إن التغيرات الكبيرة التي تحدث للبشرية مثل الأمراض والحروب، تغيِّر أشكال الأمراض النفسية، بل وتصنع أمراضًا جديدة، وكذلك الاكتشافات المهمة، كالنار.
سواء اكتُشفت عن طريق الصدفة أو أهداها برومثيوس (الجدع) لحبيبه الإنسان الذي أصبح بعد أن عرفها مريضًا بالبيروفوبيا.
وكذلك الإنترنت الذي بلا شك هو اختراع عظيم سهَّل حياتنا على نحو ملحوظ. وأزعم أنه غيَّر كثيرًا من طبائعنا، وأسهم في زيادة العُقد التي كانت كثيرة قبل اختراعه.
اقرأ أيضًا الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي ودور الخدمة الاجتماعية في مواجهتها
وساوس إلكترونية ظهرت عبر الإنترنت
وإليك بعض تلك العقد التي أسهم الإنترنت في زيادتها أو بالأحرى الوساوس الإلكترونية، وهذا من باب الوقاية، عافانا الله وإياكم.
ملحوظة: أنا لست بخبير نفسي وهذا المقال على سبيل السخرية
إن الرجل الطيب الذي لا نعرف يقينًا من هو كان يفكر في اختراع الإنترنت ليسهل الوصول إلى المعلومات، لكن الموضوع تحوَّل إلى سوق العصر "كل حاجة باتنين ونص"، لأن التحقق من مصادر المعلومات أمر مستحيل.
فأغلب المواقع لا تضع المصادر من الأساس وتكتفي بإثبات معلوماتها، جاء في بحث علمي للدكتور ديك البرابر محمد أحمد أو أكدت البحوث الصادرة من جامعة أم أحمد أباد الدولية المشتركة بأن الخير يساعد في علاج الإسهال؛ لأنه صالح في استخدامه سدادة.
وظلت نار هذا الهوس تمتد فأحرقت ما تبقى من ثقتي في كل شيء، فإذا قال لي أبي نفسه إن طه حسين قال كذا ولم يذكر اسم الكتاب ورقم الصفحة فلن أصدقه حتى لو أيقظ طه حسين من عز نومه في القبر وجلبه ليؤمِّن على كلامه.
وهذه المشكلة للأسف لم تقتصر على مواقع الإنترنت فقط بل طالت التلفزيون كذلك؛ لأن الإعلام في كثير من الدول هو ملك لحكومات أو شركات قد لا يكون من مصلحتها دائمًا نشر الحقيقة.
أو قد يكون من مصلحتها نشر حقيقة معينة على حساب حقيقة أخرى، وهذا ما يجعل التحقق كثيرًا والتفكير بمنطق واجبًا علينا، بل علينا إعادة صياغة مفاهيمنا عن الحقيقة.
اقرأ أيضًا حوار مختصر بين شخصين عن مواقع التواصل الاجتماعي
هوس الفتيْ
لفظة الفتيْ هي أن تعطي معلومة أنت مصدرها؛ لأنك متخصص في المجال الذي تفتي فيه، لكن رطرطة الأخبار والمعلومات جعلت الموسوعات المتنقلة تنتشر في مجتمعنا سريعًا، وهي السبب في السمعة البطالة التي خرجت على الكلمة.
فالإنترنت أصبح مصدرًا يوثِّق كلام هؤلاء الفتيان أو مكان لنشر مزيد من إنتاجهم غير المتناهي، فتجد أحد هؤلاء ينهي أي فتية جديدة يصدرها وليس بالضرورة من فمه أنه قارئ الفتية على الإنترنت، ولا تنسَ أن الفتيْ أصيل فينا وأن له متعة خاصة.
لكن قبل الإنترنت كان الفتي في نطاق محدود ولا يسبب مشكلات، لكن بعد المذكور المدعوء أصبح الفتيْ أوسع انتشارًا، فيستطيع الجميع أداء دور الطبيب الذي إذا أُصبت بالصداع يبشرك بضرورة كتابة الوصية والاتفاق مع الحانوتي، ويستطيع أداء دور خبير التغذية والمحامي في أي وقت.
اقرأ أيضًا إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.. الأعراض وكيفية العلاج
هوس الشهرة
الجميع يحب التميز، والجميع قد تمنى الشهرة يومًا من الأيام لكن لم تصل هذه الأمنيات حد الهوس مثلما هي الآن بفضل الإنترنت الذي جعل الوصول إلى الشهرة سهلًا بالمقارنة مع عصور انتظار مقابلة على باب التليفزيون.
فيكفي أن تنشئ قناة على يوتيوب أو على تيك توك الذي أصبح أسهل توكتوك تركبه قاصدًا الشهرة، لكن المشكلة أن أغلب من يقصدون طريق الشهرة أو المشهورين فعلًا ليس لديهم ما يقدمونه.
فمنهم من يقدم كل تفاصيل منزله وأسراره العائلية والزوجية، ومنهم من تقدِّم محتوى يكاد يكون إباحيًّا.
والجميع يذكر قضية هرم مصر الرابع (حنين حسام) التي إذا ما لاحت على تيك توك قامت لها الدنيا، ويصاب أغلب هؤلاء بهذا الوسواس فتتلخص السعادة في زيادة الليكات، كأن القيمة الاجتماعية والإنسانية هي بزيادة الإعجابات.
اقرأ أيضًا كل ما تود معرفته عن مواقع الإنترنت المظلم
هوس التعليق (الأبيح)
أنا واحد من عشاق الشتيمة وأعدها فنًّا حقيقيًّا يحتاج إلى دراسة وفهم، لكني لا أجد مبررًا لمن يحبون أن يعلقوا بتعليق يتضمن بعض الشتائم التي لا تخرج عن ذكر عورات الناس.
وهذه التعليقات تكون على أي فيديو أو مقال لأي شخص وفي أي موضوع لدرجة أنني وأنا أطالع مقالًا عن المياه البيضاء على أحد المواقع الطبية فوجئت بمن يسب الكاتب بأمه ويلعن اليوم الذي جاء فيه من خلف الجاموسة.
على الرغْم من أن الكاتب طبيب حاصل على الدكتوراه في طب العيون، لكن السبب الحقيقي في هذه الظاهرة الغريبة هو غياب الحرية.
فنحن أبناء دول العالم الرابع عشر بلانا الله بمن حرموا علينا أنفاسنا وحرمونا الحرية، فإذا وجدنا قناة للحرية نستخدمها أسوأ استخدام؛ هذا لأننا لا نملك الرقيب الداخلي.
ولإحقاق الحق فالإنترنت لم يصنع هذا الهوس؛ فهو موجود منذ عصور الكتابة على جدران الكهوف، لكن الإنترنت أوجد البيئة المناسبة لممارسة هذا الفعل، فيستطيع أي أحد أن يلعن الكاتب أو صاحب قناة يوتيوب فقط لأن مزاجه ليس رائقًا.
وقد تفشت هذه الوساوس في مجتمعنا على نحو لا يوصف، ربما لقلة ثقافتنا، أو لأننا لا نعلم يقينًا فيمَ يُستخدم الإنترنت أو كيف يُستخدم، أو لضعف أخلاقنا وميلنا للشعور بالأهمية، لكن في النهاية أصبح الجميع مصابًا بالوساوس الإلكترونية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.