هل يعامَل المراهق معاملة الرجال أم الأطفال؟

واحدة من أهم وأخطر المراحل في حياة أي إنسان هي مرحلة المراهقة التي تشهد كثيرًا من المشكلات بين الوالدين من جهة والأبناء من جهة أخرى. فالابن ينظر إلى نفسه على أنه رجل، والوالدان لا يزالان ينظران إلى الابن على أنه طفل، فأي النظرتين صحيحة وأيهما خاطئة؟

هذه المقالة تجيب عن السؤال الذي يدور في خلد كثير من الآباء والأمهات: هل أعامل ابني المراهق بصفته طفلًا أم رجلًا؟ وما الفرق بين المراهقة والبلوغ؟ وهل للبيئة دور في هذه المرحلة الخطرة؟

هل المراهق طفل أم رجل؟

المراهقة هي مرحلة انتقالية تعني انتقال الابن/الابنة من الطفولة إلى الرجولة والرشد، أي إن المراهق بدخوله هذه المرحلة يكون قد ابتعد عن الطفولة، واقترب من مرحلة جديدة هي الرجولة، ومن ثم يجب على الوالدين أن يعيا هذه الحقيقة، وأن ابنهما/ابنتهما لم يعد طفلًا كما في السنوات الأولى من عمره، بل صار رجلًا، يحب أن يؤخذ رأيه في كل ما يخص الأسرة؛ كونه أحد أفرادها، وليس قطعة أثاث أو ديكورًا في البيت.

وهذا يعني أن المراهق رجل، له رأي ووجهة نظر تُحترم، ويجب التعامل معه من هذا المنطلق، ومن ثم تدريبه على تحمل بعض المسؤوليات في البيت، فهذا من شأنه أن يشعره بأهميته وأن يزيد ثقته بنفسه، ويعزز لديه شعور الاستقلالية، ويقربه من أبيه وأمه؛ لأن معظم مشكلات هذه المرحلة تنبع من الفجوة الكبيرة بين الآباء والأبناء.

ما الذي تغيَّر في المراهق؟

للأسف كثير من الآباء والأمهات لا يلتفت إلى التغيرات التي تطرأ على أبنائهم مع دخول مرحلة المراهقة، إلا بالشكوى من صوته المرتفع، ورده الحاد، وانفعاله المبالغ فيه، وهذا لب المشكلة.

لذلك من الضروري أن أتوجه لهذه النوعية من الآباء والأمهات بهذه الأسئلة، ويكفي أن يجيبوا عنها بينهم وبين أنفسهم أو في التعليقات أسفل هذه المقالة إن أرادوا ذلك:

ألم تلاحظي ذلك الخط من الشعر الذي يرتسم تحت أنفه؟

ألم يلفت انتباهك تلك الشعيرات التي على ذقنه؟

ألا تلاحظين تلك الحبوب التي تميل إلى السواد المنتشرة على وجهه؟

أيها الأب، أيتها الأم، لقد دخل ابنكما مرحلة جديدة مختلفة تمامًا عن مراحل عمره الماضية، هذه المرحلة تتطلب اهتمامًا أكبر، قربًا أكثر، وقتًا للجلوس والتحدث إليهم والاستماع والإنصات لهم أطول، تتطلب من الأبوين القراءة وزيادة الاطلاع عن التغيرات الجسمية والنفسية والفسيولوجية التي تطرأ على الابن في هذه المرحلة من عمره.

البلوغ والمراهقة

في كتابه الشيق (المراهقون المزعجون) يوضح الدكتور مصطفى أبو سعد -الخبير التربوي- الفارق بين المراهقة والبلوغ.

فالأول -أي المراهقة- مرحلة وسط بين مرحلتي الطفولة والرشد، أما البلوغ فيعني نضوج الغدد الجنسية واكتساب معالم جنسية جديدة، تنقل الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد.

أما البلوغ فتعني نضج الغدد الجنسية، واكتساب معالجة جنسية جديدة تنقله من مرحلة الطفولة، إلى مرحلة الرشد. يصاحب البلوغ تغيرات خارجية وأخرى داخلية في جسم المراهق، ويقتصر البلوغ على ناحية واحدة من نواحي النمو الجسدي وهي الناحية الجنسية.

