نظرة تاريخية على عهد الخليفة العباسي «المأمون»

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد بن محمد المهدي، وُلِد سنة 170 هـولَّاه أبوه العهد وعمره 13 سنة بعد أخيه الأمين، وضمَّه إلى جعفر بن يحيى وولَّاه خراسان.

بويع المأمون بالخلافة بتاريخ 25/1/198 هـ الموافق 5/9/813 م، واستمر خليفة إلى أن توفي غازيًا بطَرَسُوس في 10/8/832 م، فكانت خلافته 20 سنة و5 أشهر و3 أيام، أقام منها ببلاد خراسان من تاريخ ولايته إلى منتصف صفر سنة 204 هـ.

دور الفضل بن سهل

لما استقر الأمر للمأمون بالعراق على يد القائدين العظيمين طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعيَن، كان الذي يدير الأمر بمرو الفضل بن سهل، الذي يرى لنفسه الفضل الأكبر في تأسيس دولة المأمون، فأراد أن يستفيد من هذه الدولة فيستأثر بنفوذ الكلمة فيها، ولا يتحقق له ذلك والعراق بين يدي طاهر وهرثمة، فأصدر أمرين على لسان المأمون:

  • الأمر الأولتولية الحسن بن سهل.
  • الأمر الثانيإلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان، فشخص، وبذلك خلا العراق من أسديه، وأهل العراق من قديم عبيد القوة، ولا سيما أنهم خارجون من ثورة وهيجان، فكان من اللازم أن تظل تلك الأيدي المرهوبة حتى يستكين الناس.

شاع بالعراق بعد خروج طاهر وولاية الحسن بن سهل أن الفضل بن سهل قد غلب على المأمون، وأنزله قصرًا جبَّه فيه عن أهل بيته ووجوه قواده، وأنه يبرم الأمور على هواه.

أرسل الحسن بن سهل جيشًا بقيادة عبدوس بن محمد فتوجه إليه أبو السرايا وأوقع به سنة 199هـ

أرسل الحسن جيشًا بقيادة عبدوس بن محمد بن أبي خالد المَرْوَرُّوذِي، فتوجَّه إليه أبو السرايا وأوقع به وقعة في 17/7/199 هـ، فقتله وأسر أخاه هارون، واستباح عسكره، وكانوا نحو أربعة آلاف جندي.

أفاق الحسن بن سهل من غفلته لما وجد قواده لا يغنون عنه شيئًا، وكلما وجَّه أحدهم لحرب أبي السرايا عاد مهزومًا، فوجه فكرته إلى هرثمة بن أعيَن، مفضِّلًا إياه على طاهر بن الحسين، وكان هرثمة قد توجه إلى خراسان مغاضبًا للحسن بن سهل.

ترك أبو السرايا مكانه بالقادسية، وسار حتى أتى السوس من بلاد فارس، فلقيه هناك الحسن بن علي الباذغيسي المعروف بالمأمون، فقاتله وهزمه واستباح عسكره، وجُرح أبو السرايا فهرب مريدًا منزله برأس العين من الجزيرة، فعُثر به في الطريق هو ومن معه، وجيء بهم إلى الحسن بن سهل.

ثم أُخذت البصرة من يد عاملها لأبي السرايا، وهو زيد بن موسى بن جعفر، وكان يُقال له زيد النار لكثرة ما أحرق من دور البصرة.

هزيمة العلويين

أراد الله سبحانه وتعالى أن يفرِّج عن أهل مكة ما هم فيه، فقدم عليهم إسحاق بن موسى بن عيسى مقبلًا من اليمن، فقاتل العلويين أيامًا ثم بارح مكة، فلقيه البعث الذي أرسله هرثمة لتخليص مكة، فعاد معهم، وكان رئيس البعث ورقاء بن جميع، فقاتلوا العلويين حتى هزموهم، وطلب محمد بن جعفر الأمان له ولمن معه حتى يخرجوا من مكة ويذهبوا حيث شاءوا، فأجيبوا وأُمهلوا ثلاثة أيام، فلما انتهت، دخلت الجنود العباسية مكة، وذهب كل فريق من العلويين إلى ناحية.

المأمون ببغداد

أشرقت شمس أبي العباس عبد الله المأمون على بغداد حاضرة آبائه، ومن ذلك الوقت ابتدأ ملكه وتجلَّت مزاياه العالية وأخلاقه.

