هل تقبل من طفلك أن يقول «لا»؟

تقول الدكتورة سوزان نيومان في كتابها الماتع "كيف تقول لا": "إن الإنسان الموافق دائمًا يصبح غير ذي قيمة، ويشعر بالمهانة، ويتورط في المشكلات بسهولة، ويستغله الآخرون، ونتيجة لذلك لا تجده سعيدًا، أو تجده ناقمًا على نفسه لأنه أصبح إنسانًا طيعًا".

في هذه المقالة نناقش فكرة تربوية تتعلق بتقوية شخصية الطفل، عن طريق تعليمه قول "لا"، وماذا عن الآباء والأمهات في البيوت، هل يقبلون من طفلهم قول "لا"؟

هل تخشى من جواب ابنك بـ"لا"؟

بمجرد أن يبدأ الطفل في النطق والكلام ويتعلم بعض المفردات اللغوية -ما بين الثانية والثالثة من عمره- يبدأ في الاعتراض على كل شيء، كل أمر أو نهي أو طلب، يقابل بـ"لا". وهنا تثور ثائرة الآباء والأمهات، كيف لهذا الكائن الصغير أن يعترض على تنفيذ أوامري أو طلبي؟! من أنت لكي تقول لي لا؟ هل قول "لا" ظاهرة صحية؟ أم أنها أمر مريب يستدعي القلق؟

ماذا علينا لو سألنا أنفسنا سؤالًا عكسيًّا ونقول: كم مرة تورطنا فيها بسبب قولنا نعم؟ ألم يكن من الأجدى قول "لا"؟

عندما نراجع أنفسنا نحن الكبار ونتوقف لنفكر قليلًا في بعض المواقف التي نتعرض لها، لا سيما تلك التي نشعر فيها بالخجل من قول "لا" فنضطر إلى الموافقة مرغمين، إرضاءً للآخرين، وما هي إلا دقائق تمر حتى نعاتب أنفسنا، ونلومها: لماذا يجب علينا دومًا إرضاء الآخرين على حساب أنفسنا؟

حتى أنت أيها الكبير العاقل الناضج، قد يطلب منك مديرك في العمل شيئًا ما خارج العمل، وفوق طاقتك، وبداعي الخجل والرغبة في إرضائه، تضطر للموافقة على فعله وتصدر منك بعفوية كلمة "نعم، بالتأكيد"، على الرغْم مما يضعه عليك من عبء إضافي، يجعلك تقضي باقي يومك في لوم نفسك وعتابها على موقفك السلبي حيال هذا الأمر، الذي كان بإمكانك ألا تضع نفسك فيه.

السؤال الآن..

ما الذي تغيَّر الآن عما كنت عليه عندما كنت طفلًا في عامك الثاني أو الثالث؟

وقتها -في عامك الثاني أو الثالث- لم تكن تخشى تبعات رفضك، لم تكن تفكر في إرضاء أحد، فقط تبحث عن مصلحتك ولا شيء غير ذلك، هي لحظة من لحظات القوة التي تتمنى أن تستعيدها عندما كبرت، إذ لا شك بأن قول "نعم" توصف في كثير من الأحيان بأنها جاءت في لحظة ضعف، لذلك سرعان ما يبدأ العتاب واللوم للنفس على هذا التسرع.

توجد نوعية أخرى من البشر، تحب العطاء دون حدود، وهو ما يجعله مرغمًا على قبول أشياء قد لا يرغب في فعلها، لقد تعوَّد الآخرون على تلبية مطالبهم منه، وهو ما يمكن أن نسميه بالشخص المعطاء، الجابر للخواطر، ولكن ليس هذا موضوع المقالة.

غالبًا ما يجد الشخص نفسه في المواقف المفاجئة، مرغمًا على القبول أو قول "نعم"، يشعر بعدم قدرته على التفكير السليم؛ ما يضطره إلى القبول والموافقة، لكن أيها العاقل الفطن، من أين تجد الوقت لإنجاز كل ما وعدت به؟!

لا شك في أن العمل من أجل الآخرين، أمر ممتع كما في حالة الشخص المعطاء. لكن تذكَّر أيها العاقل أنه يوجد قدر معين من الضغوطات يمكن تحمله، بعدها يصبح العمل للآخرين والاستجابة لكل مطالبهم أمرًا شاقًّا على النفس، فلا تحمِّل نفسك ما لا تطيق، وانطقها بقوة "لا".

هل تقبل أن يقول طفلك "لا"؟

وصلنا للسؤال المهم: هل أنت من نوعية الآباء الذين يقبلون سماع كلمة "لا" من أطفالهم أو أن يرفض أبناؤهم تنفيذ أوامرهم؟ أم أنت من نوعية الآباء الذين تأخذهم العزة بالإثم، ولا تحتمل ولا تطيق سماع هذه الكلمة "لا"، بل وتنهال بالسباب والشتائم على الطفل، وقد يوصل الأمر للضرب؟!

ما يميز التربية الإيجابية عن التربية التقليدية، أن الأولى -الإيجابية- تشجِّع الطفل على إبداء رأيه واحترامه أيًّا كان، حتى لو خالفنا، في حين أن التربية التقليدية تقوم على التسلُّط وفرض الرأي بالقوة على الآخرين؛ باعتبارهم الحلقة الأضعف، ويجب عليهم تنفيذ ما يُطلب منهم، والنتيجة في النهاية طفل ضعيف الشخصية، تابع لكل أحد، لا رأي له ولا قيمة لوجهة نظره التي يخشى في كثير من المواقف التعبير عنها؛ خشية الإحراج أو السخرية منه، لذا ثقته بنفسه مهزوزة أو معدومة.

في حين أن التربية الإيجابية، التي تشجع حرية الرأي والتعبير، واحترام الرأي الآخر، بيئة سوية لإخراج طفل سوي، لديه ثقة بنفسه وبإمكاناته وقدراته، يتمتع بشخصية قوية بين أقرانه، إذا تحدث أنصت له الجميع، وإذا تكلم هابه من يسمعه، لذلك دائمًا ما نشجع الآباء والأمهات على وجود البيئة المشجعة والمحفزة لتساؤلات الطفل؛ لأنها تُسهم بقدر كبير في نموه الجسدي والنفسي والاجتماعي والعاطفي. (إذا كنت من الآباء الذين يقبلون كلمة "لا" من أبنائهم، اترك لنا في التعليقات).

حان الوقت للتغيير

ما ننصح به لهذه النوعية من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم دائمًا في طابور الموافقة لكل شيء، عليك أن تقف مع نفسك وأن تضع حدًّا لهذا الأمر، حتى وإن شابها شيء من العدوانية أو الحدة، لكي توصل بها رسالة لمن يأمر وينتظر منك أن تطيعه، بأنه لم يعد مقبولًا هذا الأمر، وعليه التوقف عن هذه الطريقة الاستغلالية التي تفقدك شخصيتك شيئًا فشيئًا. عليك قول "لا" قبل أن تصبح "نعم" عادة يصعب عليك التخلص منها.

ختامًا، أحيانًا، ومن كثرة موافقة الشخص وقبوله لما يُطلب منه، يغدق عليه الطرف الآخر عبارات الشكر والثناء على نحو مبالغ فيه. هنا، يتعين عليك التوقف للحظات والتفكير بعقلانية، ستجد نفسك دون شك قد ألزمت نفسك بأشياء لم تكن ترغب في فعلها.

في المقالة القادمة، سوف نتحدث عن خمس خطوات أساسية يجب عليك أن تضعها في اعتبارك، إذا كنت ترغب في التخلص من قول "نعم"، أعدك عندها أن كلمة "لا" لك ستكون بالسهولة بمكان أن تقولها وأنت منشرح الصدر، ولن تكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساؤوا أسأت.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة