نشأة الملك فهد بن عبد العزيز وأهم إنجازاته في المملكة

الأبناء هم قرة عيون الآباء، وهم شموس المستقبل التي تضيء الأمل في النفوس. ولقد كان مولد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله في يوم ميمون الطالع من عام 1342هـ، فبينما كان الملك عبد العزيز يواصل انتصاراته، في سعيه الحثيث نحو توحيد مملكته، جاءه البشير يخبره ببشارة سارة كان ينتظرها على أحرِّ من الجمر.. إنها بشرى مولد الفهد.

ولذلك يقول الشاعر:

إنما أولادنا أكبادنا      تمشي على الأرض

لو هبت الريح على بعضهم    لم تشبع العين من الغمض

وهكذا كان حال الملك عبد العزيز رحمه الله مع أبنائه. إنه كان ينظر إليهم على أنهم أمل المستقبل.

كان فهد واحدًا من ستة وثلاثين ولدًا للملك عبد العزيز؛ النجل التاسع في الترتيب العام، والأول على سبعة أبناء، وأربع بنات لأمه التي تنتسب إلى بيت من أعرق البيوتات العربية. فأمه الأميرة حصة السديري التي كانت قد هيأت نفسها بإخلاص لإعداد أبنائها الإعداد السليم الذي يضمن مشاركتهم مشاركة فعالة فيما يسند إليهم من أمور.

نشأة الملك فهد في كنف أبيه

نشأ فهد في كنف والده، وحظي بعنايته، ونعم بتوجيهاته السديدة، ونهل من تعاليم مدرسته التربوية زهاء ثلاثين عامًا، وكان هادئًا، متزنًا؛ ما حدا بوالده أن يسند إليه كثيرًا من المهام، وهو لا يزال في سني عمره الباكرة.

وقد جعل الملك عبد العزيز لكل واحد من أبنائه -قبل أن يبلغ أشده- معلمين، ورائدًا يشرف على تربيته، وكانت حكمته أن تتوثق عرى الألفة والمحبة بينه وبين أتباعه.

ولأن الملك عبد العزيز كان أبًا عطوفًا محبًّا لأهله وعشيرته، فقد كان من أعظم مسراته الخاصة اتصاله بأسرته، ومن عاداته أن يعقد في الساعة السابعة صباحًا في أغلب الأيام مجلسًا يحضره كبار العائلة، يتناقشون في أية مشكلة من مشكلاتهم أو يكتفون بالسلام عليه.

ويحدثنا خير الدين الزركلي عن ذلك، فيقول: "خمسة وأربعون عامًا من حياته الطويلة، لم يختلف يوم منها برنامجه إلا لطارئ.. ويتلى بين يديه في ساعة معينة فصل من التفسير، وفصل من التاريخ، يختم -على الأكثر- بالمناقشة في أهم ما اشتمل عليه".

تعلمه الفروسية وحياة البداوة

لقد حرص الملك عبد العزيز على تنشئة أنجاله نشأة بدوية، فعوَّدهم بساطة العيش، فألفوا حياة الصحراء وسكنى الخيام، وتعلم الفروسية.

قال رحمه الله: "إننا نعوِّد أنفسنا على تحمُّل المشاقِّ، فنحن نجابه كثيرًا من الأهوال والصعاب، وهذا هو حال بلادنا، وأسلوب حياتنا. إننا يجب أن نكون مستعدين دائمًا، إنني أعوِّد أبنائي على أن يمشوا حفاة، وأن يستيقظوا قبل الفجر، وأن يكتفوا بقليل من الطعام، ويجب أن يتعلم الواحد منهم كيف يمتطي صهوة جواده وينطلق.. هذه هي نجد، وطريقة الحياة في نجد".

مدرسة الملك عبد العزيز رحمه الله

تتباين المدارس والمعاهد العلمية اليوم في مناهجها الدراسية تباينًا ملحوظًا. ولقد كانت المدرسة التي تخرَّج فيها الملك عبد العزيز وأبناؤه مدرسة من طراز فريد، إذ أولت الاهتمام بغرس الفضيلة والأخلاق في نفوس أبنائها.

كان الملك عبد العزيز أبًا راعيا لأبنائه، كما لو كان أبًا متفرغًا لهؤلاء الأبناء. إنها ليست معادلة صعبة أن يقوم الإنسان بواجبه الكامل نحو أمته وبيته وذويه. فكانت المدرسة التي تعلَّم فيها فهد وإخوته تبدو كأن عبد العزيز أحد المشرفين عليها والموجهين لها.

فهد من نوابغ هذه المدرسة

إذا كان الملك فهد أحد طلبة هذه المدرسة العظيمة، فلا شك أنه نشأ هذه النشأة القويمة، علميًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا. ولم يكتفِ بما تلقَّاه من علوم ومعارف على يد معلميه الأوائل؛ بل حاول أن يثقف نفسه بالاطلاع والدراسة على كل ما يقع تحت يديه من كتب، وملازمة والده في كل مجلس، وحرصه على متابعة ما يدور فيه من حلول لبعض المشكلات والأمور الطارئة.

تخرج الملك فهد

وكان للملك عبد العزيز مجلس خاص يقال له (المختصر)، لا يدخله إلا المقربون من المستشارين، وعلى رأسهم الملك سعود والملك فيصل رحمهما الله، أما الملك فهد رحمه الله فقد كان ما زال صغيرًا، وكانت سنه لا تؤهله للمشاركة في هذا المجلس، وكان حريصًا على أن يظل قريبًا من والده، ولذلك فقد كان يجلس مع (الخويا) عند باب المختصر، لا يغادر مكانه حتى يخرج الملك عبد العزيز ومن معه، فيسرع إليه ويلثم يده.

