الوكلاء التربيون
أنظمة التدريس الذكي عبارة عن حُزم برمجية متطورة توجه الطلاب عبر مسارات التعلم المصممة مُسبقاً.
تترافق هذه الأنظمة في معظم الأحيان مع "وكلاء تربويين" مبرمجين وهم عبارة عن واجهات محاكاة بين المتعلم والمحتوى تسمح للمتعلمين بالتفاعل مع الشخصيات التي تظهر على الشاشة والتي تقوم بمهام التعليم والتوجيه.
يمكن تعيين أعمال مختلفة للوكيل التربوي ضمن بيئة التعلم، وذلك حسب الغرض المطلوب، فقد يلعب دور المعلّم أو المتعلّم المشارك أو رفيق التعلّم.
كانت الأعمال المبكرة في هذا المجال مشتقة من الرسوم المتحركة التي كانت بمثابة واجهات بين المتعلمين ومحتوى التعلم عبر الإنترنت.
ثم بدأ الاهتمام بإنتاج معلّمين "بشريين افتراضيين" مصممين ليظهروا ويتصرفوا وكأنهم أشخاص حقيقيون.
ومن ميزات العملاء التربويين قدرتهم على التفكير المنطقي والعمل المستقل، وهذا ما يميزهم عن البرامج التي تُعطي ردوداً مبرمجة بكل بساطة.
الأمر الذي جاء نتيجة السعي لإنتاج وكلاء تربويين يمكنهم الشعور ببيئاتهم ثم التصرف باستقلالية بناءً على المعلومات (وليس برامج نصية ثابتة).
والباحثون والمطورون في مجال التدريس الذكي واثقون من فاعلية هذه الأنظمة، إلا أنهم يُقرون أنه في أحسن الأحوال سيكون للوكلاء التربويين المصممين بشكل جيّد تأثير "بسيط" ولكنه "فعال"، وقد يكون تأثيرهم أكثر فاعلية على المتعلمين الصغار.
ولكن السؤال المُلِّح من قبل العاملين خارج مجال التعليم الذكي هو:
ما الأثر المحتمل لهذه التقنيات على المدرسين؟
يجيب المطورون قائلين إنّ الوكلاء التربويين مُصمّمون ليُكملوا دور المدرّس البشري وليس ليحلّوا محلّه، وبغض النظر عن الانتقادات، فإنّ الوكلاء التربويين وأنظمة التدريس الذكية عبارة عن تقنيات متطورة تعمل ضمن شروط وسياقات محددة، إلا أنّ تطبيقها في أنظمة المدارس والقوى العاملة في المجال التعليمي على نطاق واسع أمر معقد.
التطبيقات الرقمية والتعليم المعاصر
يمكن للتكنولوجيا الرقمية القائمة على البيانات إنجاز الكثير من المهام التي كانت متوقعة من مُدرّس الفصل، وهنا نستعرض أنواعاً مختلفةً من أساليب وبرامج وتطبيقات التعلم القائمة على الذكاء الاصطناعي ومنها:
1. أنظمة التعلم الشخصية
تطورت أنظمة التعلّم الشخصية التي تشكل بيئةً إلكترونية خاصةً بالمتعلم تُمكنه من تنظيم، وتجميع مصادر وخدمات، وتطبيقات متنوعة لتساعده على إدارة عملية التعلم الخاصة به بناءً على الأهداف التي يرسمها وفي ضوء أدائه التعليمي السابق.
يعمل الوكلاء التربويون ضمن نظام تعليمي ذكي واحد، وأنظمة التعلم الشخصية مصممة لتوجيه الأفراد عبر العديد من المصادر المختلفة للتعليم عبر الإنترنت.
ويُعد نظام التعلم التكيفي "نيوتنKnewton" أحد الأمثلة الشائعة، وهو نظام "توصية" عبر الإنترنت يستخدم تقنيات البيانات واسعة النطاق لحساب الجزء الدراسي المحدد الذي يجب أن يستخدمه كل طالب مُسجّل.
وبمجرد تسجيل الطالب في دورة أو برنامج تعليمي من خلال نظام "نيوتن"، يراقب محرك بيانات النظام الأساسي كل تفاعلاته مع الكمبيوتر، وتستخدم هذه البيانات لنمذجة الجوانب المختلفة لأداء المتعلم، مثل دوافعه وكفاءته، وكذلك تقديرات نمط التعليم الخاص به.
ثم يتم استخدام ملفات تعريف التعلم هذه للتوصية بأكثر الموارد التعليمية المناسبة التي يجب أن يستخدمها الطالب بعد ذلك.
