هل عمل الأمهات مأساة لأطفالهن؟

قد لا تروق هذه المقالة لكثير من الأمهات العاملات اللواتي يدافعن عن حقهن في العمل، مثلهن مثل الرجال تمامًا، ولمَ لا؟ فالنساء شقائق الرجال، لديهن الطموح، والرغبة في إثبات الذات، والجدارة في الوصول إلى مكانة تليق بهن بعد سنوات طوال قضينها في التعليم بمراحله المختلفة.

مأساة كبرى

غير أننا في هذه المقالة لا نناقش حكم أو مشروعية عمل المرأة من عدمه، بل نسلط الضوء على أثر خروج المرأة للعمل على بيتها وأطفالها تحديدًا، مما لا شك أنه يأخذ من وقتها وطاقتها على حساب أطفالها.

عبر وزير التعليم الأمريكي السابق، تيرل بال، عن قلقه إزاء التغيرات التي تشهدها الأسر قائلًا: "إن انهيار مستوى التعليم في المدارس الأمريكية في بعض جوانبه، يظهر إلى حد ما طبيعة التقلبات على مستوى الأسرة، فلدينا أسر كثيرة يعمل فيها كلا الوالدين، وأسر كثيرة أيضًا لا يديرها إلا شخص واحد سواء أكان أبًا أم أمًّا".

الواقع يشير إلى أن التربية في المقام الأول مسؤولية الأم، خاصة في مجتمعاتنا الشرقية بتقاليدها وأعرافها، فالأم هي المربية والمعلمة الأولى لطفلها، تقضي معظم وقتها معه، في حين أن الأب مهموم طوال اليوم بالبحث عن توفير لقمة العيش لأسرته الصغيرة.

تربية الطفل تبدأ منذ لحظة ميلاده، فمنذ هذه اللحظة يكون في أمسِّ الحاجة لأمه بالقرب منه، فيبدأ بالبكاء والصراخ المتواصل إن هي بعدت عنه أو فارقته دقائق معدودة، قد يكشف ذلك السر الإلهي بين الأم وطفلها الذي كان موصولًا خلال وجوده في بطنها عن طريق الحبل السري، فعندما تأكل يأكل هو، وعندما تهتم بصحتها، يكون بصحة جيدة، توجد حالة من التلازم العجيب بينهما حتى قبل الميلاد.

اقرأ أيضًا: ملخص كتاب «القواعد العشر» في تربية الأبناء لعبد الكريم بكار

دور الأم في التربية

لذلك فدور الأم في التربية عظيم، ولا يمكن لأحد تعويضه، حتى لو كان الأب نفسه. فالمشاعر التي يحسها الطفل في حضن أمه، لا يمكن أن يحصل عليها من أي أحد، حتى عندما يلقم صدرها ليرتوي شبعًا ليس فسيولوجيًّا فحسب، بل عاطفيًّا، ونفسيًّا.

والأم دومًا ما تضحي بوقتها وجهدها بل ونفسها من أجل طفلها، هذه التضحية تتجلى في أبهى صورها، عندما تقضي جل وقتها مع طفلها، تداعبه، تلاعبه، تسهر لكي تمرضه، من هنا تتكون بينهما رابطة قوية، تكبر يومًا بعد يوم.

تمتد تضحية الأم عندما تجد نفسها أمام أحد خيارين، طموحها وعملها، أم بيتها وأطفالها، خاصة إذا كانت الظروف الاقتصادية للأسرة جيدة ولن تتأثر بتركها العمل والتفرغ لتربية أطفالها، لا سيما في السنوات الأولى من عمرهم التي يكونون بأمس الحاجة فيها إلى وجود الأم دومًا بالقرب منهم.

غير أن الظروف الاقتصادية ليست العامل الوحيد المؤثر في إقبال المرأة على العمل، فقد يكون من باب إثبات الذات، وتحقيق طموح لديها بتبوؤ مكانة كبيرة في مجال عملها، وهو حق مشروع بكل تأكيد، ما دام استطاعت أن توفق بينه وبين تربيتها ورعايتها لأطفالها، وقليل منهن من ينجح في ذلك.

اقرأ أيضًا: أمهات مع وقف التنفيذ.. دور الأم الحقيقي داخل الأسرة

لماذا هذه المرحلة تحديدًا؟

سنوات ما قبل المدرسة، من أهم وأخطر مراحل الطفل على نحو عام؛ لكون هذه المرحلة التي يتشرب فيها الطفل عادات وقيم وتقاليد وثقافة وأخلاق المجتمع أو البيئة التي ينشأ فيها، ولأن التربية بالأساس هي تعليم الطفل الصواب والخطأ، المقبول وغير المقبول، ما يجوز فعله وما لا يجوز، كان لوجود الأم قرب طفلها أهمية كبيرة.

فهو أشبه بالصفحة البيضاء التي نكتب فيها ما نريد، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وكثيرًا ما سمعنا من مشاهير الفن والرياضة والعلوم والسياسة، بعد أن تبوأن مكانة مرموقة وحصلن على شهرة واسعة، تمنَّين لو تعود بهم الأيام ويعطين لبيتهن وأطفالهن وقتًا أطول.

يقول جورج دي فوس -من جامعة كاليفورنيا-: "إن الأم اليابانية عنصر كبير الأهمية والتأثير في تربية أطفالها؛ لأنها تجعل من نفسها المسؤول الوحيد عن تعليمه، وتدعم بقوة دور المدرسة، وإن تربية الطفل تبدأ منذ الولادة".

اقرأ أيضًا: ما دور الأم في الأسرة و المجتمع؟

أين يكون طفلك عندما تكونين بالعمل؟

والسؤال الذي يجب على كل أم عاملة أن تسأله لنفسها: أين يكون طفلها أفي ثناء وجودها بالعمل؟

للأسف الواقع يشير إلى أن كثيرًا من الأمهات العاملات يضعن أولادهن في الحضانات منذ العام الأول، وقد يتركنه للخادمات في المنزل، وهذه مأساة كبرى. فهذه الأم التي لا تتحمل البعد عن عملها أشهرًا معدودة، لكنها تتحمل أن تفارق طفلها الرضيع بالساعات يوميًّا، وعندما تعود إلى بيتها، يكون بانتظارها كثير من المسؤوليات الأخرى الخاصة بالبيت والزوج وباقي الأبناء.

إذن كم نصيب هذا الطفل الصغير من وقت أمه كل يوم؟ وماذا لو عقدنا المقارنة بينه وبين طفل بجوار أمه طوال اليوم، تناغيه، تلاغيه، تلاعبه، تداعبه، لا شك بأن الطفل الأخير يتطور عاطفيًّا ولغويًّا واجتماعيًّا وجسديًّا على نحو ملحوظ مقارنة بالطفل الأول.

المأساة الأكبر، عندما تترك الأم طفلها وهي لا تدري ماذا يحدث في غيابها، فالخادمة على سبيل المثال قد تتركه بالساعات أمام الشاشات بأنواعها، في حالة سكون وهدوء تام، وهذا أقصى أمانيها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة