نساء على العرش.. 123 عامًا على عرش هولندا.. الجدة والابنة والحفيدة

حينما تولى ملك هولندا الحالي فيليم ألكسندر عرش البلاد كان الرجل الأول الذي يتوج ملكًا على هولندا منذ 123 عامًا، فقد حكمت ثلاث سيدات متتاليات البلاد منذ عام 1890 حتى تولى فيليم ألكسندر عام 2013، فكانت الملكة فيلهلمينا التي بقيت نحو 58 عامًا في حكم البلاد، وعاصرت الحربين العالميتين، ثم جاءت بعدها ابنتها يوليانا، ثم الحفيدة بياتريكس التي تنازلت عن الحكم لابنها فيليم ألكسندر بعد 33 عامًا على عرش هولندا.

وفي هذا المقال نتعرف على الملكات الثلاث لهولندا الجدة والابنة والحفيدة، وأهم المحطات التي مرت بها كل منهن في السطور التالية.

اقرأ أيصًا: نساء على العرش.. أنا إيفانوفنا إمبراطورة الدماء والجليد

الملكة فيلهلمينا

ولدت فيلهلمينا هيلانا بولين ماريا في مدينة لاهاي يوم 31 أغسطس عام 1880، وكان والدها الملك فيليم الثالث يبلغ من العمر في ذلك الوقت 63 عامًا، وكانت هي طفلته الوحيدة من زوجته الثانية، في حين كان قد أنجب من زوجته الأولى ثلاثة أبناء، لكنهم لقوا مصرعهم جميعًا قبل أن تبلغ الأميرة الصغيرة الرابعة من عمرها.

ومع وفاة الملك فيليم الثالث عام 1890 وفي حين كانت الأميرة فيلهلمينا تبلغ من العمر عشر سنوات فقط، أصبحت الفتاة الصغيرة ملكة على هولندا، وبذلك كانت والدتها وصية عليها حتى تبلغ الثامنة عشر من عمرها، وهو ما حدث فعلًا في عام 1898 وسط أجواء شعبية ممتلئة بالزخم والترقب من طبقات الشعب الهولندي والسياسيين.

على مستوى الزواج والأبناء، فقد تزوجت الملكة فيلهلمينا عام 1901 بالدوق هنري، وعانت كثيرًا في مسألة الإنجاب، فقد تعرَّضت للإجهاض أكثر من مرة، حتى استطاعت أن تنجب ابنتها يوليانا عام 1909، لكن الملكة عادت مرة أخرى للإجهاض بعد مولد الأميرة الصغيرة التي أصبحت بعد ذلك ملكة هولندا.

شهدت حياة الملكة فيلهلمينا عددًا من المحطات المهمة من بينها الحرب العالمية الأولى والثانية، إذ كانت ملكة هولندا تحاول أن تبعد بلادها عن الصراع الذي طال أوروبا في الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى شهرة الملكة بعدم حبها للسياسيين واتجاهها إلى الحديث مع الشعب مباشرة، ما جعلها شخصية محبوبة لدى قطاع عريض من الهولنديين.

كذلك خرجت ملكة هولندا مع عائلتها من البلاد عقب الغزو الألماني لبلادها عام 1940، إذ عاشت في إنجلترا، وكانت تتحدث إلى المواطنين عن المقاومة عن طريق الراديو، وكوَّنت ما يسمى بحكومة المنفى، وتولت مسؤوليتها حتى عادت إلى البلاد عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

يُذكَر أيضًا أن الملكة فيلهلمينا كانت أحد الملوك القلائل الذين بقوا أحياء بعد الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى أنها كانت أول امرأة تصبح مليارديرة في العالم؛ بسبب النشاط الكبير لمشاريعها التجارية مع أنَّها عاصرت الأزمة الاقتصادية الهولندية في ثلاثينات القرن الماضي التي يعدها كثير من المؤرخين أسوأ الأزمات الاقتصادية في القرن الـ20.

بعد عودة الملكة إلى هولندا وانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بدأت الملكة تفكر فيه التنازل عن الحكم، وبسبب كبر السن والمرض وفي عام ١٩٤٨ كانت فيلهلمينا قد تمت 58 عامًا في حكم البلاد، وهو ما يُعدُّ رقمًا قياسيًّا تفوقت به على ملوك هولندا الآخرين، فتنازلت الملكة عن الحكم لابنتها يوليانا، وعاشت بعد ذلك في قصر (هيت لو) بعيدًا عن الصخب حتى نهاية عمرها، إذ توفت يوم 28 نوفمبر عام 1962 عن عمر ناهز 82 عامًا.

