شعرت بالجوع فذهبت للمطبخ؛ لأرى ما يُأكل، حضرت لي شيئًا من الأكل، وأعددت القهوة، جلست بقرب نافذة المطبخ آكل وأتأمل بصمت للعالم الخارجي المطل بنافذة المطبخ، أخذت كوب القهوة وارتشفت منها القليل، ابتسمت بحب لنكهتها.
فأتبعت برشفة رشفتين حتى انتهى الكوب، انتهيت من الأكل وذهبت لترتيب ما عبثت به، شعرت لوهلة بالشوق للمكان قبل دقائق ذهبت وجلست أمام النافذة، شعرت وكأن المكان ينقصه شيء، فكرت قليلً،ا وأدركت بأنها القهوة، ذهبت لأعدها انتهيت وعدت لمكاني حيث النافذة، ارتشفت القليل منها، وأخذت أتأمل المكان، رأيت أطفال حارتنا يلعبون وإذ بواحدة منهن تقوم بشد شعر الآخر لتهرع هاربة منه.
فهو بادر بالركض وراءها ليشد شعرها كما فعلت، ابتسمت وشيئًا بداخلي يقول: هكذا الإنسان لا يتساهل بحقه دومًا يريد أن يأخذ بحقه، ولو كان شيئًا هينًا وبسيطًا، ترددت الابتسامة مرة أخرى على شفتي إذ إن الطفل توقف عن الركض وراءها عائدًا أدراجه، ولكنها عادت من جديد لتشد شعره بمشاكسة، وتلوذ بالفرار ولكن هذه المرة لم يتساهل الطفل أبدًا.
ستجد أيضًا على منصة جوك "مكالمة هاتفية".. قصة قصيرة
وأخذ بحقه فأدركت هنا بأن الإنسان الذي يتساهل برد حقه يستضعفه الناس، ويحاولون النيل منه أكثر وإن كان شخصًا لا يرضى بالظلم، ويأخذ حقه دومًا يهابه الجميع، ويحسبون له ألف حساب، حيث إن الطفلة لم تعد تشاكسه، وذهبت بعيدًا عنه، ارتفعت تأملاتها لبيت قريب، نافذة المنزل مغلقة، والستائر تحجب الرؤيا لكنها لا تستطيع منع صوت الزوجين من الوصول إلينا.
عمت الضوضاء الأرجاء، واختفى الهدوء الجميل، اعتلت الأصوات وازداد الصراخ الحاد والضجيج المزعج عكر صفو المكان، لكن لوهلة توسعت عيني باستفهام ضخم ماذا يحدث؟ للتّوّ كان ظل المرأة الظاهر من على النافذة يصرخ بأعلى صوته، وتأخذ حقيبتها تنوي الرحيل، وفجأة المرأة أصبحت بين أحضان الرجل، حاولت الابتعاد، وهي تضربه، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.
استسلمت وبدأت بالبكاء بالتدريج، اعتلى صوته حتى أصبح بكاؤها حادًا وجريحًا، والرجل يشده أكثر ويمسح على شعرها لتهدئتها، ويتمتم ببعض الكلمات ربما اعتذار أو يطمئنها، لا أدري لكنني ابتسمت للمشهد وتمنيت حينها لو يصبح بحياتي شيء كهذا، أنا لم أقصد الشجار، كلا قصدت شيئًا آخر جدًا.
قصدت الحب الحقيقي الذي أثبته الرجل قد نواجه في الحياة صعوبات، ولكن الحب أقوى منها وسينتصر، لقد شعر الرجل بالمستقبل السيئ الذي قد يواجهه إذا ما تركته ورحلت، شعر بالشوق إليها لمجرد ما إن الفكرة احتلت مخيلته، هرع بسرعة ليروي شوقه، أمسك يدها ولفها إليه فاحتضنها بقوة مشتاق محب يخاف البين.
هو لم يخبرني بل أنا أحسست به، وشعرت كم أن الحب عظيم، توالت ابتساماتي مما رأيت، وعاد صفو المكان بعدما أن ذهب ظل الزوجين، حلقت عيناي في الهواء تتأمل، فإذا بطائر العقاب يطير بسرعة باتجاه واحد دون انحراف تبعته بنظري حتى حط على سقف أحدهم، وارتفع من جديد محلقًا، لقد كان بين قدميه فرخ صغير يئن بصوت صغير لمعرفته ما قد يواجهه وما المصير.
شعرت بالحزن لأجل الفرخ، وبسرعة تحول شعوري حيث إن الطائر ارتطم بجذع شجرة كبير، وهوى ساقط على الأرض ولم يعد يستطيع الطيران وأخذ يعرج بقدميه التي حملت الفرخ الصغير، ابتسمت بتشمت لحال العقاب وتردد شيء بعقلي؛ كم أن الإنسان متحول الشعور، تارة لا يرضى بالشر وتارة يرضى، ابتسمت مجددًا وأخذت عيني طريق التأمل الصامت لأرجاء المكان.
جبال وديان سهول أشجار بأوراقها المتراقصة مع هبوب الرياح الهادئة، والنسمات العليلة تعلقت عيني بقطرات عالقة على أزهار ورود نيسان، ابتسمت بحب لهذه الأرض السامية، إنها أرض أجدادنا وآبائنا، أرضنا وأرض أبنائنا وأحفادنا من بعدنا، الأرض التي ألمت بنا في أحزاننا وفرحنا بكل حالاتنا ضمتنا إليها، هذه الأرض الحنون، وقفت وأنا أنوي العودة للدّاخل.
ما إن وقفت حتى سقط كوب القهوة مني دون إدراك، لقد كان صحن القهوة على ركبتي وسقط مني ما إن قمت واقفة، هرعت لأخذ أجزاء الكوب المتبعثرة، وأنا أتساءل لقد نسيت قهوتي كيف ذلك رسمت ابتسامة على شفتيّ وأردفت قائلة: لأنني كنت أتأمل فلهيت عن شرابي المفضل ما يسعني قوله هو سبحان الله خلق كل شيء فأحسن خلقه، صور الكون فأحسن تصويره، جعله في غاية الجمال نعم فهو الجميل...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.