لا يزال قطاع كبير من الناس، لا سيما أولياء الأمور لأطفال طيف التوحد، تراودهم بعض الأفكار الخاطئة حول مستقبل أطفالهم، وإمكانية تحسنهم في المستقبل، وممارسة حياتهم على نحو طبيعي مثلهم مثل غيرهم من البشر.
قد يكون صادمًا للبعض معرفة أن ما نسبته من 20 – 25 % من أسر أطفال طيف التوحد، مصابون بهذا الاضطراب، سواء الأب أو الأم أو الجد أو الجدة أو الخال أو العم.
ليس هذا فحسب، فنسبة ليست بالقليلة من أشقاء أطفال طيف التوحد، يعانون من هذا الاضطراب دون أن يشعروا.
قد يهمك أيضًا كيف تنقذ طفلك من التوحد؟ خطوات عملية
أثر التربية التقليدية
هؤلاء الأطفال يشعرون أنهم مختلفون نوعًا ما عن بقية الأشخاص، لكنهم بالنهاية يمارسون حياتهم على نحو طبيعي.
عند الحديث إلى بعض أولياء أمور هؤلاء الأطفال، تشعر أنك أمام أمر واقع، وقدر محتوم، بأن هذا الابن سيظل هكذا، ولا أمل أو رجاء من تحسنه، وهذه مشكلة كبرى، بحاجة إلى التصحيح.
دعونا نعد إلى الخلف قليلًا ونتذكر طفولتنا قبل ثلاثة عقود فأكثر التي يسميها البعض بالتربية التقليدية أو التربية القديمة، حيث كان الأطفال المصابون بطيف التوحد، موجودين أيضًا.
غير أن هذه الطريقة من التربية، تميزت بشيئين غاية في الأهمية، التواصل بين أفراد الأسرة، ومع الأقران والأقارب والجيران، حيث لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد عُرفت بعد.
ولم تكن توجد أيضًا وسائل الإعلام الحديثة الموجودة الآن، إذ لم يكن يوجد سوى الراديو أو التليفزيون الأبيض والأسود.
لكن هذا لا يعني أن وسائل الاتصال الحديثة هي السبب في حدوث اضطراب طيف التوحد لدى كثير من الأطفال وبنسب كبيرة خلال العقدين الأخيرين.
ندرة هذه الوسائل أو عدم وجودها من الأساس، أجبرت الأطفال منذ الصغر على التفاعل والتواصل مع بعضهم بعضًا، فكان أطفال القرية أو الشارع أو الحي يخرجون ويلعبون سويًّا، والتواصل الاجتماعي كان متاحًا على نحو فعال ولساعات طويلة على مدار اليوم.
قد يهمك أيضًا هل تكرار الكلام لدى طفل طيف التوحد أمر مقلق ؟
تأثير وسائل التواصل
وبالنظر إلى حال أطفال اليوم نجد أنهم يقضون الساعات أمام الشاشات بأنواعها المختلفة، ما يجعلهم يفتقدون لأساليب التواصل والتفاعل مع الآخرين.
المشكلة هنا ليست في الجلوس أمام الشاشات فحسب، بل المشكلة الأكبر أنها تأخذه من التفاعل والتواصل مع الآخرين، وتضيع عليه كثيرًا من الفرص الاجتماعية والخبرات التي يمكن أن يكتسبها بالتفاعل مع الآخرين.
ما أقصده هنا أن التواصل والتفاعل الاجتماعي في السابق كان أمرًا حتميًا إجباريًّا، أما اليوم فأصبح اختياريًّا، للطفل الحق في التواصل والتفاعل مع الآخرين من عدمه.
إذن حالة الاستسلام التي نجد أغلب أولياء أمور أطفال طيف التوحد عليها اليوم، أمر غير صحي، بل يجب أن تسود روح التفاؤل والثقة بالله قبل كل شيء، في القدرة على تطوير وتحسين جودة حياة أطفالهم.
خاصة وأن الواقع يؤكد ذلك، هناك كثير من حالات لأطفال طيف التوحد، مع التأهيل تمكنوا من الوصول إلى مستويات عالية مكَّنتهم من ممارسة حياتهم على نحو طبيعي.
ما يجب أن يدركه الآباء والأمهات لأطفال طيف التوحد، أن طفل طيف التوحد ذكي، لديه قدرات ومهارات تمكنه من أن يصبح طفلًا طبيعيًّا، وهذا ينبع من إيمان الآباء بأبنائهم، وثقتهم غير المحدودة بقدراتهم التي تنتقل دون أن يشعروا لأطفالهم، فتزداد ثقتهم بأنفسهم.
قد يهمك أيضًا تعرَّف على أهمية اللعب لطفل التوحد
التفاؤل وعدم الاستسلام
ما يحتاج إليه آباء وأمهات اليوم، بعد التفاؤل وحسن الظن بالله، ثم بقدرات وإمكانات أطفالهم غير المحدودة، عدم الاستسلام والرضا بالأمر الواقع، بل الإصرار والعزيمة والإرادة القوية لإخراج أطفالهم من هذه الحالة وعدم تركهم فريسة للتوحد.
إذا كنا نتحدث في السابق عن فرضية التواصل والتفاعل الاجتماعي للأطفال في السابق، فيجب على آباء وأمهات اليوم أن يفرضوا على أطفالهم التواصل والتفاعل مع الآخرين للخروج من حالة التوحد التي يعيشون فيها ويستمتعون بها.
فكرة قبول طفل طيف التوحد بالاندماج مع من حوله تختلف من طفل لآخر، فبينما يتشبث البعض منهم بالبقاء في عزلة بعيدًا عن الآخرين، فآخرون لديهم مرونة في تعلم وسائل وأساليب التواصل والتفاعل مع الآخرين.
إن موافقة الوالدين على ترك طفلهما فريسة لحالة العزلة والانطواء ورفض مخالطة الأصدقاء والأقران، تعني موافقة ضمنية لبقاء طفلهما في هذه الحالة.
في حين أن الطبيعي أن يمارس الآباء والأمهات مزيدًا من الضغوط على أطفالهم من أجل إجبارهم على التواصل والتفاعل مع الآخرين واكتساب المهارات الاجتماعية التي تمكنهم من ذلك التي يبدأ الطفل في تعلمها من البيت.
انطر إلى أطفال طيف التوحد بعدما تحسنت حالتهم وصاروا مقبولين داخل المجتمع وبين أقرانهم، ستجد على الفور أن والديهم، يتمتعون بعزيمة وإرادة قوية، هي من أوصلت طفلهم إلى هذه الحالة من السواء، وممارسة الحياة على نحو طبيعي، لذلك تختلف من أم لأخرى ومن أب لآخر.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.