«وطن بلا دفء».. خواطر وجدانية

في وطن لا يحمل من معاني الوطن إلا الاسم، حيث الطرقات الموحشة والأجواء الباردة التي تسكن في كل زاوية، يولد كيان لا يحمل شكلًا محددًا ولا تفاصيل تميز وجهه. هنا، في هذا المكان الذي لا يعرف الدفء، يولد شعور عميق بالفراغ. ليس فراغًا خارجيًّا فقط، بل داخليًّا أيضًا، فراغًا يملؤه الصمت، وتتردد فيه أصداء أسئلة لا تجد جوابًا.

الحياة في هذا الوطن ليست صاخبة، ولا هادئة، بل هي مجرد مرور الوقت في صمت، حيث لا شيء يتحرك، ولا أحد ينظر إلى الآخر. قد تلتقي الأعين، لكنها لا تجد في بعضها سوى الانعكاس الباهت للفراغ ذاته.. لا أصوات تُسمع إلا تلك التي تصدر عن عجلات السيارات في الشوارع، ولا مشاعر تُبث إلا تلك التي تُدفن تحت طبقات من عدم المبالاة.

لكن، مع مرور الأيام، يبدأ الكائن في اكتشاف أن شيئًا ينقصه، شيئًا عميقًا لا يمكن وصفه بالكلمات. هو شعور غير ملموس، يتسلل إلى داخله في اللحظات التي يكون فيها وحيدًا، حتى وهو يسير بين الجموع من حوله يبدأ يتساءل: لماذا لا يشعر بالانتماء؟ لماذا لا يشعر بالحضور، حتى وإن كان حاضرًا بين الجميع؟ هل هو مجرد كائن عابر في هذا المكان، أم أن شيئًا خطأ في هذا الوطن نفسه؟

يبحث عن شيء يملأ فراغه، ربما في السفر إلى أماكن جديدة، أو في الحديث مع غرباء لم يعرفهم من قبل. ولكن كل الأماكن التي يذهب إليها لا تشعره بالراحة. الوجوه كلها التي يراها -مهما كانت مختلفة- تحمل نفس التعبير البارد الذي لطالما رآه في وجهه، ويبدأ يتساءل: هل المشكلة في هذا المكان؟ أم أن شيئًا فيه هو نفسه مفقود؟

وفي لحظة ما، يتوقف ليواجه الحقيقة: الدفء الذي كان يبحث عنه ليس شيئًا خارجيًا، بل هو شعور يجب أن يُخلق داخله، ويجب أن ينبع من ذاته من تقبله للواقع الذي يعيشه، من قبوله للآخرين حتى وإن كانوا باردين، ولكن هل يمكن أن يعيش في وطن بلا دفء؟ هل يمكن أن يخلق دفئه في عالم مملوء بالجفاف؟

القرار لا يأتي بسهولة، كل خطوة يخطوها تُظهر له مزيد من الجفاء، ومزيد من الوحدة التي لا يعرف كيف يواجهها، وكلما حاول أن يقترب من الآخرين، شعر بأنهم أبعد مما كان يظن، وتبقى الجدران بينه وبينهم أكثر سماكة، وكأن كل شيء حوله مبني على مسافة لا يمكن اجتيازها.

في النهاية، يجد نفسه في لحظة من التأمل العميق، هل يظل في هذا المكان الذي لا يقدم له شيئًا؟ هل يظل يحمل في قلبه هذا الشعور بالاغتراب؟ أم أنه سيكون قادرًا على الحصول على مصدر الدفء الذي يحتاج إليه، ليس من الخارج، بل من داخله؟

ويبقى السؤال مفتوحًا، كما هو الحال مع كل شيء في هذا الوطن، إذ لا توجد إجابات واضحة، ولا حلول سهلة. في هذا الوطن، تكون الإجابة الوحيدة هي الاستمرار في البحث، في السعي نحو شيء أكثر إنسانية وأكثر دفئًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة