وأكثر ما يؤرّق نومي، ويهيّج عقلي، ولا أستطيع أن أغفوَ في ليلي هم البشر، معتقداتهم وتصرّفاتهم وتبريراتهم كونهم يمتلكون الحقّ المطلق الّذي لا تشوبه شائبة، ولا يستقيم جريان العالم إلا بهم.
وتلك هي حقاً الحقيقة الزائفة التي سوّلتها لهم أنفسُهم، ونزغ بها الشيطان، ونحن في غيابة جُبٍّ من النسيان لحقيقة كَوْن الإنسان كائناً حيّاً مفكراً، متميّزاً بسموّ خلقه، وأنّه خلق ضعيفاً، وكفوراً، وقتوراً.
"وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً"؛ أي له أهواء متعددة، وخواطر، ويحاول أن يستدلّ على صحّة أهوائه وخواطره بالحجة فيقول: هذه الحق، ومن ثمّ يتبيّن له أنّ حجته يحكمها هواه.
"وكان الإنسان عجولاً" يتعجّل مراده، وطلبه، ودعاءه دون النّظر إلى الحكمة في تحقيق مراده من عدمه
"إنّه كان ظلوماً جهولاً" ظلم نفسه لجهله وتردّده في الاختيار بالعقل الذي ميّزه به الله للاختيار بين البدائل.
"لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون"
وها هي العلوم الاجتماعية التي تفرّعت، وتشعبّت لدراسة الإنسان والمجتمع حتى ارتبطت بالمكان والزمان والبشر الذين يتم تحديدهم بدقة بالغة، وفشلت في تحديد مفهوم السواء النفسي بدقة وموضوعية، وقد فشل علم النفس في وضع معايير عالمية دقيقة للاضطرابات النفسية يمكن القياس عليها.
ويْكأنّه لا يعلم إلا جهلاً، ولا يدرك إلا حماقة حيث إنّ كل شيء في الكون فاضلٌ في وقتٍ ومفضول عليه في آخر، وكذلك الناس، فلا تقل إن هناك واحداً فاضلاً على إطلاقه، ولا واحداً مفضولاً على إطلاقه، بل هو فاضل في ناحيته فقط، وإنّ الله ناطر أسباب الفضل على الناس لكي يحتاج بعضنا بعضاً، وقد كرّم الله الإنسان، وفضّله على كثير ممّا خلق، وفي أحسن تقويم، وقد هيّأ الله النفس، وعرّفها طريق الفجور والتقوى، وهداه النّجدين، فأفلح من تزكّى بالطاعة، وخاب من دسّى نفسه بالمعاصي.
"وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى" تُحدِّد العدل، ويتفضل الله علينا، فقد طلب الله منا السعي والاجتهاد، ومنه التوفيق والاستحقاق، وإنّ الله سيرى سعينا، ومدى صدق قلوبنا معه كي يُجازينا الجزاء الذي نستحقه برحمةٍ منه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.