الصمت، ذلك الرفيق الخفي الذي يطارد أرواحنا، يرافقنا في لحظات الحب والغضب، الفرح والحزن. هو أكثر اللغات عمقًا وأشدها ألمًا.
حين نصمت، لا يعني ذلك أننا بخير؛ بل ربما نختنق بكلماتٍ لم تُقل، أو مشاعر تموت في أحشائنا دون أن تُبصر النور.
اقرأ أيضًا القوه العميقه للصمت.. تعرف الآن
صمت الحب: عذوبةٌ تُغتال
أي حبٍّ هذا الذي نحمله بين ضلوعنا ولا يجرؤ على أن يكون؟ كيف تُحرق قلوبنا بنيران العشق ونحن صامتون؟ في الحب، الصمت خيانة.
أن تحب ولا تعبِّر، هو أن تترك زهرةً تموت عطشًا في حين الماء بين يديك.
حين نظرتُ إليها في صمت، كنت أصرخ داخلي: أحبكِ. لكن الكلمات رفضت أن تُقال، كأنها تخشى الضوء أو تهاب صوتي.
مرت السنوات، ومرت هي أيضًا... وبقي صمتي شاهدًا على حبٍّ لم يُولد يومًا.
إن الصمت في الحب ليس كرامة، بل لعنة. فالقلوب التي تصمت أمام الحبيبة يُحكم عليها بالوحدة الأبدية. كما قال الشاعر الكبير نزار قباني: "الصمت في حرم الجمال جمالُ"، لكنه لم يخبرنا أن هذا الجمال أحيانًا يقتلنا ببطء.
اقرأ أيضًا ثمة صوت لا يستخدم الكلمات فأنصت إليه
صمت الغضب: احتراقٌ بلا نار
أما الغضب حين نصمت عنه، فهو جمرٌ تحت الرماد. صمت الغضب للحبيبة قد يكون أشد وجعًا من التعبير.
كيف نلومها على خطأٍ ارتكبته ونحن لا نجرؤ على المواجهة؟ نحن نخشى أن نخسرها، فنختار الصمت. لكنها تخسرنا مع كل لحظة نصمت فيها.
حين غضبتُ منها لأنها نسيت عيد ميلادي، لم أصرخ ولم أعاتب. ابتسمت بصمتٍ، وكتمتُ خيبتي. لكني لم أنسَ، وشيئًا فشيئًا أصبح صمتي مسافةً بيننا، حتى انتهينا.
وعلى الجانب الآخر، ماذا عن الوطن؟ هل نصمت أمام جراحه؟ هل نتركه يعاني ونراقب في صمتٍ كأننا غرباء؟ الصمت هنا جبن.
لا يليق بالأوطان أن تُترك وحيدةً تصارع الأقدار.
في أحد الأيام، وقف شابٌّ على حافة ميدان، ينظر إلى أرض وطنه ويقول بصوتٍ خافت: "متى نتحدث؟ متى نصيح في وجه الظلم؟" لكنه عاد إلى صمته، خوفًا من بطشٍ ينتظر. بقيت كلماته أسيرة حلقه، وبقي وطنه أسير الصمت.
اقرأ ايضًا الصمت لغة العظماء.. هل الكلام من فضة والسكوت من ذهب؟
الصمت: هوةٌ بلا قرار
الصمت ليس حملًا خفيفًا كما نظن. إنه يثقل أرواحنا، ويطارد أحلامنا، ويحول حياتنا إلى مساحات فارغة.
كم من الكلمات التي لم تُقل باتت أطلالًا في ذاكرتنا؟ كم من المرات أردنا أن نصرخ: "كفى!" لكننا اخترنا الصمت؟
الصمت لا يحمي أحدًا. إنه الذئب الذي يُطيل الانتظار فقط لينهش في النهاية. الكلمات التي نخاف أن ننطق بها اليوم، تتحول إلى أشباحٍ تلاحقنا طيلة العمر.
اقرأ أيضًا صوت الصمت.. قصة عميقة وراء الهدوء
همسة أخيرة
لا تصمت. قل ما يجب أن يُقال. لا تترك الحبيبة تنتظر اعترافك، ولا تدع الوطن يتألم بصمتك، ولا تترك نفسك تهوي في هاوية العجز.
الحياة قصيرة، والكلمات عمرٌ إضافي. لا تجعل الصمت قبرك. تحدث، أحب، اغضب، وكن أنت، بلا خوف.
رائع جدا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.