الصداقة ليست مجرد شخص يقاسمك الوقت، بل هي جزء لا يتجزأ من حياتك، أو ما نطلق عليه "الأخ الذي لم تلده أمك".
فهل يحتاج الإنسان إلى أصدقاء فعلًا؟ أم أنه يمكنه العيش دون أصدقاء؟
في هذه المقالة سوف نجيب عن هذه التساؤلات وغيرها التي تشغل بال كثير من الآباء والأمهات.
اقرأ أيضًا كيف أحصل على صديق حقيقي؟
هل يمكن للإنسان العيش دون أصدقاء؟
في البداية الإنسان كائن اجتماعي، لا يمكنه العيش بمفرده، يحتاج الناس ويحتاجون إليه، ولكي تستمر الحياة، لا بد من تعاون الأفراد والمجتمعات والدول؛ لذلك يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (سورة الحجرات، 13).
هذه نقطة البدء، لكن هل يعني هذا أن الإنسان لا يمكنه العيش دون أصدقاء؟ وهل العلاقات الاجتماعية بالآخرين تتطلب صداقتهم؟
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه في العلاقات الاجتماعية: "الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط ". وهذا يعني الوسطية والاعتدال في العلاقات الاجتماعية بالآخرين.
ومع هذا لا يمكن التوسط على نحو كامل، فقد تميل مرة إلى الانبساط، وأخرى إلى الانقباض، والمعيار الأساسي الذي يجب أن يختار عليه الإنسان صديقًا له، هو الصدق، اختر الصديق الصدوق، فصديقك من صدقك، لا من صدَّقك، أو أضحكك أو حتى استمع إليك بعناية.
أحيانًا يصبح الصديق بمنزلة الأخ، تجمع بينكما رابطة قوية مثل الروابط العائلية، بل وقد تتجاوزها في بعض الحالات.
الصديق يشاركك اللحظات المهمة، مثل الأفراح والأحزان؛ ما يعزز الشعور بالانتماء والألفة. فضلًا عن أن هذه العلاقات توفر دعمًا عاطفيًا وعمقًا في الحياة لا يمكن الحصول عليه بالعلاقات السطحية.
اقرأ أيضًا المعنى الحقيقىي للصداقة وأنواع الأصدقاء في حياتنا
أنواع العلاقات
قد يستغرب البعض هذا الكلام، ويقول، وإلى من أفضفض وأحكي أسراري؟
يمكن للإنسان أن يتخذ من زوجته، أهله، أصدقاء له دون حاجة لأصدقاء من خارج محيطه العائلي، وإن كان ولا بد فعليه أن يختار الصديق الصدوق؛ لأنه ليس كل إنسان يصلح أن يكون صديقًا.
وهنا نلفت إلى أنواع العلاقات، فهناك علاقات دائمة، وأخرى مؤقتة، تنتهي بانتهاء التعامل أو المصلحة أو المنفعة، وبالمناسبة فإن العلاقات الاجتماعية تقوم بالأساس على أساس المصلحة أو المنفعة، سواء كانت مادية أو معنوية.
قد تقابل شخصًا ما في مصلحة حكومية أو مؤسسة ما، يقضي لك حاجتك، هذه علاقة مؤقتة، تنتهي بانتهاء المعاملة بينكما، ليس بالضرورة أن تلتقيا مرة أخرى.
في المقابل، توجد علاقات دائمة، لا يمكن الفكاك منها، كعلاقة الأقارب، الخال والعم والجد والجد، حتى الأبوين، مهما حصل، ومهما صارت الخلافات والمشكلات، لا يمكن الفكاك منها، يبقى الأب أبًا، وتبقى الأم أمًّا، والخال خالًا وهكذا.
حتى الزوجة علاقتك بها دائمة، حتى وإن انتهى الأمر بالطلاق، وصار كلٌّ في حياته، فقد يربط بينكما أبناء، وإن لم يوجد أبناء، فأمها محرم بالنسبة لك.
في هذه النقطة تحديدًا، لا بد من الأخذ في الاعتبار، أنه لا يمكن تقديم العلاقات المؤقتة على العلاقات الدائمة، للأسف بعض الشباب والمراهقين، يتخذون أصدقاء مقربين لهم، يتحدثون إليهم بأمور لا يعلم عنها أقرب الناس إليهم، وهما الأبوان.
يتسبب هذا الأمر في كثير من المشكلات بين الآباء والأبناء، خاصة إذا كانوا رفقاء سوء، فالابن يصر ويعاند ويتمسك بأصدقائه مهما كان حالهم، والأب يرفض ويقاوم ويفرض على الابن الابتعاد، فتصير هناك صراعات لا تنتهي في هذه المرحلة الحساسة من حياة الأبناء، حتى إنها قد تخلق عداوة بين الآباء والأبناء.
اقرأ أيضًا كيف تعرف من هو صديقك المناسب
اقترب ممن ينفعك
الأصل إذن في العلاقات، تقديم الدائمة على المؤقتة، الثانية تتطلب الاحترام، لكنها لا تشترط الحب، في حين أن الأصل في العلاقات الدائمة كما يقول الدكتور ياسر الحزيمي -مدرب تطوير الذات ومختص في التنمية البشريَّة- الاحترام وإظهار الاهتمام، بمعنى أن أفرح لفرحك، وأحزن لحزنك، أشاركك الأحزان قبل الأفراح، أبادر في خدمتك.
إن من الحكمة أن تبتعد عمَّن يضرك، لا أن تقترب منه وتصادقه وتصاحبه، وتجعله مستودعًا لأسرارك، فإذا ما انتهت العلاقة، افتضح أمرك، وتناقل الناس أسرارك.
لذلك من الحكمة أيضًا أن تقترب ممن ينفعك، حتى وإن قال الناس عنك إنك "مصلحجي".
يجب هنا ألا تهتم بما يقوله الناس؛ لأن إرضاء الناس غاية لا تُدرك، فالعلاقات بالأساس تقوم على المنفعة والمصلحة، ولكن يجب عليك توجيه الشكر لمن قدَّم إليك يد العون، وأن تحب العطاء كما تحب الأخذ، هكذا هي العلاقات الاجتماعية.
اقرأ أيضًا قراءة في كتاب الصداقة من منظور علم النفس الجزء الرابع والأخير
خلاصة القول
الإنسان بحاجة إلى أصدقاء ثلاثة، صديق يعينك على أمر الآخرة، يقربك إلى الله عز وجل، وصديق يعينك على أمر دنياك، يقيلك إذا عثرت، يبادر لمساعدتك عندما تحتاجه، ينصرك إذا ظلمت، وصديق يؤنسك، بينك وبينه تمازج أرواح، إذا رأيته تبتهج، تسر، ترى أنك قادر على أن تخبره ببعض أمورك التي تشغلك.
وكما يقول الحزيمي فإن الإنسان بلا صديق، كطير لا يقوى على التحليق، ووردة دون رحيق، ويد لا تحسن التصفيق.
وأنتم أعزائي القراء، شاركونا آراءكم، في التعليقات أسفل هذه المقالة، حول حاجة الإنسان لصديق مقرب، يفضي إليه ويشعر معه بالراحة والاطمئنان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.