هل ستحل الروبوتات محل المعلمين مستقبلا؟ الجزء الثاني

يقتصر الاستخدام الأكثر شيوعًا للروبوتات في الفصول الدراسية حتى اليوم على كونها أداة تعليمية بسيطة، حيث أصبحت الروبوتات سمة من سمات المدرسة الثانوية والمواد الدراسية الجامعية.

تعلم الطلاب برمجة الروبوتات

يتعلّم الطلاب من خلالها كيفية صناعة وبرمجة الروبوتات لأداء مهام محددة، كما أنه من الشائع اليوم في الفصول الدراسية تركيب الروبوتات لاستكشاف فيزياء ركل الكرة، أو تعلّم المفاهيم الهندسية الأساسية، فعلى عكس العديد من برامج التعليم المماثلة، يُعد توظيف الأجهزة في التعليم طريقة فعالة لتوفير التمثيل المادي والملموس لنتائج التعلّم.

الروبوتات في الفصول الدراسية 

إلا أنّ هناك شكلًا أكثر تعقيدًا للروبوتات وآلية استخداماتها في الفصول الدراسية، مثل "الروبوتات الاجتماعية" التي يمكنها لعب دور المعلّم أو المساعد في الصف، ويتضمن ذلك الروبوتات التي يمكنها التعامل مع المتعلمين، باعتبارها كائنات اجتماعية تحظى بدرجة من الاستقلالية، وتتفاعل بطرق تُشبه إلى حدّ ما المعلّم البشري أو الرفيق أو الحيوان الأليف.

الروبوتات الاجتماعية قادرة على الإحساس ببيئتها، والتخطيط لكيفية تحقيق أهداف محددة، ومن ثم تنفيذ الإجراءات اللازمة دون إشراف خارجي.

تتمتع هذه الروبوتات بقدرات قيادة ذاتية التشغيل بالكامل، وقد تم تطويرها بغرض الاستخدام التعليمي، وهي تختلف من حيث الدور المنسوب إليها والأنشطة التي تشارك فيها ومظهرها الخارجي.

على سبيل المثال، يمكن تعيين الروبوتات داخل الفصول الدراسية لتقوم بدور مدرّس تعليمي أو مدير للفصل أو طالب أو مرافق للطلبة.

يمكن أن تشمل هذه الأدوار أنشطة مختلفة، مثل إلقاء المحاضرات ووضع الاختبارات، وصولًا إلى طلب التوجيه والتدريس من البشر.

ومن حيث المظهر، يمكن لهذه الآلات أن تأخذ أشكالًا مختلفة بدءا من الصورة النمطية التي تشبه الآلة أو الأشكال البشرية وغير البشرية (مثل الحيوانات).

المعلّم "الروبوت"

عادةً ما يتم تصميم روبوتات "مدرّس الفصل الدراسي" لتلعب دورًا مزدوجًا كمصدر سلطة داخل الفصل وكمصدر للمعرفة أيضًا.

غالبًا ما تأخذ هذه الروبوتات أشكالًا نمطية إلى حدٍّ ما فتبدو كرجل آلي مزود بعجلات كبيرة نسبيًا وأذرع ورأس ووجه.

ويعمل علماء الروبوتات على بحث وتطوير الروبوتات التفاعلية المستقلة في اليابان، وتايوان، وكوريا الجنوبية من أجل استخدامها كـبدائل للمعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة.

يتم تصميم هذه الروبوتات أحيانًا لتُقدّم الرعاية داخل الفصل، ويمكن أيضًا أن تُستخدم لتوجيه تعليمات مباشرة وحفظ النظام، وإشراك الطلاب في الأنشطة التعليمية.

وهناك جهود حديثة وحثيثة اليوم لتصبح هذه الروبوتات أكثر تطورًا من الناحية الاجتماعية لتكون قادرة على محاكاة سلوك المعلّمين؛ حيث يتم التركيز بشكل خاص على قدرة هذه الآلات على التعرف على الحالات العاطفية للمتعلمين والاستجابة لها.

وظائف المستشعرات والكاميرات في الروبوتات 

فمن خلال المستشعرات والكاميرات المتطورة، تتمكن هذه الروبوتات من تتبع الطلاب والتعرف على وجوههم وتحديد حالتهم النفسية في الفصل، ومن ثم تمييز الطلاب المنعزلين أو الذين يتعرضون للتنمر.

وإضافة إلى ذلك، أثبتت هذه الروبوتات فعاليتها في تعليم اللغة الإنجليزية؛ حيث أفاد المطورون أنّ متعلمي اللغة أقل ترددًا في التحدث مع الروبوتات مقارنة بالبشر، وذلك لأنها تُعتبر أقل انتقادًا وإصدارًا للأحكام عند ارتكاب المتعلم للأخطاء اللغوية، وأكثر استعدادًا للتكرار مع القدرة أيضًا على استعمال الإشارات البصرية، والإيماءات التفاعلية غير اللفظية الأخرى، التي تُعتبر من الجوانب المهمة في تعلم اللغة.

الروبوتات الشبيهة بالبشر

في حين أنّ هياكل هذه الروبوتات غالبًا ما تكون مصممة بأبعاد شبيهة بهيكل الجسم البشري، فإن الغرض من ذلك ليس أن تبدو بشرية، حيث يركز المُطوّرون على ضمان أن تعمل هذه الآلات بشكل مستقل دون الحاجة إلى المدخلات البشرية.

قصة الروبوت الياباني "سايا"

ومن أكثر الروبوتات التي تشبه البشر انتشارًا هو الروبوت الياباني "سايا".

في سلسلة من التجارب التي أجريت مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم تقديم "سايا" إلى الفصول الدراسية كروبوت معلم، على الرغم من أنه يتم التحكم به باستخدام تقنيات (Wizard of Oz).

كانت "سايا" في الأساس عبارة عن "روبوت ذي وجه" أنثوي معبّر شبيه بالوجه البشري إلى حدّ كبير ومغطى بجلد صناعي يزيد من واقعيّته مثبت على جهاز أقل ليونة، والرأس مزوّد بتسع عشرة نقطة تحكم بالرقبة والذقن والأنف والحواجب والجفون والفك وخطوط الوجه، وهي قادرة على التعبير عن ستة مشاعر أساسية هي: السعادة، والحزن، والمفاجأة، والخوف، والاشمئزاز، والغضب.

أثبتت الروبوت "سايا" نجاحًا أكبر في التعامل مع طلاب المرحلة الابتدائية مقارنة مع طلاب الجامعة؛ حيث أن الطلاب الصغار تفاعلوا معها لدرجة البكاء عند توبيخهم.

الروبوت الرفيق في الصفوف الدراسية

تُستخدم هذه الروبوتات في الصفوف لمساعدة التلاميذ على التعلّم بطريقة مسلية، حيث إنّ بعضها مصمم ليلعب دور المتعلّم من الأقران، وبذلك يتعلّم التلاميذ بطريقة غير مباشرة من خلال مساعدة الروبوت على التعلّم.

كيف تشعر أثناء التعامل مع الروبوت؟

من المؤكد أنّ تطوير روبوتات الفصل الدراسي يثير الكثير من الأسئلة حول التعامل مع هذه الآلات (دون وجود معلم بشري).

فما نوع العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين البشر والآلات؟ ماذا يعني أن يكون المعلّم حاضرًا جسديًا؟ ما الدور الذي تلعبه لغة الجسد والإيماءات والتواصل الذهني والعاطفي في عملية التعلم؟

يواجه المتعلّمون ردود أفعالٍ نفسية وفسيولوجية مختلفة عند التعامل مع الروبوت المعلم الذي يلعب دور المعلم البشري.

تثير هذه الأسئلة بعض المشكلات المعقدة، لنأخذ مثلًا الاختلافات بين جسم الإنسان الآلي وأجسام البشر، فعلى الرغم من بذل المصممين قصارى جهودهم، إلا أنّ الروبوتات لا تبدو، ولا تشعر ولا تتكلم ولا تتحرك كما يفعل الإنسان، ومن ثم فإن هذه الآلات تلفت الانتباه إلى فكرة التعلم في غياب المعلم البشري، بهذا المعنى، فإنّ الروبوتات المادية تُذكرنا بقول "مارسيل موس" في وصف الجسم البشري على أنه "الأداة البشرية الأولى والأكثر طبيعية".

وبغض النظر عن ذكائها ومهارتها، فإن الروبوتات لا يمكنها محاكاة حركة أجسام المعلمين البشريين بطريقة طبيعية.

كيف تستخدم الروبوتات أجسامها خلال عملية التدريس؟

ومن المعروف أن جزءًا كبيرًا من عملية التدريس يحدث من خلال الحركة، وهناك العديد من الطرق التي يَستخدم بها المعلمون لغة الجسد التعبيرية لأهداف تعليمية؛ أي رفع الصوت أو خفضه، أو رفع الحاجب، أو توجيه النظر، أو اختيار الملابس بطريقة معينة.

توضح هذه الأفعال كيف أن الأجسام البشرية وسيلة قيّمة تُساعد في تنظيم توقيت وإيقاع الأحداث، وتركيز الانتباه، وتهيئة الجو العام للتعلم.

