هوس "الريتش".. لعنة السوشيال ميديا

كلُّنا تقريبًا نتصفح حساباتنا على السوشيال ميديا في وقتٍ من الأوقات يوميًّا، ولو لعشر دقائق أو ساعة بصورةٍ متفرقة.

إننا ندور في طاحونة الحياة ونضطر للهروب من الواقع إلى عالمٍ غير واقعي، وربما نتابع صفحات غير ذات فائدة للهدف نفسه، قد أتحدث عن هذه الظاهرة في مقال مستقل.

فنضحك على منشورٍ تافهٍ هنا، ونقرأ خبرًا مهمًّا هناك، ونعرف معلومة جديدة من هنا، كل هذا يتوقف على ما تتابعه من صفحات، ويتكفل فيسبوك بتسهيل الوصول إلى المنشورات التي تحبها ويجد أنك تقضي عليها وقتًا أطول.

قد يعجبك أيضًا لماذا عليك أن تهجر السوشيال ميديا وعالم الإنترنت؟

هوس الريتش أو التفاعل

في ظل هذه الدوامة، يوجد أناس يقضون يومهم كله تقريبًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتقلون من هذا المنشور إلى ذاك التعليق وقد يتصفحون بعض الحسابات التي لا تعنيهم في شيء من باب الفضول.

أصحاب الصفحات المعتمدة على التفاعل أو "الريتش" كما يسمونه، وأغلبها صفحات تافهة تنشر النكات والأخبار الخفيفة، ومنها صفحات لأناس اختاروا أن تكون السوشيال ميديا مصدرًا لرزقهم، مع ما قد يصاحب ذلك من بعض التنازلات في كثيرٍ من الأحيان.

المهم أن أصحاب هذا المحتوى لا يهتمون على الإطلاق بما يقدمونه في صفحاتهم مهما بلغ عدد متابعيهم، المهم أن يستمر الريتش -التفاعل- في الوصول إلى أعلى درجة، كما يترقب صاحب الأسهم سهم شركته في البورصة.

ولأن التفاعل على السوشيال ميديا غير مضمون، ولأنه يعتمد على اهتمامات الناس بالدرجة الأولى، فكان من الطبيعي أن ينخفض التفاعل ويقل الريتش في أوقات كثيرة؛ لأن اتخاذ السوشيال ميديا كمصدر للرزق أصلًا يحوي عددًا من المخاطر والتحفظات.

مع مرات الانخفاض في التفاعل تلك كان لا بد من حل، هناك صفحات ظلَّت على محتواها لا يتغير، مقتنعة أن الرزق من عند الله وهي حالات قليلة، أما الغالبية العظمى فاخترعت حلًّا جديدًا تمامًا.

قد يعجبك أيضًا السوشيال ميديا إلى أين؟.. الإيجابيات والسلبيات

أساليب غير شريفة

وهي أن تضع منشورًا أو اثنين وسط المنشورات المعتادة بغرض إثارة الجدل، مثل وضع آية قرآنية على منشور غير مناسب بما فيه من استهزاء بكلام الله، أو وضع صورة تحمل معنى خبيثًا ينافي الحياء لمن يفهمه.

حتى إن كان التفاعل هو تعليقات سباب من المتابعين، المهم أنه تفاعل، ولو تفاعل سلبي، واضطرت المرأة التي تضع وصفات بسيطة على السوشيال ميديا إلى التنازل بعض الشيء، فبدأت في إظهار أسرتها ومشكلاتهم والتحدث عنهم، والغريب أن الجميع يتفاعل مع هذه المشكلات التافهة، وكأنما حياتنا نفسها خلت من تلك المشكلات.

فكم من زوجة تعاني مع حماتها، وكم من زوج يشكو من قضاء زوجته أوقاتًا طويلة تتحدث مع صديقاتها على الهاتف، وكلها مشكلات نجدها حولنا في كل مكان، لكنها تستهوينا فقط حين نراها على السوشيال ميديا، بل ونتفاعل معها ونقدم الحلول، على نحو يُثير حيرتي أنا شخصيًّا.

