في رحلة البحث الأزلي عن السعادة، يتساءل الإنسان عن طبيعتها الحقيقية: هل هي شعور عابر أم خيار واعٍ؟ يستعرض هذا المقال مفاهيم السعادة المتنوعة عبر رؤى فلاسفة بارزين مثل سقراط ونيتشه والرواقيين، مرورًا بـنظريات علم النفس كونها نقطة التوازن وعلم النفس الإيجابي، وصولًا إلى منظور علم الأعصاب وتأثير الدماغ، ليطرح السؤال الجوهري: هل نحن أحرار حقًا في اختيار سعادتنا؟
سؤال يبدو غريبًا، فالحياة كالمحيط، خضم هائل من المشاعر المتلاطمة كلّما غصت فيه، والأفكار كلما ازدادت عمقًا وتعقيدًا أخذتنا إلى أمكنة أبعد مما كنا نظن أنها قد تصل إليها.
منذ أن فتح الإنسان عينيه على هذا العالم، وهو يلهث خلف ما يظن أن السعادة فيه، أشياء مختلفة، أفعال متعددة، رغبات واحتياجات وشهوات وغرائز، نراها تُباع في الإعلانات، تُربط بالنجاح، تُختزل في العلاقات، أو تُرهن بالظروف، فلن تكون سعيدًا إلا بالحصول على شيء، أو الوصول إلى هدف، لكن الحقيقة، أو بالأحرى الحقائق متعددة، ورؤيتنا الآن فى هذا الزمان عن السعادة توضح ما وصل إليه الإنسان من بداية البحث عنها من زوايا وجوانب مختلفة.
لنشاهد رؤية مشاهير الفلاسفة من منظور أقرب: سُقراط ونيتشه مثلًا
سقراط يقول: «السر في السعادة لا يكمن في السعي وراء المزيد، بل في تطوير القدرة على الاستمتاع بالقليل»، هذا جيد جدًّا ومثير لرؤية الواقع بنظرة عملية وأكثر إيجابية، ففكرة أن السعادة قد تكون مهارة داخلية، لا خارجية، ولنشاهد السعادة من منظور فلاسفة منهج الرواقيين، وعلى رأسهم ماركوس وأوريليوس، فالاثنان رأوا أن «الإنسان لا يتحكم بما يحدث له، لكنّه يتحكم بردة فعله تجاه ما يحدث»؛ أي إن السعادة اختيار عقلي أكثر من كونه عاطفي.
لنذهب إلى نيتشه، ذاك المتمرد على كل شيء، كان يرى «أن السعادة الحقيقية لا تأتي من الراحة، بل من المُعاناة التي نصنع منها المعنى».
في نظره السعادة ليست أن تشعر بالفرح، بل أن تعيش حياتك بشجاعة وبقوة على الرغْم من الألم، فرؤية السعادة من منظور الفلسفة هي أن نختار أن نكون سعداء، حتى عندما لا تسير الأمور كما نريد.
الآن لنذهب إلى الجانب النفسي ورؤية نظريات علم النفس: نظرية (نقطة التوازن)
علماء النفس قالوا إن لكل إنسان مستوى ثابتًا من السعادة يعود إليه مهما حدث، مثل ميزان حرارة داخلي، فمثلًا عند الفوز أو النجاح أو الانتصار ترتفع سعادتك، ثم تعود إلى مستواك الطبيعي.
دراسات أخرى أثبتت أن 40% من سعادتنا تتحكم بها اختياراتنا اليومية، أما علم النفس الإيجابي، عندما نتحدث عن العالم (مارتن سيليجمان)، وهو أحد روّاد هذا التوجه كان يرى أن «أن السعادة الحقيقية تنبع من العيش بامتنان، وامتلاك هدف ومعنى، واستثمار نقاط القوة الشخصية، ووجود علاقات داعمة، والتقدير للحظات الصغيرة».
حينها يظهر بوضوح لنا أن السعادة ليست شعورًا يفاجئنا، أو ضيفًا يزورنا، أو حالةً تحتلنا، بل هي ممارسة نختارها.
بعد أن تحدثنا عنها من الجانب النفسي ننتقل إلى الجانب العصبي، فهل عقولنا هي التي تمنحنا حرية الاختيار؟
من منظور علم الأعصاب فإن أدمغتنا لا تهتم كثيرًا بسعادتنا بقدر ما تهتم ببقائنا، وتوفير الطاقة لحمايتنا؛ لذا تميل إلى تضخيم المخاطر، وتذكر التجارب السلبية، ليكونا تحذيرًا وتنبيهًا من المخاطر المحتملة، لكن يمكن إعادة تدريب الدماغ بالتأمل والكتابة والتركيز على الإيجابيات، لتغيير مساراتنا العصبية نحو نمط أكثر تفاؤلًا بتدريبات إيجابية، وهذا يأخذنا إلى الرؤية الاجتماعية.
هل نحن أحرار في اختيار السعادة؟
كيف يمكن أن أطلب من شخص يعيش في انعدام، أو فقر، أو صدمة نفسية أن يفكر بإيجابية، ويختار السعادة؟
هذا سؤال يثير الغضب، لكن فى الواقع الاختيار لا يعني تجاهل الواقع، بل يعني أن نحاول على الرغْم من هذا الواقع، أن نجد لحظات صغيرة من الأمل، من الخير، من الإيمان، كزهرة تنبت بين شقوق الإسفلت، وجدت الضوء، فخرجت إليه مزهرة.
إن نقطة التلاقي، أو الفرق بين السعادة بعدّها شعورًا، وبين السعادة بعدّها فكرة هو الحل، أن ينسجم الشعور مع الفكرة، فالشعور مؤقت، يأتي ويذهب، والفكرة مزيج من القيم، والقرارات يمكن أن تتغير بالمعرفة.
والآن هل السعادة اختيار فعلًا؟
نعم جزئيًا، فلا يمكننا التحكم بكل ظروفنا، لكن يمكننا التحكم بكيفية رؤيتنا هذه الظروف، وكيف نستجيب لها، وكيف نبحث عن الجمال على الرغم من الألم، وعن الإيمان لتكون الطاقة للعمل؟
باختصار، السعادة ليست حالة عابرة أو ضيفًا غير متوقع؛ هي قرارٌ يمارس يوميًا،. عبر إعادة توجيه نظرتنا للمواقف والتحديات وتحويل الألم إلى فرص للنمو الداخلي، نستطيع أن نختار أن نكون سعداء ونبني حياة ملهمة تتجاوز الواقع القاسي، والآن خبرني برأيك عندما تكون سعيدًا، وعندما لا لا تكون سعيدًا؟
عودا حميدا لقد أشرقت المنصة
بروائع اعمالك العظيمة
دمت مبدع استاذى الفاضل 🙏
سيدتى..
ما توقعت منكِ الا الترحيب و الدعم
و ها انا بينهم
سعيدة جدا بوجودك بين
قراءك لطالما اشتقنا لهذة
الاشراقة الإبداعية
دمت بخير وصحة وسلامة
ودام إبداعك 🙏❤
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.