ولم يكتف الملك عبد العزيز بذلك، بل أصبح يعهد إلى الملك فهد بحل كثير من الأمور المعقدة مثل لقاءات زعماء القبائل، وحل مشكلاتهم، فاكتسب خبرة عظيمة في معالجة الشؤون البدوية والقبلية، وكُلِّف أيضًا ببعض المهمات الرسمية خارج البلاد.

وكان الملك يتمتع بثقافة موسوعية شاملة، فهو عندما يتحدث مع الأطباء تحس أنه خبير بشؤون الطب، وكذلك الحال مع المهندسين وغيرهم، كيف لا وهو المشرف والمخطط والمدير لنشاطات التنمية المختلفة في مملكته المترامية الأطراف؟!

يقول الأستاذ العطار: "في صيف 1390 هجرية حضرت بالطائف مجلسًا للملك العبقري الشهيد فيصل رحمه الله، ومجلسه مجلس خلق وعلم وأدب، وقد دار البحث حول بروتوكولات حكماء صهيون. وسأل الملك: أهناك ترجمة غير ترجمة الأستاذ التونسي؟ فأجابوا إنها هي الترجمة الوحيدة.

فقال الملك: إن هذه الترجمة حديثة، فقد طُبعت سنة 1371 هـ، وأنا أذكر أنني قرأت في سنة 1359هـ ترجمة لهذه البروتوكولات. وقال أحد الحاضرين -ولم يكن سعوديًّا-: إن العرب لم يعرفوا البروتوكولات إلا نتفًا ترجمها بعض الكتاب والصحفيين، أما الترجمة الكاملة فهي للتونسي.

وكان الملك فهد -وزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت- حاضرًا فقال: إنني أذكر أن هناك ترجمة قديمة بقلم الخوري أنطون يمين، ولعلها هي الترجمة التي اطلع عليها طويل العمر (يقصد الملك فيصل).

من صفات فهد الشخصية

القيادة فن ومسؤولية، والقائد الناجح هو الذي يقود شعبه وبلاده إلى شاطئ النجاة، ويصل بهم إلى بر الأمان. والملك فهد كان يتمتع بكثير من الصفات الشخصية التي أهَّلته لقيادة وطنه وأمته، وجعلته في موقع الصدارة بين نظرائه من زعماء العالم.

خوفه من الله سبحانه وتعالى

يقول الملك فهد رحمه الله: "لماذا، وممن نخاف، إلا خوف العبد من ربه؟ قيل لنا بعد حادث الغدر بأخي الملك فيصل، أن نأخذ الحيطة والحذر، لعل هناك من يقف مع القاتل أو وراءه بقصد المضي في العدوان، ولكننا لم نأبه بالحذر الذي لم نألفه".

شجاعته

من صفاته رحمه الله الشجاعة الأدبية والشجاعة الجسدية، وهما الدعامتان اللتان قام عليهما انتشار الإسلام، وبفضلهما انبثق نوره في سائر الأرجاء.

حكمته

وتمتع الملك فهد رحمه الله أيضًا بالحكمة وبُعد النظر، والقدرة على قراءة المستقبل وتوقع ما سيكون؛ ما ساعده في اتخاذ قراراته المناسبة لمعالجة كثير من القضايا المهمة والأمور الصعبة.

قوة شخصيته

تميز الملك فهد بقوة الشخصية، ووضوح الرؤية، والحزم من غير شدة. ومن ملامح شخصيته إيمانه القوي بالحوار الموضوعي البناء. ومن سماته البارزة الوفاء والحب والإيثار، فهو كان يحمل قلبًا مليئًا بالحب مفعمًا بالوفاء.

يقول المستشار النمساوي برونو كرايسكي: "إن بوادر الصداقة التي أبداها الملك إزاء شخصي قد مسَّت قلبي حقيقة، فهو عندما علم في أثناء مؤتمر كانكون بمرضي جاء خصيصًا إلى فيينا بعد المؤتمر؛ لكي يطمئن على حالتي الصحية. لقد تأثرت كثيرًا بلمسة الصداقة هذه التي عبَّر لي عنها".

ولأن الملك فهد رحمه الله هو ابن للصحراء، تربَّى على أرضها وعاش تاريخها وحاضرها، فهو عاشق للصحراء بحب حياة البداوة، وما فيها من انطلاقة ورجولة؛ حيث حرص على قضاء بعض الوقت من كل عام في البادية؛ يتفقد أحوالها، ويتخلص من رتابة المكتب بعض الشيء، وإن كانت مشكلات شعبه وهمومه تلاحقه في كل مكان.

فهد وزيرًا للمعارف

في الثامن عشر من شهر ربيع الآخر 1373 هـ أصدر الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله مرسومًا ملكيًّا يتضمن تعيين الأمير فهد بن عبد العزيز وزيرًا للمعارف. وكان هذا هو الميلاد الرسمي لهذه الوزارة، ومن هنا أخذ هذا الحدث موقعه الكبير من جانبين:

الأمير فهد وزير المعارف

الجانب الأول: تأسيس وزارة جديدة تُسمى وزارة المعارف.

الجانب الثاني: انتقال فهد إلى مستوى العمل الرسمي الوزاري المسؤول.

وقد كان انتشار وزارة المعارف إرهاصًا لبلوغ الذُّرا المنشودة، بما يحقق رغبات البلاد والمطامح والآمال الباسمة. يقول الملك فهد رحمه الله: "ويهمني قبل كل شيء تدعيم التعليم العالي والفني في داخل البلاد؛ حتى يعيد التاريخ نفسه، ونضيف إلى المجد التليد مجدًا طريفًا".

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مشكور على المعلومات
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة