هية الكرك.. ثورة 1910

الكرك هي مدينة أردنية تقع جنوب غرب المملكة الأردنية الهاشمية، والهية هو مصطلح شعبي يشير إلى حدث ما، يعني كما يقال باللهجة العامية «من هذيك الهية» أي من وقت حدوث حادثة معينة. وثورة 1910 هي ثورة اتفق عليها محليًا حتى عند بعض الكتاب المؤرخين الأجانب، قامت بها العشائر الكركية على الحكم العثماني آنذاك في شهر كانون الأول من عام 1910م.

لماذا حدثت ثورة هية الكرك؟

جاءت هذه الثورة في أواخر الحكم العثماني للمنطقة قبل قيام الثورة العربية الكبرى على الدولة العثمانية، ويُرجح البعض أن ثورة الكرك كانت جس نبض للثورة العربية الكبرى التي قام بها الشريف حسين بن علي، وسبق ثورة الكرك ثورة أهالي حوران التي ووجهت بقمع وبطش شديدين من قبل السلطات العثمانية.

ولم تأتي هذه الثورة -أي ثورة الكرك- لأسباب اعتباطية أو شخصية لشيوخ العشائر في المنطقة، بل هي ثورة على الظلم والاستغلال والتهميش ومحاولات طمس الهوية العربية، إذ حدثت هذه الثورة في ظل سيطرة حكومة الاتحاد والترقي في إسطنبول على الحكم هناك، وحاولت فرض سياساتها التعسفية تحت ذريعة تنفيذ الإصلاحات في مدينة الكرك وإجراء عملية تحرير للنفوس وجمع السلاح من العشائر.

ولم يثق الأهالي بهذه الذرائع وفهموا المراد منها وهو إخضاع المدينة وعشائرها لهيمنة حكومة الاتحاد والترقي وإرسال أبنائهم إلى التجنيد الإجباري في  مناطق بعيدة ليموتوا من البرد القارس أو في المعتقلات.

أسباب ثورة الكرك

فما كان من عشائر الكرك إلا أن اتفقوا على مواجهة هذه السياسات بالسلاح، واتفقوا على أن يقود هذه الثورة عشيرة المجالي الممثلة بشيخها الشيخ قدر المجالي الذي أصبح يسطر اسمه منذ ذلك التاريخ بقائد ثورة الكرك.

كانت السلطات على علم بهذه التحركات، خاصة وأنه كان هناك مهاجمة من الأهالي لفرق تحرير النفوس، لكن لم تكن تعلم بساعة الصفر، وهذا ما ساعد الثوار في تحركاتهم وكان لهم ذلك.

وانطلقت ساعة الصفر فهاجموا الكرك أو ما تُعرف الآن بقصبة الكرك، أو بالتحديد أكثر منطقة الكرك القديمة في العصر الحاضر، وفي هذه المنطقة توجد قلعة الكرك التاريخية التي اتخذت منها السلطات آنذاك مقرًا لسراي، حيث كانت نساء الكرك يُجبرن على خدمة زوجات المسؤولين فيها ونقل الماء على ظهورهن إلى القلعة.

فهاجم الثوار مبنى دار الحكومة وسيطروا عليه، وهرب الموظفون التابعون للحكومة هم وعائلاتهم والعسكر إلى داخل القلعة، وأحكم الثوار الحصار عليهم لمدة عشرة أيام، حتى جاء عيد الأضحى وأُعلنت هدنة بين الطرفين، وما أن انقضى العيد حتى عادت الاشتباكات بين الطرفين.

دور النساء في ثورة هية الكرك

تحركت السلطات في إسطنبول لإخماد هذه الثورة وإنقاذ المحاصرين داخل القلعة حيث الثلوج والبرد القارس، فأرسلت قوة عاتية لا قبل للعشائر الثائرة بها، فاستطاعت هذه القوة السيطرة على الوضع وفك الحصار عن القلعة، واستخدمت كل أساليب القمع والبطش ضد الثوار والأهالي في منطقة الكرك، حيث نفذت أحكام إعدام بكل وحشية، فألقت الثوار من أسوار القلعة إلى الوادي، أو طعنهم وهم مكبلون وتركهم ينزفون حتى الموت، أو إصدار أحكام تعسفية عليهم بالإعدام إما في مدينة الكرك أو في دمشق أو إسطنبول، خلافًا لأحكام السجن وفرض الغرامات على العشائر في الكرك في ظل جفاف حل بالمنطقة آنذاك، زيادة على ذلك كله قامت القوات العثمانية بهدم بيوت الكركيين على نحو واسع وكبير انتقامًا منهم على احتضان الثوار.

أما بالنسبة لقائد الثورة الشيخ قدر المجالي فقد قامت العشائر بإخفائه عن عيون السلطات العثمانية حتى صدور قرار بالعفو عنه، ويقال إنه مات مسمومًا بعد ذلك.

قدر المجالي قائد ثورة الكرك

وحين نذكر هية الكرك لا بد من ذكر دور النساء فيها، حيث ساعدت النساء الثوار في ثورتهم. ولعل المثال الذي يجسد دور المرأة في هذه الثورة هو مشخص وأختها بندر المجالي، التي كانت حاملًا وأنجبت مولودًا في السجن وهو حابس المجالي، الذي أصبح فيما بعد من رجالات الدولة الأردنية، وقائد الجيش العربي الأردني في معاركه في فلسطين مع الصهاينة في باب الواد واللطرون في القدس.    

عملت السلطات بعد كل هذا القمع على التخفيف عن الأهالي ومحاولة التهدئة معهم، ليس لسواد عيونهم كما يقال، بل لأنها كانت في أواخر عهدها وتعاني الضعف والهزال الذي حل بكافة أرجائها، ورأت أن التهدئة مع الأهالي وجلبهم لصفها خير من استعدائهم.

كانت هذه هية الكرك التي امتدت إلى المناطق المجاورة لها كمعان والطفيلة والعقبة (التي لاقت ما لاقته الكرك من بطش وتنكيل في محاولة الدولة إخماد الثورة) حتى مناطق عربية أخرى تأثرت بثورة الكرك.

لم تكن هذه الثورة التي سبقتها ثورة حوران وتلتها الثورة العربية الكبرى في العام 1916، لم تكن ثورات خيانة وتحركات لتنفيذ مخططات سايكس بيكو أو لأسباب سياسية شخصية، بل هي ثورات ضد الظلم والقهر والإذلال وطمس الحضارة والثقافة العربية، وجاءت هذه الثورات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأمة العربية القابعة في جسد مريض لا يقوى على المقاومة، وكما يقول القنصل الفرنسي في القدس: إن ثورة العشائر الكركية جعلت تركيا المريضة غير قابلة للشفاء

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

المراجع :
نوفان رجا السوارية ومحمد سالم الطراونة , اضاءات جديدة على ثورة الكرك (1328ه \ 1910م) ، ط1الأردن ، الكرك،دار الرند للنشر والتوزيع، 2000
https://www.jordanheritage.jo/reserches/activities-heritage/karak-revolt/.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.