المراهقة.. مرحلة المسؤوليات الكبرى

يرفض المراهق ما يقوله الكبار من حولهم، بأنهم -أي المراهقين- سبب المشكلة، في حين أنهم يرون أن المشكلة من وجهة نظرهم سببها نظرة الكبار إليهم ومعاملتهم لهم على أنهم ما زالوا صغارًا يجب أن يسمعوا فيطيعوا دون مناقشة أو حوار، في حين أن هذه المرحلة بمنزلة الإعداد والتهيئة لتحمل المسؤولية واتخاذ القرار في المستقبل القريب.

عالم النفس الأمريكي، جورج ستانلي هول -مؤسس علم نفس النمو- وهو أول من كتب عن المراهقة حديثًا وتحديدًا من نهاية القرن التاسع عشر، هو صاحب الاقتراح بفكرة مرحلة المراهقة بصفتها مرحلة وسط بين البلوغ الجنسي والرشد.

فالمراهقة في رأيه مرحلة الضغط والعاصفة التي تظهر مرحلة الانتقال المضطرب والتطور التي يمر بها المراهق، غير أنه لا يرى أي تأثير للبيئة على التغيرات التي تحدث في مرحلة المراهقة. في حين أن البعض الآخر، يرى أن كل ظروف المراهقة ومشكلاتها وتعقيداتها ما إلا نتيجة حتمية لظروف المجتمع الصناعي الحديث بتعقيداته الكثيرة.

البيئة ومرحلة الرشد

من الملاحظ أن البيئة تؤدي دورًا حيويًّا في اكتساب الأبناء في مرحلة المراهقة لسمات الرجولة والرشد، فالشاب أو الفتاة في المجتمعات الريفية أو البدوية أو حتى المدن الصغيرة، ما أن يصل إلى سن البلوغ (12-15سنة) نجد الأسرة تعتمد عليه كليًّا في أعمال الحقل والزراعة وتربية المواشي والأغنام، وكذلك الفتاة، وقبل بلوغها هذا السن أيضًا، هي من تقوم بأعمال البيت من تنظيف وغسيل وطبخ وغيرها من الأمور المنزلية تحت عين أمها التي تراقب حركاتها من بعيد وتقدم لها المشورة في الوقت المناسب، فضلًا على رعاية إخوتها الصغار كما لو كانت أمًّا ثانية لهم.

يمكن أن نستخلص من ذلك، أن التدليل الزائد وعدم تعويد الطفل على تحمل المسؤولية منذ الصغر، واعتمادية الأبناء على الكبار في تحقيق احتياجاتهم، من شأنها أن تؤخر مرحلة الرشد والنضج، والعكس صحيح، كما في المثال السابق.

النموذج التعليمي له دور أيضًا في ذلك، فالشاب أو الفتاة قد يصل إلى 21 عامًا -نهاية المرحلة الجامعية- ولم يخض تجربة العمل والاعتماد على النفس، في حين أن أقرانه ممن لم تتح لهم فرصة الوصول إلى المرحلة الجامعية قد خاضوا غمار الحياة العملية منذ سن الثانية عشرة.

المراهقة.. مرحلة انتقالية

 من كل ما سبق يمكن القول إن مرحلة المراهقة حاسمة في حياة أي شخص، نظرًا للتغيرات التي تطرأ عليه في كافة الجوانب النفسية والاجتماعية والعاطفية والعقلية، وإن كان الصراع الداخلي أبرز ما يميز هذه المرحلة.

هي أيضًا مرحلة اختلاط المشاعر والانفعالات السريعة، فنجد المراهق يتسم بالتمرد وسرعة الغضب والميل إلى العدوانية والعنف ورفض الأوامر بل والاستمتاع بكسرها.

في مرحلة المراهقة يتبنى المراهق بعض القيم والمبادئ وتتحدد لديه الاتجاهات، ويدخل في كثير من المشكلات والصعوبات والتحديات، وهي طبيعة حتمية للمرحلة التي يمر بها، ما يعني ضرورة تفهم الوالدين لهذه المرحلة والتعامل مع المراهق بحكمة؛ لأنها تترك أثرهًا بالإيجاب أو السلب في نفس المراهق.