أن تتفاعل مع مشكلة تشبه مشكلتك بحل لا يمكنك أن تفعله مع نفسك فهذا يعني عدة أمور، منها أنك تريد فعلًا لكنك لا تستطيع، ومن ثم تُسقط تجربتك على غيرك، ومنها أنك تحادث نفسك حتى لا تشعر أنك مقصر في حل مشكلتك، وأسباب أخرى كثيرة.

المهم أن أصحاب تلك الصفحات بعد ما تنازل الكثير منهم وهبط درجات في قاع السوشيال ميديا، لدرجة أن بعضهم يستعرض جمال زوجته وجسدها الممشوق وشعرها الطويل، والأمثلة كثيرة جدًّا، وهذه الفئة كثيرة بالمناسبة حتى عبر الصفحات الشخصية للعامة.

المشكلة ليست في نوعية المنشورات، وتخلي المرء عن كل شيء حتى الكرامة والحياء والخصوصية، وما دامك خسرت كل ذلك بسبب نيل المزيد من التفاعل؛ فأنت قد هبطت درجات كثيرة في سلم البشرية.

قد يعجبك أيضًا السوشيال ميديا وتأثيرها الإيجابي والسلبي على المجتمع

السيئات الجارية

ربما لا ينتبه أحدهم لهذا الأمر، لكن هذا المنشور قليل الحياء الذي وضعته لزيادة التفاعل، هو في ميزانك وكل من رآه أو شاركه أو حتى التقطه على هاتفه واحتفظ به.

إن فكرة السيئات الجارية مخيفة، أن تمكث في قبرك ميتًا وعدَّاد السيئات لم يتوقف، لهذا أنصح كل من أعرف بأن يجعل أخطاءه وذنوبه مقتصرة عليه فقط، قاصرة غير متعدية لسواه.

كلنا نضحك على المنشور المخزي، إنه ليس كوميديًّا، إنه يبث قلة الحياء بصورة فجة عن طريق الكوميديا حتى لا يلاحظ أحد، يمرره في خبث ليضحك الناس على منشوره وتزيد تفاعلاته في سباق الريتش.

لكن ماذا عن صحيفتك التي لا تكف عن إحصاء كل من رأى المنشور وتفاعل معه بشكل ما؟ أنت لا تكترث لردود فعل الناس ما دام الهدف قد تم وهو زيادة الريتش، لكن ماذا عما وراء الشاشات لكل منهم، وما زُرِعَ في عقولهم ببطء بسبب منشورك؟

حتى علامات الإعجاب التي تضعها له، إن هذا يزيد من التفاعل لديه، بل ويظهر لأصدقائك كذلك وهو من السيئات الجارية، حتى إن أعجبك أحد هذه المنشورات فلا تضع أي تفاعل، اجعلها تقف عندك.

ليس هذا فحسب، حتى تلك المرأة التي اختارت التنازل عن حيائها وربما ملابسها وخصوصية حياتها، وكل هذا من أجل الريتش..

أين كرامتكِ كأنثى كرمها الله تعالى في كل الأديان؟ وأي سبب هذا الذي يستحق أن تكشفي عن جسدكِ أو حياتكِ أو تفاصيل يومكِ على الملأ؟ وليذهب الريتش إلى الجحيم.

ليذهب إلى الجحيم قبل أن يجرنا معه ويسحبنا ونحن مبهورون بكمِّ التفاعل والمشاركات وقد صار المتابعون أكثر من مليون متابع!

إن زيادة عدد المتابعين لهي زهوة حقيقية، أنا نفسي أشعر بالفرحة عندما أرى متابعي صفحتي في زيادة ولو ضئيلة، إنها شهوة حب الظهور وهي موجودة لدينا جميعًا بنسب مختلفة.

لكن شهوات النفس خلقها الله تعالى فينا لنروِّضها، ونُسيطر عليها حتى نصير بشرًا، لا العكس.

لذا كانت حكمة الصيام والامتناع عن الأكل والشرب، مع أنها حلال في الأصل، لكن جهاد النفس يستحق، وهذه وظيفتنا في الدنيا أصلًا جهاد النفس.

لكن السوشيال ميديا عملت في خبث على نقاط ضعف النفس البشرية، فليس العيب فيها على طول الخط...

إنما فيمن يستخدمها على نحو خاطئ.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة