هدوء قلب على الرغم من ضجيج

إن العزلة والهدوء والوحدة والانطواء بين جدران غرفة لا يُسمع لها صوت ولا يصدر منها ضجيج، هي التي تروي حكايات لا يسمعها ولا يعرفها سوى من لازمته... إن حب هذه المتلازمة كما أدعوها، «الغرق الصامت»، تلازم من يغرق في بحر من الانعزال واللاوعي، الذي سيشعر صاحبه بعدم الرغبة في الكلام، لأنه يرى بأن لا أحد سيفهم ما سيقوله على الرغم من كثرة شرحه، فيبقى ذلك الكلام في داخله ليعبِّر عنه بلوحة فنية أو كتابة شعرية، داخل تلك الغرفة التي يراها مصدر إلهامه...

في زمن كثرت فيه ظاهرة التكنولوجيا والتطور الذي جعل الجميع يتعامل مع بعضه، سواءً كتابيًّا أو لفظيًّا، جعل من ذلك الهدوء يبدو غريبًا، وأنهم غرباء أطوار يحبون البقاء بمفردهم ويخافون المواجهة... هم جبناء لا يحبون الكلام، هذا رأيهم، وهو غير مهم، فتلك هي طاقتهم، تلك هي حريتهم، وذلك هو عالمهم وما يريحهم، فلا يمكنكم معرفة ما يحمله وراء ذلك الهدوء، وما تحمل تلك الابتسامات من خيبات غير مباحة.

تلك العزلة لم تعد اختيارًا سهلًا؛ لأن في ظل كثرة الضجيج، لا يمكن للهدوء أن يكمن، ولا للصمت أن يجد له مكانًا أو يُتقبَّل، حتى المشاعر الحقيقية أصبحت مخفية خلف ابتسامات كاذبة، وخلف رسائل إلكترونية لا تعني ولا القليل مما يحس به البشرـ حتى اللانطوائيين أصبحوا انطوائيين بلا معرفة، فلا يقولون مشاعرهم الحقيقية، يتلاعبون بها كما يحبون، دون أن يدري الطرف الآخر...

ما يحدث هو نفسه يتكرر دائمًا، ولا نفهمه أو ندرك أبعاده. لن نفهم بعضنا أبدًا، بتطورٍ متخلف.. لن نفهم لغة قلوبنا، لن نجد ما ينقصنا، ولن نحب أنفسنا وغيرنا كما يجب.

اتركوا العلاقات الاجتماعية، والانطوائية تكون مسالمة، واتركوا لأنفسكم الفرصة لتقبُّل بعضكم، وإفراز مشاعركم كما ترغبون، اتركوا الحب يسمو بين الجميع، ولا تنتقدوا أحدًا، فلكلٍ من خياره وطريقته في التعبير عمَّا يدور داخله، سواء أكان بالكلام، أم اختيار الصمت، أم التعبير كتابيًا. فالهدوء للقلب راحة، والراحة لا تُسحب من صاحبها. لكلٍ منا من يفهمه، ولكلٍ منا ما يشغله، فأنت لا تعلم ما يحدث مع قليل الكلام وكامل الكتمان.

وأخيرًا، إن القلب يفتقد للهدوء وسط الضوضاء، يفتقد السكينة بين القعود. لن تعرف الصمت وما يخفيه من مشاعر دفينة. فالهادئون هم الأشد لطفًا وحنية، وهم الأكثر ألمًا وحزنًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

من اجمل ما قرأة مبدعة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لقد سعدت بتعليقك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.