اقرأ أيصًا: نساء على العرش.. إليزابيث الأولى الملكة العذراء

الملكة يوليانا

ولدت الأميرة الصغيرة يوليانا يوم 30 إبريل عام 1909 بعد محاولات عدة للإنجاب لأمها فيلهلمينا ملكة هولندا، وهو ما كان مدعاة للسرور والاحتفال الكبير في القصر الملكي، ثم إن الأم تعرضت لعمليات إجهاض أخرى بعد ولادة الأميرة الصغيرة، فكان الغالب على الأمر أنها ستبقى المولود الملكي الوحيد، ولذلك كانت تحظى بكل الاهتمام والإعداد لتكون ملكة البلاد بعد ذلك.

تلقت الأميرة الصغيرة تعليمها في فصل دراسي صغير أنشئ خصيصًا من أجلها الذي ضم مجموعة صغيرة من أبناء النبلاء، لكنها تفوقت عليهم؛ بسبب وتيرة التعليم السريعة بعد وفاة والدها وهي في سن العاشرة الذي جعلها تصبح ولي العهد، وبذلك كان عليها أن تتعلم أسرع وتتجهز لتتولى الامتيازات الملكية وهي في الثامنة عشرة من عمرها، فكانت يوليانا تسابق الزمن من أجل أن تكون جاهزة في ذلك اليوم.

في عام 1927 أكملت الأميرة الصغيرة 18 عامًا، وأصبحت جاهزة لأداء دورها وللحصول على الامتيازات الملكية، ولكنها لم تتوقف عن التعلم والتحقت بالجامعة، وتلقت محاضرات في مجالات مختلفة في التاريخ والقانون الدستوري والاجتماع متخرجة عام 1930 بشهادة في القانون الدولي، لتصبح الأميرة مهيأة تمامًا لأن تصبح رمزًا وواجهة للشعب الهولندي، ولم يتبقَ سوى مسألة الزواج.

يجب أن ننوه أن المعايير داخل القصر الهولندي والعائلة الملكية هي الأصعب بين ملوك وأمراء أوروبا، إذ يرتبط الزواج بمجموعة كبيرة من القيم الدينية التي تفرض على الزوج أن يكون متدينًا ومنضبطًا، ولذلك كانت معظم الاختيارات غير مناسبة للأميرة يوليانا، حتى تعرفت على الأمير برنهارد عام 1936 هناك في بافاريا في أثناء إقامة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، فكان للحب أثر كبير على قرار الزواج مع أنَّ الشعب الهولندي لم يكن مسرورًا بهذا الارتباط؛ نظرا لأنه أمير ألماني، ولذلك غير الأمير جنسيته ليتزوج الأميرة في عام 1937.

أنجبت الملكة يوليانا أربع بنات من زوجها الأمير برنارد، وهن بياتريكس التي أصبحت ملكة على هولندا بعد ذلك، والأميرة إيرين والأميرة مارغريت التي ولدت في أثناء الحرب العالمية الثانية، والأميرة كريستينا أصغر بناتها التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية.

كانت الحرب العالمية الثانية من أهم المحطات في حياة الملكة يوليانا، إذ فرَّت مع زوجها وابنتيها إلى كندا، ما جعلها تضطر للإنجاب في كندا، وهو ما تسبب في مشكلة كبيرة، حيث يجب أن يولد الطفل في هولندا؛ من أجل الحصول على الجنسية الهولندية، ومن ثم تدخل البرلمان الكندي ليعلن أن الجناح الذي تقيم فيه الملكة يوليان في مستشفى أوتاوا هو منطقة خارج الحدود، ولذلك رُفِعَ العلم الهولندي عند ولادة الأميرة مارغريت في سابقة لم تحدث من قبل في كندا.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ الإعداد لانتقال الحكم من الأم الملكة إلى ابنتها الأميرة يوليانا، وهو ما حدث فعلًا عام 1948، لتبدأ مرحلة حكم الملكة يوليانا على هولندا في مرحلة من أصعب فترات التاريخ، إذ بدأ ينتهي عهد الاستعمار، وبذلك طالبت الدول والجزر بالاستقلال، واضطرت هولندا للتنازل عن مكتسباتها في الهند الشرقية وإندونيسيا وسورينام.

