وجبة "المنسف".. كيف تعكس التكوينات الاجتماعية الأردنية؟

عُدَّ مؤلَّف "المعزب رباح.. مداخل إلى تراث الإنتاج الفلاحي البدوي وتقاليد الغذاء في الأردن" أحدَ أبرزِ مؤلَّفاتِ الصحفيَّين ناهض حتر وأحمد أبو الخليل، والذي مزج بين النظرة الأنثروبولوجية والسوسيولوجية وأصناف الطعام الشعبي في الأردن.

ويجمع المؤلف بين خلفية أنثروبولوجية يمثلها أحمد أبو زيد، وسوسيولوجية يمثلها ناهض حتر، ما نتج عنه ثروة معرفية عميقة، كونت فتحًا في التحليل العلمي الاجتماعي والإنساني، للمطبخ الأردني، ما تفتقر إليه المكتبة الوطنية الأردنية خصوصًا والعربية عمومًا.

كتاب مداخل إلى الإنتاج الفلاحي البدوي

وكونه أشهر الأطعمة الشعبية الأردنية على المائدة، كان للمنسف الأردني حضورٌ وتربُّعٌ على عرش المطبخ الأردني الشعبي، ومشتركًا اجتماعيًّا يجمع أطياف الأردنيين بدوًا وفلاحين وحضرًا، فالمنسف لا يُعد طعامًا شعبيًّا لغايات التغذية فحسب، بل بات رمزًا للمناسبات والتفاعلات الاجتماعية، ما جعله حاضرًا في مناسبات الفرح والترح، والمناسبات السياسية والاجتماعية المختلفة.

مكونات وجبة المنسف الأردني

وتتكون أكلة المنسف -وفق الأصول- من لحم الخراف أو الجديان، والمطهو باللبن المخيض، أو مريس الجميد مع الجريشة المفلفلة بمرق اللحم والسمن البلدي. وقد خلفه، نتيجة التحولات الاقتصادية اللاحقة، الأرز المزيَّن بالمكسرات ولحم الدجاج بدلًا من الجديان والخرفان التي تمثل وجهًا من وجوه الاقتصاد الأردني، والقائم على الثروة النباتية والحيوانية بالأساس لدى الفلاحين والبدو على حدٍّ سواء.

وفضلًا على الجريش أو الأرز، فإن لخبز الشراك حضورًا إلى جانب اللحم بنوعيه الأحمر والأبيض واللبن المخيض الذي كان يُراق على المكونات السابقة، مكسبًا إياها طعمًا أسطوريًّا لذيذًا.

كان المنسف يُقدَّم على شكل قطع صغيرة من اللحم، بما يكفي أطوارًا من الآكلين، في رسالة اقتصادية مثارها عدم الإسراف، ويضع آدابًا خاصة بالأكلة التي تجمع في شملها عالم البداوة بالضأن ومريس اللبن والسمن، والفلاحة بالشراك وجريش القمح أو البرغل أو الفريكة.

وجبة المنسف الأردني

فالأردنيون اقتصاديًّا كانوا ينقسمون بين أنصاف بدو وأنصاف فلاحين؛ أي مربي ضأن وماعز، ومزارعي حبوب -قمح وشعير-، مع وجود من يربي الإبل ويزرع البساتين والخضراوات ويربي البقر والدجاج، لا سيما في الشمال، إذ يتأثر بحكم قيم سهل حوران الفلاحية، مقارنة بالجنوب القائم على ثقافة البادية باقتصاداتها القائمة على الإبل.

صحيح أن لبن الإبل لا يصلح للخضّ، ولا يصلح لحم النياق للطهي في اللبن، وإنما يُطبَخ في الماء، ويُسكب مرقه في هذه الحالة على فتيت الشراك، مشكِّلًا الثريد المعروف عربيًّا، كما قال مؤلف المعزب رباح.

ويشير الدكتور يوسف غوانمة في مؤلف التاريخ الحضاري لشرقي الأردن في العصر المملوكي إلى أن المنسف، كان بشقيه -منسف الجريش والأرز- موجودًا في الحضارة المملوكية، بل وكان شائعًا في المنطقة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

ما شاء الله مقال رائع جدا ولغة متمكنة و معلومات مفيدة اشكرك جزيلا
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.