إنَّها الحادية عشرة ليلاً وتسعة وخمسون دقيقة وكل دقيقة تمرّ كأنها سنين، والخطاب الطويل لم ينتهِ بعد، ودقات القلب في تسارع وجنون، أكاد أن يغمى عليَّ من شدة قسوة الخطاب اللعين، رفعت رموش عيني في الأفق لعلي أسترق النظر إلى الساعة، وأعرف هل انتصف الليل! لكن دون جدوى فقد توقفت العقارب عن الحركة مذ أن توقفنا داخل تلك الغرفة المظلمة المرقمة برمز 13، نعم ثلاثة عشر، وهذا ما أثار فضولي لأدخل أول مرة لكنِّي لم أكن أعلم مدى شدة الخطاب وقسوته.
فقد تعودت على خطابات أخرى خارج الغرفة منها ما هو مضحك وتافه، ومنها ما لم أفهم معناه قط... لكن هذا الخطاب الذي أسمعه الآن أعرف لغته وأفهم معانيه... كيف لا وأنا من خضت كل معاركي ضده لكن بوجوه مختلفة ليس كالوجه الماثل أنا أمامه الآن...
لكن اليوم ليس ككل الأيام، فقد توقفت عقارب الساعة واشتد الظلام، وطال الخطاب، وأين أنا من كل هذا؟!
وما إن قلَّبت الصفحات التالية من الخطاب حتى سمعنا صوتا يرج المكان رجا، لقد حان الوقت أحرقوا كل الصفحات من ذاك الخطاب، وأشعلوا نيران غضبكم وشغفكم، فقد تحرَّك الرجل ذو العباءة البيضاء، ولعلّ الأرض الموعودة منزلة بعد السفر الطويل، واستمر الصوت بالكلام بنبرة سادتها السخرية:
ما لي أخبركم بما لن تفقهوه؟؟
فقد اختلط الخطاب الطويل بخلايا عقولكم وجرى في عروقكم، حتى أقفلت قلوبكم، وزادكم في أعينكم غشاوة على غشاوة، وسرتم بأيدينا القوس والسهم، وكيف لا وقد سخرنا كل قوى الأرض لخدمة مشروع هذا اليوم...
وما زلت لحد الآن غير مصدق لما أسمعه، ولكن فات الأوان، فروحي تائهة وجسمي تغيَّر، فلم أعد أملك فصيلة دم تشبه باقي البشر، وما إن قررت الرحيل سأفنى بلا شك، فمن يدخل الغرفة 13 لا يخرج منها إلا منسيا، وإن خرجت ستذوب عظامي عند أول شعاع نور، وما لي الآن سوى الصمت والطاعة فنهايتي بلا شك قريبة، ولكن ليست ككل النهايات التي تكتب في أواخر سطورها أنِّي رحلت، فتذكروني فأمثالي لا يذكرون ولا يتذكرهم أحد، فمنذ دخلت الغرفة 13 لم يعد لي اسم، ولا شكل، ولا رأي، أنا هنا رقم قابل للزوال مع أول رسالة تأتي من السيّد العظيم كما يسمونه هنا...
ألم تحسّ صديقي أني أكلمك أنت؟!
نعم أنت أيها القارئ الذي أبحر معي من أول السطر إلى النهاية التي سأرويها لك رغمًا عنك.
عليك معرفة الحقيقة التي حرفت وغيبت عنك منذ سنين طويلة، علموك أن الحقيقة هي ما تدركه العين وتبصره... لكن لم يعترفوا لك بأن هناك أمورًا لا تدرك بالعين، ولا تُرى إلا بالقلب السليم الذي لم يرضخ لتلك الهمسات اللعينة التي أدخلتني للغرفة المظلمة، وحكمت عليَّ بالنسيان.
هل أكمل لك ما أعرفه من حقائق أم أنك مللت مما جعلوك تظن أنها مجرد خرافات وضرب من الخيال؟!...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.