إن رفض بعض الناس الحجر الصحي "الوقائي" الذي تطبقه الآن معظم دول العالم، إنما يرجع بالأساس إلى الطبيعة البشرية الرافضة للقيود المفروضة، حتى أن البعض ممن يحبون الجلوس بالبيت بطبيعتهم، يشعرون بتمرد داخلي على هذا الحجر.
الأخطر من ذلك هو عدم تقبل كثير من المرضى أو من يشُتبه بإصابتهم به للحجر الصحي "الإلزامي" وهروبهم منه، وعلى رأسهم كثير من المشاهير من رياضيين ومسؤولين وحتى سياسيين، كما رأينا في الفترة الأخيرة.
ولكني هنا أخص حديثي عن منطقتنا العربية، حيث أن كثيرًا من الناس، إن لم يكن معظمهم، أرى أنهم يتهربون من الحجر الصحي، و من ذلك مثالٌ واقعٌ في إحدى المدن التابعة لمحافظتي، حيث العشرات من العاملين العائدين من إيطاليا إلى بلدتهم، لا يزالون هاربين من الحجر الصحي الإلزامي، و جاري البحث عنهم للاشتباه في إصابتهم لفيروس كورونا (حتى وقت كتابة هذا المقال)... و هذا التهرب بشكلٍ عام، يرجع - في رأيي - إلى عدة أسباب، منها:
- الطبيعة البشرية الرافضة للقيود المحبة للحرية كما ذكرنا آنفًا.
- الصورة الذهنية السيئة أو الغامضة لدى البعض عن نظام الحجر الصحي. ربما كان ذلك من بعض الأفلام السينيمائية، خاصةً القديمة منها.
- عدم رغبة بعض المرضى في الشعور بأنهم منبوذون أسريًا أو مجتمعيًا.
- عدم رغبة البعض الآخر في أن يكون موضع شفقة من الآخرين.
أما بالنسبة للمصابين أو المشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا على وجه الخصوص، ففي ظل الاهتمام الإعلامي والمجتعي، فإن الغالبية يتهربون أو يحاولون التهرب من الحجر الصحي، بالإضافة إلى ما سبق؛ لأنهم يخشون الفضيحة، و كأنه شيءٌ يدعو إلى الخزي و العار من وجهة نظرهم، ومما يعضد من هذا الإحساس أن المريض يشعر بأن كل الأضواء مسلطةٌ عليه. وللأسف فإن هذا يحدث بصورةٍ أو بأخرى.
إن الخوف من هذا الوباء أو من غيره من الأوبئة القاتله، لا بأس من وجوده؛ فهو شعورٌ فطري يظهر عند الإحساس بالخطر. إلا أنه لا ينبغي أن يتحول إلى خوفٍ مرضيٍ يسوق صاحبه إلى سلوكياتٍ أنانيةٍ تضر المجتمع بأسره، فكم رأينا سلوك القطيع يتجلى في الهجوم المحموم على شراء السلع في معظم دول العالم، بغض النظر عن ادعاء التقدم، كلٌ يريد مصلحته الخاصة دون اعتبارٍ للمصلحة العامة.
و لإيقاف إنتشار هذا الوباء؛ فبالتأكيد تأتي الحماية الذاتية في المقدمة؛ باتباع الإرشادات الصحية المعلنة من منظمة الصحة العالمية... هذا بالنسبة للفرد. أما على المستوى العام، فقد رأينا كيف أدى الإستهتار والإستهانة بالأمر في بدايته إلى إنهيار النظام الصحي في دولة متقدمة مثل إيطاليا، وعلى خطاها تسير أسبانيا وكثيرٌ من دول أوروبا، بينما نجحت الصين في السيطرة تمامًا على المرض، و التي أرى أن أهم أسباب نجاحها يتلخص في ثلاثة أسباب رئيسة:
- استخدام التكنولوجيا المتطورة و ال Big Data باحترافيةٍ بالغةٍ و قدراتٍ مذهلة.
- الصرامة في تنفيذ قيود الحجر الصحي على المستويين الفردي والجماعي، والذي أرى أنه يرجع بالدرجة الأولى، مع الأسف، إلى نظام الدولة القمعي الذي لا يسمح بالحيود قيْد أنملة عن الطريق المرسوم...
- إلا أن هذا لا ينفي وجود السبب الثالث، ألا و هو جماعية العمل بروح الجماعة وتناغم الفريق النابع من الإحساس بالمسؤولية على المستوى الشعبي.
و في الختام أرى أن أحد أهم ما كشفته أو أكدته حالة كورونا العالمية، هو أن معظم الأنفس البشرية، مع الأسف الشديد، لا ترتدع ذاتيًا، بل إنها في حاجة دائمة إلى رادعٍ خارجي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
تسجيل دخول إنشاء حساب جديد