النكتة فن قديم في المجتمعات المختلفة، وهي وجه من وجوه التعبير اللغوي الذي يستجيب لمتغيرات المجتمع ويُعبِّر عن اتجاهاته، وإن طبيعتها التي تجعلها سببًا للضحك أو جالبةً للضحك تجعلها في الوقت نفسه من أكثر فنون التعبير انتشارًا وتقبلًا لدى الناس.
والنكتة تشبه في صياغتها صياغات الأمثال والحكم، إلا أنها تتميز عنهما بكونها تعتمد على الإشارة واللمحة الدالة التي تحمل مضمونًا يتفاعل معه المتلقي بالضحك.
قد يهمك أيضًا تعرف على أجمل نكت مضحكة لك وللأصدقاء
أسباب انتشار النكتة
ومن أسباب انتشار النكتة وشيوعها بين الناس تلك اللغة المكتوبة بها، فهي تعتمد على اللغة الدارجة، وتستغل المفارقة اللفظية بين تعبيرها والموقف أو الموضوع الذي تتحدث عنه.
وهي أيضًا تعتمد على ذكاء المتلقي في التقاط ما تشير إليه من تلك المفارقات، ولأنها شفوية غالبًا، فإنها تتطلب الاستجابة الفورية للموقف الذي يجمع المجتمعين، مستفيدة من الموقف الذي تشير إليه، ومستثيرة في الوقت نفسه استجابة المتلقي لذلك الموقف، نحو القول: «مرة واحد جا يقعد على قهوة.. قعد على شاي».
وهي نكتة تستغل المفارقة اللفظية بين «القهوة» بمعنى المكان الذي يجتمع فيه الناس للسمر ونحوه، أي المقهى، وتفترض استجابة المتلقي لهذه المفارقة بين القهوة والشاي بالضحك.
ولا يقصد منها سوى الضحك على الموقف، من باب إزجاء الوقت وإيجاد مناسبة للضحك.
وهذا يلفت النظر إلى مضمون النكتة وأنواعها، فبالنظر إلى مضمون النكتة فإننا نجد أن النكتة أنواعًا، منها: الاجتماعي، والسياسي، والعبثي الذي لا يهدف إلا إلى الضحك.
ولذلك فإن النكتة إحدى أدوات قياس الرأي الرئيسة، فبها يعرف المسؤولون اتجاهات الناس في قبول أمر ما أو رفضه، وهذا رغم الطابع القاسي الذي تتجلى فيه النكتة السياسية والاجتماعية على وجه الخصوص، إذ تُعد إحدى وسائل النقد المباشر للمواقف الاجتماعية والسياسية.
ولا يخلو بلد من وجود نكتة تناسب طبيعته وتستقي صياغتها من لغته، ولذلك تكتسب النكتة طبيعة البلد الذي تنشأ فيه، فالنكتة اللبنانية غير النكتة المصرية غير السورية.
وهذا ما يجعل بعض النكت غير مفهومة في بلد غير بلدها الذي نشأت فيه، إذ إن كل نكتة كما أشرت تعتمد على السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية للمكان الذي نشأت فيه، خاصة أن بعض النكت تعتمد على ثوابت ثقافية أو علامات ثقافية في كل مجتمع، كالصعيدي في مصر أو الحمصي في سوريا، اللذين يُعدان مثالًا للطيبة والعناد.
قد يهمك أيضًا نوادر جحا مع تيمور لنك.. مواقف طريفة
كيفية صياغة النكتة
ورغم السهولة التي قد تبدو عليها النكتة، فإن صياغتها وإلقاءها تتطلَّبان موهبة خاصة، فمَن يصوغ النكتة قد لا يكون بارعًا في إلقائها، ومَن يُلقيها قد يكون غير بارع في صياغتها.
ولذلك فإن ميلاد النكتة يمرُّ بثلاث مراحل: الصياغة، وهي قد تكون عفو الخاطر، استجابة لموقف من المواقف، وهذا يعني أن مَن صاغها وألقاها موهوب في الجانبين، وقد تخصص بعض الناس في صياغة النكتة وإعدادها لإلقائها في المناسبات.
ولعل من الفنانين المصريين الذين اشتهروا في هذا المجال الفنان «فكري الجيزاوي»، الذي كان يُلقب بـ «صاروخ النكتة»، وكان مشهورًا بنكته التي يُلقيها في الحفلات العامة بسرعة وتتابع، دون فواصل تقريبًا.
أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الإلقاء، وهذا يعني أن لدينا دائمًا مرة أولى لإلقاء النكتة من شخص ما، في موقف ما، فإذا لقيت هذه النكتة قبولًا من الحضور الذين سمعوها، شاعت وانتشرت في المجتمع، دون أن نعرف «صاحب النكتة» أو صانعها الأول.
ولذلك فالنكتة في هذا الجانب تتشابه مع الحكايات الشعبية التي لا نعرف مؤلفها أو صاحبها الأول، والأغلب أن يُعاد صياغتها مرات عدة، وفي كل مرة تنال استجابة مختلفة بحسب قدرة المُلقي نفسه على إلقائها واختيار زمن الإلقاء ومكانه.
وبطبيعة الحال، تظهر النكت وتختفي بحسب ظروف المجتمع نفسه وزمنه، فنكت الستينيات غير نكت السبعينيات، غير ما جاء بعدها، وغير ما كان قبلها.
أي أن النكتة كما أشرت، تستجيب للمجتمع ولطبيعته ولسياقاته المختلفة، وهو ما يجعل من النكتة مرآة عاكسة لقيم المجتمع ولقضاياه وهمومه وأحلامه وطريقة تفكيره، بل وتُنبئ عن توجهاته المستقبلية.
ما يُحوِّل النكتة إلى ملخص شديد التعبير والشفافية عن كل ما يمرُّ به المجتمع في لحظاته الزمنية المختلفة.
أغسطس 19, 2023, 10:30 ص
💙
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.