2. تطبيقات تحليلات التعلم
ترتبط أنظمة مثل "نيوتن" و"يوجزيو – YiXue"ارتباطاً وثيقاً بمجالات تحليلات التعلّم وتكوين البيانات التعليمية التي ظهرت خلال العقد الماضي.
في هذا المجال، يهتم المُطوّرون بتطبيق تقنيات العلوم الحاسوبية وعلوم البيانات لتكوين المعطيات المتعلقة بالطلاب والمعلمين وسياقاتهم التعليمية المباشرة.
ومن أهم مجالات استخدام هذه التطبيقات مساعدة الطلاب والمعلمين والمؤسسات على اتخاذ قرارات مُستنيرة حول التدريس والتعلم.
وغالباً ما ينطوي ذلك على الاستفادة من البيانات الناشئة عن أنظمة إدارة التعلم والمعلومات الإدارية وملاحظات الطلاب وبيانات الحضور وتتبع الموقع ومصادر أخرى لتوليد البيانات.
ولذلك فإنّ تحليلات التعلّم تتركز على تطوير الأدوات والتقنيات المتعلقة بتصور البيانات، وتكاملها والنمذجة التنبؤية، وتنسيق الفصول الدراسية.
ويُستخدم الآن العديد من أشكال تحليلات التعلّم في المدارس والجامعات لتقديم تحليل ورؤية مفصلة لأداء الطلاب، والتي يمكن للطلاب الاستعانة بها بعد ذلك لتخطيط خطواتهم التالية.
كما تستخدم أنظمة "نجاح الطلاب" الأكثر تعقيداً البيانات للتنبؤ بأداء الطلاب بناءً على تفاعلهم السابق مع محتوى الدورة التدريبية والتفاعلات عبر الإنترنت مع الطلاب والمعلمين ونتائج التقييم النهائية.
تقدم هذه الأنظمة أيضاً تشخيصات للعوامل التي يُحتمَل أن تُؤثر على أداء الطلاب غير الكافي وقدرتهم على الاحتفاظ بالمعلومات.
3. روبوتات الدردشة للتوجيه والمشورة
إلى جانب أنظمة التعليم والتعلم هناك محاولات لأتمتة التفاعلات العامة التي قد تحدث بين المعلمين والطلاب.
فقد بدأت بعض الجامعات باستكشاف استخدام أنظمة الحوار ووكلاء المحادثة (المعروفين باسم روبوتات الدردشة) لعرض استفسارات الطلاب ومشكلاتهم.
الغرض من هذه الروبوتات أن تحلّ محل المعلمين في الإجابة عن الأسئلة التي لا ترتبط بموضوع التعلم بشكل مباشر.
4. تصحيح الأبحاث آلياً
التصحيح الآلي مثال آخر لأتمتة التعليم، فطالما استخدمت هذه التقنية لتصحيح اختبارات الأسئلة متعددة الخيارات.
ويبحث المطورون اليوم إمكانية استخدامها لتصحيح الإجابات المكتوبة، حيث يرون أنها ستلعب مجموعة أدوار داعمة في المدارس والجامعات.
إمكانات البرامج التعليمية الآلية
تَعد التكنولوجيا الحديثة اليوم بإنجاز الكثير من المهام بكفاءة عالية وسرعة يعجز عن مجاراتها أي معلم بشري، ولذا فالسؤال..
هو ماذا يفترض أن يفعل المعلمون اليوم؟
لماذا سنضطر لهدر الكثير من المال والجهد لتدريب وتوظيف المعلمين الاحترافيين المتخصصين في المستقبل؟
على الرغم من الإمكانات الهائلة للتقنيات الحديثة، فإن غالبية الخبراء لا يرون أنه بالإمكان الاستغناء عن دور المعلم نهائياً، فكلّ التقنيات التي ذُكرت سابقاً تحتاج إلى تدخل من قِبل المعلم ومعظمها يلعب دور المساعد والمحسن لأداء المعلم وليس بديلاً عنه.
وبما أن التدريس مهنة صعبة ومُرهقة وقد يعجز المعلم أحياناً عن تقديم الدعم والمساعدة لجميع الطلاب، فإن هذه التقنيات ستساعده في تخفيف الضغط وتقليل ساعات العمل، وستوفر له الدعم فيما يتعلق بالمعلومات واتخاذ القرارات وإنجاز المهام الروتينية.
جوانب يتفوق فيها المعلم على الروبوت
أولاً: هناك مزايا كثيرة للوجود مع شخص قادر على نقل المعرفة، خصوصاً إذا كان هذا الشخص قد سبق أن كان في موقع المُتعلّم، وهذه صفة بشرية فريدة لا تمتلكها أنظمة التدريس التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي رغم تطورها.
عندما نحصل على العلم من مُدرس خبير، فإننا لا نكتسب المعلومات فحسب، بل نستفيد من تجارب وذكريات المعلم حول ما تعلّمه أيضاً.
ثانياً: المُعلم قادر على التواصل الإدراكي، فالإنسان يمكنه إدراك ما يمرّ به الآخر ويستجيب بناءً على ذلك.
ومن ثم فالتواصل وجهاً لوجه مع المعلّم يعني فرصة قيمة لمشاركة المتعلم في عملية تفكير مع دماغ بشري آخر، وهذه الميزة لا توفرها الآلات مهما بلغت درجة تطورها.
ثالثاً: يستطيع المعلم البشري أن يتواصل اجتماعياً مع المتعلمين، فالتعلم في الأساس هو تفاعل متبادل بين المعلم والطلبة، ولا يُمكن للمعلم تحفيز عملية التعلم بدون تعاون المتعلمين، ويحرص المعلمون على ذلك من خلال تحفيز الطلاب وتشجيعهم. وهذه مهارات شخصية يتمتع بها البشر بشكل طبيعي وتفتقر إليها الآلات.
رابعًا: يستطيع المعلّم التعبير بلغة الجسد، فهي وسيلة تواصل لا غنى عنها في العملية التعليمية يمكن اللجوء إليها خاصةً عند شرح المفاهيم المجردة.
أن تنظر في عين شخص ما مباشرة أثناء تلقي المعلومات يختلف دون شك عن أن تنظر في عين روبوت ثلاثي الأبعاد أو شخصية افتراضية ثنائية الأبعاد تظهر لك على الشاشة.
سادساً: يمتلك المعلم البشري القدرة على الارتجال وهي سمة أساسية لنجاح العملية التعليمية، فبدلاً من التقيّد بالنص المكتوب مسبقاً، يعدّل المعلم حديثه حسب الموقف.
فالتدريس يتطلّب كثيراً من الإبداع والعفوية، مثل الرقص واللعب وعزف الموسيقى، وضرب الأمثال، وسرد قصة أو إلقاء طرفة.
العملية التعليمية نشاط متبادل بين المتعلّم والمعلّم فيحددان الأرضية المناسبة ويبدأان في البناء عليها بما يحقق التوافق والانسجام، كما يتطلّب التدريس التسامح مع الخطأ أو عدم الدقة والتخمين والاستعداد للمواصلة رغم ذلك.
قوانين التعليم الرقمي الأربعة
1. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تغيير حتمي على المعلّمين القبول به، بل هو مجموعة من التقنيات تُزود المجتمع التعليمي بسلسلة من الخيارات والقرارات.
ويجب دراسة هذه الخيارات بدقة لتحديد الأنسب بما يتماشى مع الظروف والأهداف.
2. هناك جوانب مهمة في جودة التعليم لا يمكن حسابها أو التنبؤ بها أو نمذجتها بشكل مناسب من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي.
لذلك يجب مواصلة الاستثمار في إعداد المعلمين البشريين وتوظيف الأكفاء والمُدَرَّبين منهم.
3. ليس من المنطقي أن يرفض قطاع التعليم تقنيات الذكاء الاصطناعي بالمطلق، فهناك جوانب إيجابية كثيرة يمكن الاستفادة منها لتطوير العملية التعليمية، ولكن من المهم أن يعمل المعلمون جنباً إلى جنب مع الآلات وفق ما يناسبهم؛ أي بطرق تُعزّز وتوسع وتحسن جودة وطبيعة التعليم.
4. ينبغي ألا تهدف السياسة التعليمية إلى استخدام الروبوتات "كمعلّمين بشريين"، بل يجب استثمار هذه التطبيقات بطريقة خلاقة ومبدعة ومبتكرة لخدمة الأغراض التدريسية تحت إشراف المعلمين البشريين.
دور التكنولوجيا هو التطوير وليس الإحلال، حذّر "جون ديوي" أحد فلاسفة القرن العشرين من تعليم أبناء اليوم بنفس الطرق المتبعة بالأمس، واليوم لا تزال هذه النصيحة سارية المفعول، فلا بدّ من الاستمرار في البحث عن أساليب تعليمية جديدة دائماً وأبداً من أجل تطوير التعليم وتحديثه.
المعلمون البشريون ليسوا مثاليين وهناك دائماً مجال لتحسين أدائهم، ولكن لا ينبغي استخدام التكنولوجيا المتطورة قبل بحثها ودراستها من الناحية الاجتماعية والتربوية والأخلاقية.
ومن الخطأ الاعتقاد أنّ التعليم سيبقى على حاله في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي نشهده اليوم، والخطأ الأكبر هو الاعتقاد أن التكنولوجيا الحديثة قادرة على أن تحل محل العنصر البشري في البيئة التعليمية.
وشكرًا على القراءة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.