أشرقت شمس المأمون على بغداد حاضرة آبائه ومن وقتها ابتدأ ملكه وتجلَّت مزاياه العالية وأخلاقه

الوزارة في عهد المأمون

أول وزير في عهد المأمون هو الفضل بن سهل، وهو فارسي أسلم على يد المأمون سنة 190 هـ، ويقال إن أباه سهلًا أسلم على يد المهدي الذي اختار الفضل للمأمون هو الرشيد بإشارة جعفر بن يحيى، فكان مدبر أمره وهو ولي عهده، ولما فعل الأمين ما فعل، دبَّر الفضل أمر إرسال الجنود.

استوزر المأمون بعد وفاة الفضل بن سهل أحمد بن أبي خالد، وأصله شامي، مولى لبني عامر بن لؤي، وكان أبوه كاتبًا لعُبيد الله كاتب المهدي، أحضره المأمون بعد وفاة الفضل بن سهل.

ومن الغريب أن يتفق لشخص الشراهة إلى طعام الناس وكثرة العطايا التي كان يمنحها من خاص ماله، وقد روى عنه أبو الفضل أحمد بن طاهر بن طيفور في أخبار بغداد أنه كان يقول: "يُهدى إليَّ الطعام، فوالله ما أدري ما أصنع به، يُهدى إلى صديقٍ فاستحيي من ردِّه عليه."

توفي أحمد بن أبي خالد سنة 211 هـ، وصلى عليه المأمون، ولما دُلِّي في حفرته، ترحَّم عليه، وقال: "أنت والله كما قال القائل:

أخو الجد إن جدَّ الرجال وشمروا ** وذو باطل إن كان في القوم باطل

استوزر المأمون بعده أحمد بن يوسف، وكان كاتبًا من خبرة الكُتَّاب وأجودهم خطًّا، حتى قال له المأمون يومًا: "يا أحمد، لوددت أني أخط مثل خطك، وعليَّ صدقة ألف ألف درهم." وكان يجيد الكتابة.

استوزر المأمون بعده القاضي يحيى بن أكثم التميمي، وكان من جِلَّة العلماء الفقهاء الذين لهم قدَم ثابتة في الحديث والفقه والأصول، تولَّى قضاء البصرة وسنُّه عشرون سنة، ثم اتصل بالمأمون، وصله به ثُمامة بن أشرس العالم المتكلم، الذي كان المأمون يثق به كثيرًا.

ومن وزرائه أبو عبد الله محمد بن داد بن سويد، وهو آخر وزرائه، وأصل بيته من خراسان، كانوا مجوسًا ثم أسلموا واتصلوا بالخلفاء، وكان سويد أول من أسلم منهم، وخرج بنوه كُتَّابًا، ولا سيما محمدًا، فإنه تأدَّب وبرع في كل شيء، فاستوزره المأمون، ومات وهو وزيره.

الجيش

ظهور الدولة العباسية على أيدي أهل خراسان والموالي جعل لهؤلاء شأنًا عظيمًا في الدولة، ومقامًا لا ينقص عن مقام العرب في اعتزاز الدولة بهم، فكان القُوَّاد العظام من أهل خراسان ومن العرب.

اشتغل المأمون بالعلم وأمعن فيه وجالس كثيرًا من العلماء وأخذ عنهم جملة صالحة من العلوم الدينية

العلم في عهد المأمون

شهد عصر المأمون تطورا في الحركة العلمية في العصر العباسي، وذلك لأمرين:

  1. أن المأمون نفسه قد اشتغل بالعلم وأمعن فيه حينما كان بمرو، فقد جالس كثيرًا من العلماء وأخذ عنهم جملة صالحة من العلوم الدينية، كالحديث والتفسير والفقه واللغة العربية، فكان لذلك محبًّا للعلم وازدياد نشره.
  2. ما كان من الأمة نفسها إذ ذاك، إذ وُجد فيها شوق إلى العلم والبحث، وكثرة العلماء في كل مِصْر من أمصار المسلمين.

وفاة المأمون

بينما كان المأمون ببلاد الروم في آخر غزواته، وهو بالبَدَنْدُون شمالي طرطوس، أصابته حمَّى، وفي 18 رجب 218 هـ أدركته منيَّته، فحُمل إلى طرطوس ودفن بها، وكانت سنُّه عندما مات 48 سنة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة