في قديم العصر والزمان، وفي بلدة جميلة تحفها الجبال والتلال الخضراء، وسماؤها الصافية التي كانت تتلألأ شمسها نهارًا، وتلمع نجومها كالدرر ليلًا، والناس نيام، الجميع في هذه البلدة سواسية، يساعد بعضهم بعضًا، والحكمة شريعتهم والسلام معيشتهم.
كانت هناك امرأة يطلق عليها أهل القرية اسم حوامة (الحدأة)، وكانت تعرف هذه المرأة بجرأتها ومكرها، وتعيش في تلك القرية منعزلة كالساحرة الشريرة التي تمتلك مفاتيح النار، وتحاول فتح فتيل المشكلات وتحاول إحالة كل شيء حولها إلى رماد، ولا تهدأ إلا إذا أحست أنها قد زرعت بذور الفتنة، فتشعل القلوب بالغضب، وتحرك النفوس بالمكر والضغينة، وكان الجميع يتحاشاها.
وإن تمكنت منهم ذهب الجميع مهرولين إلى رجل طيب، يطلقون عليه اسم حكيم الزمان، اسمه الحقيقي هادي، كان لطيفًا مبتسمًا كنسيم الصباح بإطلالته، وحكيمًا كالعلماء القدامى الذين يعالجون القلوب الجريحة، فكان هادي يحب الخير ويكره الشر، ويبني جسور المودة والحب بين الناس، وكان يغرس الأمل في القلوب كلما تأزمت الأمور.
كان هادي محبوبًا بين أهل البلدة، فهو صاحب الأخبار السعيدة الطيبة، وأفضل من يحمل رسائل الحب بين الناس.
وفي أحد الأيام وبينما كانت الحدأة تمشي في البلدة، وتحوم بسرعتها لتلفت الأنظار رأت هادي جالسًا بين الناس يعظهم، ويتحدث إليهم عن المحبة والسلام، توقفت الحدأة، وشعرت بالمرارة والغيرة، فالجميع ينصت إلى هادي، وهي لا تستطيع أن تجذب الناس وتنال الاهتمام نفسه، فكانت كالشيطان الذي يسير بين الناس بالشر والمكر.
تمهلت الشريرة في الكلام، وفكرت في نفسها، لماذا يكون هادي هو المتألق؟ ويأتي إليه الناس من كل مكان، ولماذا يحبه الجميع؟
اقرأ أيضًا: مطر أول نيسان.. قصة قصيرة
وبطبعها فكرت الحدأة بسرعة نحو الهدف الذي تريده، وجلست جانب هادي فجأة، وأثارت دهشة الجميع،نظرت إليه نظرة كلها تحد، وقالت لهادي: إنك تتحدث دائمًا عن الحب والسلام، لكن ماذا تعلم عن الشجاعة والمغامرة والإقدام؟ هل تستطيع أن تكون شجاعًا، وتكون لي ندًّا في سباق بيننا، إن فزت أنت فيه سأسمع كلامك، وأتبع مشورتك طوال الزمان، وأما إن فزت أنا فماذا ستفعل؟ هل تتبعني وتطيعني وتتوقف عن تلك النصائح والأوهام؟
فقال لها هادي: وما التحدي حتى أجيبك وأنهي الكلام؟ قالت الحدأة: سيكون اختبارًا لحكمتك وقوتي، فهل ترى هذا الجبل الظاهر بعيدًا عن هذا المكان؟ سنبدأ بالجري نحوه سويًّا، ومن يصل إليه أولًا سيكون صاحب الرأي والكلام، كان هادي ضعيف الجسد، لكن كان له عقل يفكر به، وكان حكيمًا.
فابتسم وأجابها: حسنًا، وبهدوء قال لها: موافق، وإن أنت فزت سأسمع كلامك، وسأكون لك خادمًا مدة أسبوع أو عبر الزمان، فرحت وضحكت الحدأة كثيرًا، وخاف الحاضرون على هادي.
ابتسمت الحدأة بمكر وقالت: متى موعد التحدي؟ قال لها: صباحًا بإذن الرحيم العلي، سأكون جاهزًا، فقالت له: وأنا سأكون صباحًا في المكان نفسه، وأهل البلدة جميعهم سيكونون شهودًا على السباق، وسيرون من منا سيكسب الرهان.
يعلم هادي بمكر الحدأة، فاطلع على الطريق، واختار المسار المناسب الذي سيساعده في الوصول إلى الجبل بأسرع ما يكون، ودون أن يتعرض لما يعوقه ويمنعه عن الفوز بالرهان.
بدأ السباق صباحًا، والحدأة انطلقت بأقصى سرعتها، وانطلق هادي بهدوء واختار طريقه، وكان حذرًا وملتزمًا، في منتصف الطريق واجهت الحدأة بركة كبيرة من المياه التي لا تستطيع عبورها، لكنها ولغرورها رفضت الانسحاب، وقالت سأتخذ قرارًا بالدوران حول البركة، ثم العودة إلى طريقي الذي يوصل إلى الجبل لأصل بسرعة إلى المكان.
في ذلك الوقت كان هادي يسير هادئًا ليصل إلى المكان، دارات الحدأة حول البركة، وانطلقت تجري بأقصى سرعتها لتصل إلى المكان ظنًا منها أن هادي ما زال خلفها، وسيواجه ما واجهته، وعندما وصلت الحدأة إلى الجبل منهكة ومتعبة، وفوجئت أن هادي جالس ينظر إليها بابتسامة، والناس حوله يهنئونه ويباركون له.
اقرأ أيضًا: قصة مجنون لبنى.. قصص حزينة
قالت الحدأة بغضب وعنفوان: كيف وصلت قبلي يا حكيم الزمان، وأنت ضعيف ولست قوي البنيان؟
قال هادي: أنا سعيد بلقبي حكيم الزمان، وارجو أن تذكريني به عبر الأيام يا عزيزتي، لم يكن الأمر سباقًا في السرعة بل في الحكمة، ومن المهم في الحياة أن تعلمي متى تسيرين بسرعة، ومتى تتوقفين، وكيف تختارين طريقك لتري الصورة كاملة.
في تلك اللحظة أدركت الحدأة أن الحياة ليست فقط بالقوة والسرعة، بل بالحكمة والعقل، وكيف تخطط لكي تحمي نفسك، ولا يصيبك الجهد والتعب وخسارة الرهان.
ومن ذلك اليوم أصبحت الحدأة وحكيم الزمان شريكين في خدمة بلدتهما ونشر السلام، ودارت عجلة الأيام وغمرت الجميع بالسلام والخير والاطمئنان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.