هناك على بحر قزوين تقع "داغستان" الجمهورية الصغيرة ذات الخصوصية الشديدة على مستوى الجغرافيا والتاريخ والتنوع العرقي التي تعني باللغة التركية "بلاد الجبال". وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة للتعرف على ملامح هذه البلاد الرائعة وتاريخها وأهم معالمها.
جمهورية داغستان
تُعد جمهورية داغستان إحدى الجمهوريات التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي وأصبحت تابعة للاتحاد الفيدرالي الروسي، لكن داغستان تتمتع بحكم ذاتي منذ تسعينيات القرن الماضي، وتُعد عاصمتها مدينة محج قلعة هي أكبر وأهم المدن في البلاد، وتتميز جمهورية داغستان بطبيعة فريدة جدًّا؛ نظرًا للتضاريس الجبلية والأودية، ما جعلهم يطلقون عليها بلاد الجبال، كما تتميز داغستان أيضًا بمئات الأنهار، ويوجد بها عدد من منابع المياه، ما يكسبها طبيعة ساحرة ومميزة.
وعلى الرغم من عدد السكان الصغير في جمهورية داغستان الذي يتخطى ثلاثة ملايين نسمة بقليل؛ فإنها تتصف بتنوع عرقي كبير، حتى إنه أُطلق عليها "جمهورية الأعراق"، ويبدو أن الوقت والحياة الهادئة في داغستان أسهما في تعايش عشرات الإثنيات والأعراق، حتى أصبح الأمر لا يمثل أي مشكلة للجمهورية الصغيرة التي تبلغ مساحتها حوالي 50 ألف كيلومتر مربع.
وعن الحدود السياسية للبلاد، فدائمًا ما يقال إن داغستان هي حلقة الوصل والمعبر السريع بين القادمين من آسيا الصغرى إلى روسيا والعكس، وهو ما أكسبها مكانتها الاستراتيجية قديمًا وحديثًا. وتقع الجمهورية الصغيرة بين أطلال الإمبراطورية الروسية، حيث يحدها كل من جورجيا وأذربيجان والشيشان وجمهورية قلميقيا وإقليم ستافروبول، إضافة إلى إطلالتها على بحر قزوين.
أشرنا إلى الطبيعة الجبلية لجمهورية داغستان التي تمثل تقريبًا معظم مساحتها، لكنها أيضًا تُعد موردًا كبيرًا للحياة في داغستان، فالأنهار الكثيرة التي تنتشر في البلاد، على سبيل المثال، تسهم في توفير الطاقة الكهربائية، وتُستغل المناظر الطبيعية والجبال والأودية المنتشرة في عدد من الأنشطة السياحية التي تجذب السياح من آسيا وأوروبا، خاصة وأن الإقامة والسياحة في داغستان تعد قليلة التكلفة مقارنة بغيرها في أوروبا.
وعن المناخ في جمهورية داغستان، فهو أيضًا يساعد على نشاط السياحة، فعلى الرغم برودة الجو في الربيع والشتاء، فإنه يناسب السياح كثيرًا، خاصة القادمين من أوروبا، في حين تتجلى روعة الأودية والمناطق المفتوحة في فصلي الصيف والخريف، وفي كل الأحوال فإن المناخ في داغستان يعد لطيفًا مقارنة بباقي الجمهوريات السوفيتية، وهو ما يؤثر أيضًا في تنوع الزراعات في داغستان على مدار العام.
الحياة في جمهورية داغستان
عدد السكان في داغستان نحو ثلاثة ملايين نسمة فقط معظمهم من المسلمين، لكن هناك بعض اليهود والمسيحيين الأرثوذكس الذين يتبعون الكنيسة الروسية. في حين تمتلئ البلاد بالعرقيات المختلفة، مثل الروس والشيشانيين والأذريين والأفار والدارغين والكوموك، وهو ما يجعل سكان داغستان يتحدثون مجموعة من اللغات، مثل الإيرانية والتركية والسلافية، إضافة إلى مكانة اللغة العربية نظرًا لكونها لغة القرآن الكريم.
من الأمور التي تشتهر بها أيضًا جمهورية داغستان الآثار التاريخية والمباني القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، من بينها:
مدينة دربند
يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وتوجد بها كثير من المباني الأثرية، مثل قلعة نارين التي يُقال إن تاريخها يعود إلى أكثر من 2000 عام، ورممت أكثر من مرة وأعيد بناؤها مرة أخرى في العصور الوسطى، وكذلك أقدم المساجد التي بُنيت في روسيا كلها في عام 733 ميلادية.
مسجد محج قلعة
ومع أنه من المساجد الجديدة التي بُنيت في تسعينيات القرن الماضي، فإنه يعد مزارًا سياحيًّا كبيرًا نظرًا لكونه من أكبر المساجد الموجودة في قارة أوروبا.
تُعد جمهورية داغستان من الأماكن التي تحظى بثروات طبيعية كبيرة، من الغاز والنفط، إضافة إلى الثروة السمكية الضخمة التي تمثل أحد الموارد الكبيرة للبلاد، كما تشتهر جمهورية داغستان أيضًا بإنتاج الكافيار الأبيض وصناعة السجاد وصناعة الخناجر التقليدية والسيوف ذات الطابع التقليدي، إضافة إلى النشاط السياحي الكبير نظرًا لوجود الطبيعة الجبلية والمياه المعدنية التي تساعد على زيادة نشاط السياحة العلاجية.
بالنسبة للزراعة، فإن جمهورية داغستان تهتم كثيرًا بتربية المواشي وزراعة الحبوب والفواكه. وبالنسبة للصناعة، فإن استخراج الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى الصناعات الكيميائية والغذائية، يُعد النشاط الأبرز في البلاد.
تاريخ داغستان
نظرًا لطبيعة المنطقة، فقد تعاقب عليها كثير من الدول منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر الميلادي، حتى تمكن الروس من السيطرة على المنطقة التي كانت دائمًا معبرًا للحملات والفتوحات ومركزًا للصراع بين الروس والدولة العثمانية مدة طويلة.
وصل الإسلام إلى داغستان في عام 20 هـجرية عن طريق سراقة بن عمرو الذي أرسله الخليفة عمر بن الخطاب، إذ استطاع التوصل إلى اتفاق مع أهل داغستان للتحالف مع جيش المسلمين مقابل عدم أخذ الجزية، وهو ما سمح لبعض أهالي داغستان بالدخول في الإسلام بعد ذلك، وكذلك سمح لبعض المسلمين بالإقامة في داغستان، إذ تشير المصادر التاريخية إلى عدد من الصحابة الذين تم دفنهم في أراضي داغستان.
خضعت بعد ذلك أراضي داغستان إلى الخلافة الإسلامية في عهد الدولة الأموية والدولة العباسية حتى الدولة العثمانية، إلى أن سيطرت عليها الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر، وأصبحت جزءًا مما عُرف بالاتحاد السوفيتي، ثم أصبحت جزءًا مما يُعرف الآن باسم روسيا الاتحادية.
من الجدير بالذكر أن داغستان كانت مسقط رأس عدد من الشخصيات الشهيرة، مثل الأديب الروسي ألكسندر بوشكين والأديب الشهير ليو تولستوي.
وفي نهاية هذه الجولة السريعة بين جبال وسكان وتاريخ جمهورية داغستان، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات واقتراحاتك عن مقالات أخرى ترغب في قراءتها على جوك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.