قبل ثلاثين سنة من الآن، كان الناس يعيشون الرفاهية والسعادة أكثر مما نعيشها الآن، على الرغم من التقدم التكنولوجي الرهيب اليوم؛ كانت السعادة الحقيقية تكمن في المأكل والملبس والسكن المريح، إضافة إلى السعي للحصول على سيارة بسيطة تفي بغرض النقل والواجبات التي تتطلب استخدام المواصلات، وما عدا ذلك لم يكن بالأمر المهم.
اقرأ أيضًا التحول الرقمي.. إحداث ثورة في حياتنا اليومية
لم تكن في بيوتنا شبكة الإنترنت، ولم تكن غرفنا مكيفة، وكانت شاشات التلفاز كبيرة ومحدبة وبجودة لا تصل حتى إلى عُشر أو أقل من جودة شاشات اليوم. حتى الجدران لم تكن مزينة مثل جدران اليوم.
اليوم وصلنا إلى تطور تكنولوجي رهيب، وإلى زمن الذكاء الاصطناعي، وإلى عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي قضت على كل ما كان يربط بين أفراد الأسرة، سواء الصغيرة أو الكبيرة حتى بين الجيران والأصدقاء.
كانت سعادتنا في اجتماعنا تحت سقف واحد، ننتظر اللحظة التي يُجهز فيها العشاء لنلتف حول طاولة بسيطة ونتلذذ بوجبات تقليدية بسيطة، منها ما لم نعد حتى نتذكر ذوقه.. وبعد تناول وجبة العشاء، كانت الأسرة تجتمع حول التلفاز نشاهد برامج ترفيهية وتثقيفية كنا ننتظر موعدها على أحر من الجمر.. ولم نكن نجد فرصة للتسلية إلا في المذياع أو التلفاز، أو ربما في الصحف والمجلات.
اليوم تطورت التكنولوجيا أكثر، وتنوعت وسائل الترفيه ومواقع التواصل الاجتماعي التي من كثرتها هناك من لا نعرفها حتى.. ومع ذلك غابت تلك اللحمة الأسرية وذلك الترابط. فتجد في غرفة واحدة الأب منشغلًا بتقليب أحدث الفيديوهات، والأم تبحث عن أحدث الوصفات أو آخر صيحات الموضة في هاتفها النقال، أو قد تجدها تتجسس على صديقاتها وجاراتها في هاتفها.. في حين أن الأولاد أغلبهم منشغلون بمواقع الألعاب والتطبيقات الجديدة. فنجد في غرفة واحدة الأسرة مجتمعة في صالة واحدة، لكنهم متفرقون عبر هواتفهم، وكل مركز على شاشته الشخصية.
حتى بين الجيران والعائلة الكبيرة، صرنا نكتفي فقط بإرسال نص صوتي أو رسالة خفيفة، وأحيانًا فقط بالضغط على زر الإعجاب أو التضامن، بل وأحيانًا نضغط على زر الحزن للتعبير عن مشاعرنا.. أين تلك الأيام التي كنا نجتمع فيها في الأعراس مدة أحيانًا تصل إلى الأسبوع أو ربما أكثر؟ واليوم صار العرس يمر خلال ساعتين أو ثلاث على أقصى تقدير..
أين تلك اللقاءات بين الجيران في الحي ليتناقشوا اهتماماتهم ومشاكلهم ويتشاوروا فيما بينهم؟ اليوم قلما تجد شخصًا يملك علاقة طيبة بجاره، وأغلبهم لا يتحدثون حتى مع بعضهم البعض.. أين ذلك الشخص الذي كان ينهر طفلًا صغيرًا ويوبخه إذا لمحه يتصرف بطريقة طائشة كأن يدخن أو يهرب من المدرسة، حتى وإن كان لا يعرفه؟ اليوم، لو فعلها حتى العم أو الخال، فإن والد الطفل ربما سيخاصمه، وقد تصل الأمور حتى إلى المحاكم.
لا نريد مزيدًا من التكنولوجيا، وتبًا لها إن كان الأمر على حساب سعادتنا وروابطنا.. أعيدوا لنا ذلك الزمن الذي نسميه الجميل، حتى وإن كانت الحنفية تنقطع طوال النهار، والكهرباء تنقطع في اليوم أكثر مما تعمل.. حتى الخبز والحليب والمواد الأساسية كنا نحصل عليها بشق الأنفس، لكنها كانت أيامًا جميلة لا يمكن نسيانها.
اقرأ أيضًا التحول الرقمي والتكنولوجي ومدي تأثيره علي الحياة اليومية
رائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.