ولذا، ينبغي التفكير في طريقة استخدام الروبوتات لأجسادها في عملية التدريس، فعلى الرغم من قدرة بعضها على محاكاة التعابير البشرية بشكل متطور إلا أن ذلك يبقى ضمن إطار محدود جدًا.

فاستجابة المتعلمين للجسم الحي مختلفة تمامًا عن الاستجابة للمحاكاة الآلية مهما كانت واقعية، كما أظهرت بعض الدراسات الميدانية أن بعض الأطفال يبدؤون في الإساءة لمعلميهم من الروبوتات بعد انقضاء رهبة اللقاء الأول حيث يبدؤون بضربهم ودفعهم.

وعلى الرغم من التقدم التقني المبهر، إلا أن الكثيرين يصفون التعامل مع المظهر المخيف نوعًا ما للجلد الاصطناعي وعواطف الوجه المبرمجة مسبقًا على أنها أمر غير مستحب.

أخلاقيات الروبوت المعلّم

أكثر ما يُثير الاهتمام حول روبوتات الفصل الدراسي هو البرامج والأنظمة والأتمتة الافتراضية التي تقبع وراء "الجلد".

فبغض النظر عن الناحية الجمالية، من المهم أن نتذكر أن هذه الروبوتات المادية واجهات لبرامج بالغة التعقيد ونماذج للتعليم والتعلم يُديرها الذكاء الاصطناعي.

فالمسألة ليست كيف تبدو هذه الروبوتات، وإنما على ماذا تبرمجت وماذا تستطيع أن تفعل؛ حيث إن الجيل الحديث من روبوتات الفصول الدراسية عبارة عن برامج حاسوبية مصممة لتتعلّم بنفسها، ولتطور العمليات المنطقية، ولتصوغ النماذج العقلية اللازمة لاتخاذ القرارات المعقدة.

هل هناك قواعد أخلاقية في عالم صناعة الروبوت؟

ومن هنا، فإن استخدام هذه الأنظمة القادرة على اتخاذ القرارات ينطوي على تداعيات وعواقب أخلاقية عديدة لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار، فما المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تحكم استخدامنا لهذه الروبوتات؟ وما الأعمال التي يُمكن أن نترك الروبوتات تقوم بها وحدها؟

يُمكن الاسترشاد والاستفادة من المجال المتنامي الذي يُعرف اليوم باسم "أخلاقيات الروبوتات" والذي وُضع لفهم الآثار الأخلاقية وعواقب استخدام هذه التقنيات.

من بين الأمور الأكثر مدعاة للقلق حول استخدام الروبوتات في الفصول الدراسية هو مسألة الخصوصية، إنّ اعتماد هذه الروبوتات على جمع البيانات وتخزينها من خلال المستشعرات والكاميرات الدقيقة يثير تساؤلًا مهمًّا حول استخدامات هذه البيانات وأغراضها.

فإذا كان الروبوت يُعالج بصمت "الوضع الاجتماعي" للمتعلم، فهل يحق للفرد أن يكون على دراية بهذه الحقيقة؟ وهل يعرف الأغراض التي تُستخدم هذه البيانات لأجلها؟ ما يُثير القلق أيضًا هو احتمال أن تقوم هذه الروبوتات بتعزيز التمييز وعدم المساواة بين الطلاب، وهل بالإمكان ضمان ألّا تفعل ذلك؟

من المسائل الأخلاقية الأخرى مسألة تفاعل الطلاب مع هذه الروبوتات والوثوق بها؛ إذ يركز المهندسون العاملون في مجال تفاعل الإنسان الآلي على تصميم خصائص معينة، مثل التجسيم، والحيوية، وقابلية الإعجاب، والذكاء لتكون هذه الروبوتات أقرب ما يكون إلى الإنسان، فإلى أي مدى يُمكن أن تكون هذه الميزات خادعة عاطفيًا خاصة مع الأطفال الصغار؟ وهل يجب أن نسمح للأطفال بتكوين روابط عاطفية مع هذه الآلات التي يعتبرونها حساسة معرفيًا وعاطفيًا؟

 

شكرًا على القراءة.

م. أحمد أخضر ٢٧ عام ماجستير في هندسة الميكانيك. كاتب مقالات منذ سبع سنوات. أختار مصادري بدقة واحترافية. هدفي تقديم قيمة حقيقية للقراء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

نبذة عن الكاتب

م. أحمد أخضر ٢٧ عام ماجستير في هندسة الميكانيك. كاتب مقالات منذ سبع سنوات. أختار مصادري بدقة واحترافية. هدفي تقديم قيمة حقيقية للقراء.