إن يهم حقًّا هو غزارة الحياة وعمقها، وليس مدتها.. فما يحدد قيمة الحياة ليس مدتها في كثرة سنينها، بل الكثافة التي نعيشها بها. يوجد نوع من الحياة التي تحترق كاللهب، مشرقة على الرغْم من قِصرها، وأخرى تمتد بلا لون، أيامها تتكرر بلا معنى. لكن الزمن في حد ذاته لا قيمة له إن لم يكن ممتلئًا بالنور، بالشغف، بلحظات تجعل الوجود ينبض بالحياة.
الكثافة هي القدرة على تحويل لقاء عابر إلى ذكرى خالدة، وابتسامة مسروقة إلى لحظة أبدية. إنها الشجاعة في أن نشعر بعمق، أن نحب على الرغم من احتمال الانكسار، أن نحارب حتى عندما يبدو العالم لا يُقهر، حتى عندما تلوح الهزيمة في الأفق.
الحياة العميقة لا تهرب من الألم، لكنها ترفض أن تكون أسيرة له، تعبر العواصف بكبرياء يكاد يكون جريئًا، وتجد في فراغ كل موجة دافعًا للصعود إلى الأعلى. الكثافة لا تعني السهولة، فهي لا تنكر المعاناة، بل تتجاوزها.
يقول بعض الناس إن المِحن تُقسِّي الروح. ربما، لكنها أيضًا قد توقظ القلب، وتفتح أبوابًا لم نكن ندرك وجودها، وتجعل حتى أصغر الانتصارات أكثر سطوعًا، وأكثر دويًا، وأكثر خلودًا.
لذلك، ما يهم ليس قسوة الحياة، بل ما نصنعه منها. إنه ذلك اللهب الذي نبقيه حيًّا في داخلنا، ذلك الرفض لأن نترك الظلام ينتصر، ذلك الإصرار على البحث عن النور والحقيقة حتى في أكثر الزوايا عتمة.
كثافة الحياة تكمن في تلك اللحظات التي ينبض فيها القلب بقوة وكأنه يريد التحرر من قفصه، في تلك اللحظات النادرة التي نشعر فيها أن حتى الألم له معنى؛ لأننا في تلك اللحظات نكون أحياء بحق.
فكم من أمثلة مرَّت علينا، ألهمت قصصهم ربوع العالم، كم من فنان وكاتب ومفكر وشخصية عاشت حياتها بغزارة، وأصبحت رمزًا لكل شغوف ومحب للحياة؛ لأن الحياة تمضي كالحلم، كأنها وميض، ندخله من باب، لنخرج من باب آخر، وما بين الدخول والخروج، ليس سوى لحظة، طرفة عين، أو ربما… رمش.
👏👏👏👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.