وعلى الرغم من الخلافات المتعددة في العائلة الملكية الهولندية، لكن الملكة يوليانا على مدار حوالي 32 عامًا قضتها على عرش البلاد كانت محبوبة ومفضلة لدى معظم أفراد الشعب الهولندي حتى بلغت من العمر 70 عامًا، فقررت التنازل عن الحكم لابنتها الكبرى بياتريكس كما فعلت والدتها معها تمامًا، وشهد عام 1980 تنازل الملكة يوليانا وتقاعدها حتى توفيت عام 2004 عن عمر ناهز 94 عامًا.

اقرأ أيصًا: نساء على العرش.. كاترين العظيمة أشهر حكام روسيا

الملكة بياتريكس

ولدت الأميرة بياتريكس يوم 31 يناير عام 1938 كأول أطفال الأميرة يوليانا والأمير برنهارد، وكانت جدتها ملكة البلاد في ذلك الوقت من طرف أمها الملكة فيلهلمينا، وصاحب طفولة الأميرة ظروف عالمية وأحداث صعبة، واندلعت الحرب العالمية الثانية بعد عام واحد من ميلادها، ما دفع العائلة الملكية إلى الخروج من البلاد، فذهبت الأميرة الصغيرة مع والدتها إلى كندا.

عاشت الأميرة الصغيرة بياتريكس في أحد المنتجعات الآمنة في كندا برفقة والدتها وأختيها حتى انتهاء الحرب عام 1945، فعادت العائلة إلى هولندا وبدأت الأميرة الصغيرة في الذهاب إلى المدرسة الابتدائية، وفي عام 1948 تولت والدتها الأميرة يوليان عرش هولندا، فأصبحت الأميرة بياتريكس ولي عهد البلاد والوريثة المفترضة وهي لم تكمل العاشرة من عمرها.

وفي عام 1956 بلغت الأميرة الصغيرة الثامنة عشرة من عمرها، وبذلك أصبح لها امتياز ملكي يسمح بأن تتولى التاج، وهو ما يجعلها ولي العهد رسميًّا، ونصبتها والدتها في مجلس الدولة، كما استمرت الأميرة في دراستها الجامعية لتحصل على شهادة في القانون الدولي.

على مستوى الزواج والحياة الشخصية فقد تزوجت بياتريكس من دبلوماسي ألماني هو كلاوس فون أمسبيرغ، كما تزوجت أمها أيضًا من أمير ألماني، وهو ما يحتاج إلى موافقة البرلمان الهولندي الذي وافق على الزواج ومنح زوجها الجنسية الهولندية، وبعد زواجه مباشرة عام 1966 أصبح كلاوس أحد أمراء هولندا.

أنجبت الأميرة بياتريكس من زوجها الأمير كلاوس ثلاثة أبناء، هم الأمير فيليم ألكسندر الذي ولد عام 1967 وأصبح بعد ذلك ملكًا على هولندا، والأمير فريزو الذي ولد عام 1968 وتوفي عام 2013، وكذلك أصغر أبنائها الأمير كنستنتاين الذي ولد عام 1969.

في عام 1980 تولت الأميرة بياتريكس حكم هولندا وجلست على العرش بعد تنازل والدتها الملكة يوليانا، لتصبح بياتريكس المرأة الثالثة تواليًا التي تجلس على عرش هولندا بعد جدتها وأمها، ويمتد جلوسها على العرش لحوالي 33 عامًا، كانت الملكة خلالها معروفة بحبها للسلام، وشخصيتها الهادئة والمتواضعة التي جعلتها محبوبة وتحظى بكثير من الاحترام والتقدير من الشعب الهولندي بوجه خاص والأوروبيين بوجه عام

وفي عام 2013 قرَّرت الملكة بياتريكس التنازل عن عرش هولندا لابنها الأكبر فيليم ألكسندر، وأعلنت في خطاب لها على التليفزيون أنها قد اختارت هذا التوقيت الذي بلغت فيه الـ75 من عمرها قائلة: (أنا لا أنسحب لأن مهمتي ثقيلة، ولكن لأنني مقتنعة تمامًا بأن نجعل المسؤولية في أيدي الجيل الجديد، لذا فأنا أنقل العرش إلى ابني فيليم ألكسندر وأنا أثق به تمامًا).

وبذلك تنتهي مدة الحكم النسائي لهولندا التي استمرت نحو 123 عامًا حكمت فيها ثلاث ملكات متتاليات، فانتقل عرش البلاد بين الجدة والأم والحفيدة حتى وصل إلى فيليم ألكسندر.

وفي نهاية هذا المقال الذي استعرضنا فيه ثلاث ملكات حكمن هولندا منذ عام 1890 حتى عام 2013، نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإفادة، ويسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة