في عالم تتكالب عليه الأحلام السريعة، وتتزاحم فيه الطموحات والوهم، يولد نوع نادر من البشر: الإنسان الذي لا يطمح إليه أحد، ذاك الذي لا يتسابق في المضمار، ولا يزاحم في الطوابير، لكنه ثابت كجذور الشجر، عميق كصمت الجبال، واقعي في حبّه للحلم.
بعد مرور كل هذه السنين لم أجد نفسي في صخب المدن، ولا في شعارات النجاح المزيفة، بل وجدتني إنسانًا يغرس أقدامه في الأرض، يتحسس التربة، ويعرف طعم الانتظار، لم أعد أؤمن بالوهم، ولا بالبريق الذي يُباع على رفوف (الميديا)، أنا من الذين يحبون الأحلام الواقعية، تلك التي تبدأ بكلمة، وتنمو مع الوقت إلى فكرة، ثم إلى فعل، ثم إلى حياة.
أن تحلم حلمًا واقعيًا لا يعني أن تتخلى عن الخيال، بل أن تمنحه جسدًا، أن تراه أمامك يتشكل، لا أن يبقى في الهامش، ففي زمنٍ يُقدَّس فيه الطموح يبدو الإنسان الواقعي غريبًا، بل منطفئًا لا يطمح إلى شيء، لكنه في الحقيقة يطمح إلى كل شيء حقيقي، هو يعرف أن أقصى المدى ليس في الفضاء، بل في الداخل؛ في العمق، في الجذور، في البقاء.
حينها تتجلى الفلسفة
ألا تكون مرئيًا في سباق الطموحات لا يعني أنك لا تتحرك، أن تثبت في مكانك لا يعني أنك جامد، إنما يعني كل ذلك أنك صلب بما يكفي لتقاوم الريح، في هذا العالم نحتاج إلى إعادة تعريف الحلم، إلى أن نكتب من جديد معنى الطموح، بعيدًا عن الأضواء المصطنعة.
فما أبعده من مدى، ذاك الطريق الذي لا يسلكه أحد، لا لأنه فارغ، بل لأنه صعب وصامت وذو نداء لا يسمعه إلا أولئك الذين لا يزالون يحتفظون بالحقيقة في قلوبهم.
إنسان لا يطمح إليه أحد، ثابت، يحلم حلمًا واقعيًا، يزرع الكلمة، يؤمن بالعمق، يعاند الزيف، يعشق الأرض، يتنفس المعنى، لا يُرى هو إنسان ثابت وعميق وواقعي وصامت وحالم وأصيل ومختلف وحقيقي ومنسي وحاضر.
إنسان لا يطمح إليه أحد، ثابت كجذور الأرض، يحب الأحلام الواقعية، يعاند الزيف، يعيش العمق، يزرع المعنى، لا يُرى.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.