثمر رجال الأعمال في النادي لتحقيق مصالحهم، كيف يُستخدم التعصب لتسويق القمصان والتذاكر والاشتراكات، عندها تبدأ الصدمة، ويفهم أن معبده الرياضي لم يكن مقدسًا، بل مجرد سوق، وأنه لم يكن أكثر من زبون، خدعه بريق الشعارات.
يا ولدي.. هذا حال الفقراء
كما قال الجد الأعمى في القصيدة: «بني، كذا يفعل الأغنياء بكل القرى»، كذلك في عالم الرياضة، الأغنياء يتحكمون، والفقراء هم وقود الحماس، ضحايا الوهم، الذين يبيعون قناعاتهم بالمجان، يصرخون، يرفعون الأعلام، يتقاتلون من أجل شعارات، في حين في المقصورة يجلس من لا يهتم سوى بالأرباح.
لكن هل يتوقفون عن التصديق؟ لا؛ لأن الفقراء، في نهاية الأمر بحاجة إلى حلم ولو كان وهمًا، بحاجة إلى انتصار ولو كان زائفًا، بحاجة إلى إله ولو كان ناديًا رياضيًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.