مرحلة المراهقة إذن يمكن أن تطول أو تقصر، حسب تعامل الأبوين ومدى تفهمهم لطبيعة المرحلة التي يمر بها الابن والابنة، فقد تمر في أشهر قليلة بكل تحدياتها ومشكلاتها ودون أن يشعر بها الآباء فضلًا على الأبناء، وقد تستمر مع المراهق حتى سن الجامعة بمشكلاتها وتعقيداتها وصراعاتها مع الكبار المحيطين به.

المراهقة حسب العمر

يقسم علماء النفس مرحلة المراهقة إلى ثلاثة مستويات حَسَبَ المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان، ومعلوم أن لكل مستوى، سماته وخصائصه التي تميزه عن غيره على النحو التالي:

مرحلة المراهقة المبكرة (12-15 سنة) تتميز هذه المرحلة بتغيرات بيولوجية سريعة.

مرحلة المراهقة المتوسطة (15-18 سنة) تتميز باكتمال التغيرات البيولوجية.

مرحلة المراهقة المتأخرة (18-21 سنة) يمكن أن نطلق عليها مرحلة الرشد.

المراهقة حسب الظروف الاجتماعية والثقافية

تقسم مرحلة المراهقة حسب تأثير الظروف الاجتماعية والثقافية في سلوكيات المراهق إلى ثلاث صور:

مراهقة سوية خالية -نسبيًا- من المشكلات والصعوبات.

مراهقة انسحابية، يفضل المراهق هنا الانطواء والعزلة والانفراد بذاته، والانسحاب من مجتمع الكبار.

مراهقة عدوانية، حيث تبدأ بعض السلوكيات العدوانية والعنيفة في سلوك المراهق تجاه نفسه وغيره من المحيطين به.

المراهق.. كيف يراه الكبار؟

دعنا نتوجه بهذا السؤال إلى الكبار الذين يتعاملون مع المراهقين: ما رأيكم في سلوكيات وتصرفات المراهق؟

أعتقد أن الإجابة لن تختلف كثيرًا عن القول إنها مرحلة سيئة مليئة بالمشكلات والمشادات والخلافات والصراع الدائم مع المحيطين به، الوالدين في الأسرة، المعلم في المدرسة، الأقران في المدرسة أو النادي أو الشارع. هي مرحلة مضطربة في العلاقة بين الآباء والأبناء، يميل المراهق أكثر إلى أصدقائه ويبتعد عن أبويه.

يبدي الكبار انزعاجًا كبيرًا من بعض السلوكيات التي تصدر من المراهقين، سواء قصة الشعر، أو طريقة المشي، أو اللبس، أو المزاح، وكذلك فوضويته وعدم تنظيمه، فحياته عامة فوضوية، لا نظام ولا ترتيب فيها.

صورة تبدو سوداوية لا يُرى منها سوى الجانب السلبي للمراهق في هذه المرحلة شديدة الخطر من حياته، تُرى كيف يتعامل الكبار مع المراهقين، إذا كانت تلك هي نظرتهم إليهم؟!

الخلاصة

 على الآباء والأمهات معرفة التفاصيل التي يمر بها ابنهم/ ابنتهم في مرحلة المراهقة، وتفهُّم التغيرات التي تطرأ عليهم، لكي يحسنوا التعامل معهم، دون أن تؤثر بالسلب في نفسياتهم، فالمراهق ليس بحاجة إلى من يذكر عيوبه ويشعره أنه لا يزال طفلًا صغيرًا، وإنما يحتاج إلى من يشعره بأهميته وقيمته في المنزل والحياة عمومًا، ويستشيره في بعض الأمور التي تهم الأسرة، لكي يشعر برجولته وانتقاله الحقيقي من مرحلة الطفولة لمرحلة أكثر نضجًا.

 ولعل هذا ما يفسر سر هروب المراهق إلى الأصدقاء أو الشلة، حيث يغرقونه بالكلام المعسول، ووصلات المدح والثناء، على طريقة لبسه، ومشيته، وقصة شعره، وطريقة كلامه وغيرها من الأشياء التي يحب المراهق سماعها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة