هاني شاكر ومهرجي المهرجانات

تابعت باهتمام شديد قرار نقيب الموسيقيين الأستاذ هاني شاكر بمنع العديد من مُغنيي الأغاني المسمّاة بالمهرجانات، وعند سماعي بالخبر أسعدني جدًّا منع هذه النّوعيّة من الملوّثات من الانتشار أكثر من انتشارها الحاليّ، ولكن زاد من سعادتي أكثر أنّه بالرّغم من الهجوم الحادّ على الاستاذ هاني شاكر لاتّخاذه هذا القرار إلّا أنّه لم يتراجع عنه حتّى هذه اللّحظة، وقد سبق ورأيته في إحدى المؤتمرات الصّحفيّة يدافع عن قراره بقوّة ضدّ أسئلة الصّحفيّين السّمجة، وأنا أؤيد الأستاذ هاني شاكر كلّ التّأييد في قراره هذا، وأدعوه إلى الاستمرار في حركة القضاء على كلّ ما يشابه هذا النّوع من التّلوّث السّمعيّ الّذي يضرّ بنا دون أن نشعر بذلك، ويضرّ بمجتمعنا وبثقافتنا العربيّة ويشوهها كلّ التّشويه. 

ولقد عجبت كلّ العجب عندما رأيت اُناسًا كثيرين يدافعون عن هؤلاء المغنيين الممنوعين، والأعجب أنّهم ليسوا اُناسًا عاديين، بل إنّهم مشهورون ومعروفون في مجتمعنا، فمنهم مثلًا: رجل الأعمال نجيب ساويرس الّذي كتب على (تويتر) تغريدة قد انتقد فيها وبشدّة قرار هاني شاكر، واعتزم على دعوة هؤلاء المغنيين في مدينته الجونة كي يغنّوا ويبدعوا بماله الخاص الّذي لا يستطيع هاني شاكر أن يمنعهم من الغناء به، وهو بذلك يعلن تحدّيه واعتراضه الواضح على قرار النّقابة، وكانت حجّة نجيب ساويرس أنّ من حقّ النّاس أن تستمع لما تشاء، فهم يحبّون هذا النّوع أو ذاك، فليس من حقّ نقيب الموسيقيين أن يمنعهم لمجرّد أنّهم يقدّمون للنّاس تلوّث سمعيّ لا يحتوي على أيّ عنصر من عناصر الأغنية كما نعرفها، فمعظمهم ليس لديهم أدنى موهبة حتّى موهبة الصّوت الجميل لا يمتلكونها، وإذا تغاضينا عن انتقاد جودة صوتهم، فأيضًا لن تجد لحنًا يُسمع، ولا كلمات ذات معنى، ولا حتّى تجد تجديدًا في ما يقدّموه.

فجميع أغانيهم عن مواضيع مثل غدر الأصحاب، والخيانة، والصّحوبيّة.. إلخ، وهي كما نرى من المواضيع الهامّة جدًّا الّتي نحتاج إلى المثقفين أمثال حمو وشواحة لكي يسلّطوا الضوء عليها.. وأنا أعترض وبشدّة على وجهة نظر الأستاذ نجيب ساويرس، فالمجتمع مرتبط ببعضه، ولا يمكن أن نعتبر انتشار مثل هذه الأغاني هو نوع من الحريّة الشّخصيّة، بل هي عملية تدمير للوعي العام، وتدمير للوعي الثّقافيّ للمصريين، فهل يظنّ الأستاذ نجيب ساويرس أنّ مثل هذه الكلمات، ومثل هذه الألحان الملوّثة لا تضرّ بنا؟ فإذا كان يعتقد ذلك فأنصحه بمراجعة نفسه، فإذا كنّا نسمع ألفاظًا مثل: (الحب طلع كمين، شمس المجرّة والباقي برّة، ربّ الكون ميّزنا بميزة ..إلخ)، فهل مثل هذه الألفاظ البشعة يمكن أن تحافظ على الأجيال النّاشئة؟ هل ينشأ ابني في بيئة حمو، وشاكوش، وحاحا، وكاريكا، وشطة، وشواحة؟ هل في نظرك هذه الأسماء تصلح لأن تقدّم لنا عملًا فنيًّا موسيقيًّا؟ ثمّ إنّ ما نعرفه أنّ مجتمعنا قبل ظهور أغاني المهرجانات كان الذّوق العام مختلفًا تمامًا، فتجد من يغني أمثال عبد الوهاب، وأم كلثوم، ووردة، وشادية، وميّادة الحنذاوي، وفريد الأطرش، وظلّ المجتمع على هذا النّهج من الذّوق الرّفيع حتّى جاءت أغاني المهرجانات ودمّرت الذّوق العام. 

ولا تستغرب أيّها القارئ، فهذه الأسماء الّتي ذكرتها هي لأشخاص أمثالنا، وليست طلاسم لسحر أسود..

والأمر مفروغ منه، فقد صدر القرار بمنعهم تمامًا من الغناء، وأظنّ أنّ الأستاذ هاني شاكر لن يتراجع عن هذا القرار الصّائب، وأنا أعتبره من الشّجعان؛ لأنّ أيّ شخص في مثل منصبه من المؤكّد أنّه سيخاف من ردّة فعل الجماهير، ويتراجع عن إصدار هذا القرار، ولكنّي أشيد به، وبقراره بشدّة لشجاعته وعدم مبالاته بالآراء المتخلّفة الّتي لا تستند على أيّ دليل على رأيها في عدم منعهم.

فالثّقافة لها العديد من الجوانب المرتبطة ببعضها البعض، فلا يمكننا أن نهمل الجانب الفنيّ منها، ونتركه في هذه الحالة، يعبث به بيكا وشاكوش وأمثالهم، ونعود بعدها ونشتكي ونتساءل يا هل ترى ما سبب تدهور المستوى الثّقافيّ للمجتمع المصريّ؟ وأنا أثق تمامًا انّ كثيرًا من الّذين عارضوا الأستاذ هاني شاكر في قراره سيدركون قيمة هذا القرار بعد حين، وبين الفئتين المؤيّدين والمعارضين الأيّام، لكي تثبت من كان على حقّ ومن كان على باطل..

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.