ربما لم تنل امرأة تولت الحكم في التاريخ من الشهرة مثلما نالت كيلوباترا السابعة آخر ملوك السلالة البطلمية التي تُعدُّ نقطة التقاء بين كل من الحضارة اليونانية والفرعونية والرومانية، ثم إن الأحداث التي عاشتها كيلوباترا ساعدت كثيرًا على تعظيم هذه الشهرة، حتى أصبحت الملكة الجميلة إحدى أساطير التاريخ وأبطال الروايات والقصص والأعمال السينمائية والدرامية.
إنها كليوباترا السابعة التي نتعرَّف عليها في هذا المقال الذي يتناول حياتها منذ طفولتها حتى انتحارها، مرورًا بالأحداث الساخنة التي عاشتها الملكة وشاركت في صناعتها في السطور التالية.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. حتشبسوت أشهر ملكات مصر الفرعونية
المولد والنشأة
ولدت كليوباترا السابعة وابنة حاكم مصر (بطليموس الثاني عشر) عام 69 قبل الميلاد، في حين لم يذكر التاريخ والدتها مع أنَّ بعض الكتابات رجحت أن تكون (كليوباترا الخامسة) أم شقيقتها (برنيكي الرابعة)، وتلقت كيلوبترا السابعة تعليمها في القصر الملكي على يد الأساتذة والفلاسفة اليونانيين، وكذلك أكملت دراستها في متحف الإسكندرية، وبواسطته أجادت اللغات والتاريخ والجغرافيا وعلوم السياسة.
كانت كليوباترا السابعة مقربة إلى والدها بطليموس الثاني عشر، حتى إنها صاحبته في رحلته إلى روما عام 58 قبل الميلاد عندما نُفي بعد الثورة التي قامت في البلاد، وعندما عاد إلى مصر مرة أخرى عام 55 قبل الميلاد عادت معه كيلوباترا السابعة ومكثت معه أربعة أعوام حتى توفي عام 51 قبل الميلاد، وكان قد ترك في وصيته ما يفيد باشتراك ابنته كيلوباترا مع شقيقها (بطليموس الثالث عشر) في حكم البلاد.
الطريق إلى حكم مصر
كان الصراع على حكم مصر محتدًا بين كيلوباترا السابعة وأخيها بطليموس الثالث عشر، وذلك بعد وفاة الأب بطليموس الثاني عشر بوقت قصير في مرحلة كانت مصر تمرُّ فيها بعدد من الأزمات، وعلى رأسها مشكلة الجفاف التي أدت إلى مجاعة كبيرة؛ نتيجة انخفاض مياه النيل، إضافة إلى اتجاه الجنود الرومان الموجودين في مصر إلى أعمال السلب والنهب، أضف على ذلك الديون الكبيرة التي تركها الملك السابق بطليموس الثاني عشر للجمهورية الرومانية التي تجاوزت 18 مليون دراخمة.
تُشير الأدلة التاريخية إلى أن كليوباترا السابعة رفضت تمامًا أن تتشارك الحكم مع أخيها بطليموس الثالث عشر، وكانت تعتمد على تأييد شعبي كبير، إضافة إلى عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية التي تساندها في حكم مصر، لكن أخاها بطليموس الثالث عشر أيضًا كان يحظى بتأييد عدد من القادة الرومان، وبعض القيادات العسكرية داخل الجيش؛ ما اضطر كليوباترا إلى عقد تحالف مع أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر، لكن بطليموس الثالث عشر استطاع أن يضع يده على مقاليد الحكم، ويسيطر على الجيش بحلول عام 49 قبل الميلاد، وهو ما تشير إليه الوثائق والمراسلات التي كانت تحمل ختمه وتوقيعه في ذلك الوقت.
ومع عدم قبول كليوباترا للاستسلام وفكرة التنازل عن حكم مصر، بدأ القتال يدور بين القوات الموالية لكليوباترا السابعة والقوات التابعة لأخيها بطليموس الثالث عشر؛ وهو ما أدى إلى هزيمة كليوباترا وهروبها من الإسكندرية، ثم سفرها إلى (سوريا الرومانية) من أجل حشد قوة عسكرية تستطيع بواسطتها السيطرة على حكم البلاد مرة أخرى، لكن أخاها عرف بقدومها، فحاصرها في منطقة الدلتا، ومنعها من دخول الإسكندرية مرة أخرى.
كانت النقطة الفاصلة في عودة كليوباترا للأحداث وربما العودة إلى عرش مصر هي قدوم (يوليوس قيصر) الحاكم الروماني إلى مصر، إذ تصاعدت الأحداث والصراعات بين الأطراف الرومانية من ناحية، والأطراف المصرية من ناحية أخرى، ومع قدوم قيصر إلى الإسكندرية حاول تهدئة الأوضاع بين كليوباترا وأخيها بطليموس الثالث عشر، إذ استطاعت كليوباترا أن تُثير اهتمام قيصر بجمالها وذكائها، وهو ما أغضب أخاها بطليموس الثالث عشر.
اتخذت الأحداث منحنى جديدًا عندما اتحد بطليموس الثالث عشر بالاتحاد وتحالف مع بعض القوى الرومانية المعارضة لقيصر، واستعان بهم على قتال كليوباترا وقيصر، وهي المعركة التي أدت في الأخير إلى موت بطليموس الثالث عشر في أثناء هروبه في أحد القوارب في مياه نهر النيل، وهو ما أنهى الصراع على عرش مصر، فأصبحت كليوباترا السابعة حاكمة على البلاد دون شريك أو منازع، وبتأييد ومباركة من قيصر حاكم روما الذي بدأ للتو علاقته بكليوباترا السابعة التي أثمرت عن طفل سُمي (قيصرون).
إنجازات كيلوباترا السابعة
مع أنَّ كل الأخبار والمدونات عن الملكة كيلوباترا السابعة تحكي عن صراعها من أجل تولي الحكم وعلاقتها بيوليوس قيصر، ثم علاقتها بعد ذلك بمارك أنتوني، لكن توجد بعض الإنجازات الكبيرة التي تُحسَب للملكة التي تولت حكم البلاد وهي في السادسة عشر من عمرها، إذ كانت أشهر امرأة تحكم مصر من سلالة أجنبية، وهي سلالة البطالمة، وكذلك كانت أول حاكمة تتحدث عددًا من اللغات، فكانت تجيد اليونانية والرومانية والمصرية القديمة، بالإضافة إلى اللغة العبرية واللغة العربية.
استطاعت كليوباترا استعادت كل الأراضي التي استولى عليها الرومان في أثناء وجودهم في مصر، وأعادت الأراضي مرة أخرى إلى الفلاحين، كما استطاعت التصدي للحامية الرومانية، وفرض النظام والأمن والاستقرار الداخلي الذي غاب في عهد والدها وأخيها.
كذلك كانت كليوباترا السابعة تهتم بمشروعات التروية والزراعة، وتأمين الطرق التجارية، وإصدار القوانين الخاصة بالمعاملات والعقود، وهو ما ساعد كثيرًا على عودة الرواج التجاري في مصر بعد المجاعة التي تسبب فيها انخفاض نهر النيل.
أنشأت كليوباترا مصنعًا للعطور ومصنع آخر لصناعة الأدوية، واستطاعت الاستفادة من النباتات التي تنمو في مصر في تصنيع عدد من المواد الكيميائية المستخدمة في الصناعة والعلاج والتجميل.
وضعت كليوباترا عددًا من القواعد التي نظمت شؤون الحكم، مثل تقسيم البلاد إلى مجموعة أقسام إدارية يمكن عن طريقها إدارة شؤون البلاد، ومعرفة مواطن التقصير، وتنفيذ المشروعات والخطط، وأقرَّت نظامًا جديدًا في المسائلة وهو محاسبة المسؤولين الحكوميين الذين يستغلون مناصبهم أو يهملون في أداء مهامهم سواء في المناصب المدنية أو العسكرية.
رحلة سقوط كليوباترا
مع أنَّ كليوباترا السابعة استطاعت الانفراد بحكم مصر بمساعدة يوليوس قيصر، لكن الأمور بدأت في الانقلاب، وعادت كليوباترا مرة أخرى إلى الصراع من أجل البقاء على كرسي العرش، إذ بدأت الأحداث بزيارة كيلوباترا السابعة إلى روما نهاية عام 46 قبل الميلاد، وبناءً على دعوة من يوليوس قيصر الذي لم يعترف أبدًا بابنه من كليوباترا التي كانت تأمل في إقناعه بالاعتراف به؛ ليكون شريكًا في الحكم، وفي أثناء وجود كليوباترا في روما اغتيل يوليوس قيصر، وهو ما أعادها إلى نقطة الصراع مرة أخرى.
انقسمت السلطة في روما بعد مقتل قيصر بين أنطوني وأكتافيوس، وكان على كليوباترا أن تنضم لأحد المعسكرين من أجل الحفاظ على حكمها في مصر، وقد اختارت معسكر أنطونيو الذي كان يسيطر على النصف الشرقي من الإمبراطورية الرومانية بحلول عام 42 قبل الميلاد، وهو ما دفع كيلوباترا إلى استقباله في مصر في عام 41 قبل الميلاد بترحاب كبير، وتقربت منه؛ ليكون شريكها مثلما كان قيصر من قبل، وفعلًا استطاعت الاستفادة من هذه العلاقة، فقد استرد لها أنطوني كل الأراضي التي كانت تسيطر عليها الدولة البطلمية من قبل، وأصبحت تحت قيادة كليوباترا مرة أخرى.
استمرت العلاقة بين كليوباترا وأنطوني، وأنجب منها توأمين، واعترف بهما، وأعطاهما كثيرًا من المكاسب التي استفزت أهل روما ورجال السلطة والحكم في الإمبراطورية الرومانية؛ ما عجل بصدام كبير بين قائد الجزء الغربي أكتافيوس وقائد الشرقي من الإمبراطورية مارك أنتوني شهدت عليه معركة (أكتيوم البحرية) التي انتصر فيها أكتافيوس على جيش أنطوني وكليوباترا عام 31 قبل الميلاد، وكانت نهاية مرعبة لقصة الملكة الجميلة ذات الذكاء والدهاء وزوجها القائد الروماني الشهير.
انتحار كليوباترا
بعد الهزيمة في معركة أكتيوم البحرية حاول أنتوني المناورة ومحاولة استعادة المقاومة مرة أخرى، في حين حاولت كليوباترا من جانبها وبرسائل عدة استرضاء أكتافيوس، ومحاولة الوصول إلى اتفاق، على أن يتولى ابنها قيصرون الحكم في مصر، ونفي كليوباترا ومغادرتها البلاد، أو تقديم التنازلات والأموال في المستقبل لأكتافيوس، لكنه لم يقبل بذلك وزحف للهجوم على مصر.
قبل أن يدخل أكتافيوس إلى مصر، أرسلت كليوباترا إلى أنطونيو لتخبره بأنها قد انتحرت، وهو ما جعله يطعن نفسه حتى مات وهو بعمر الـ53، في حين تراجعت هي عن الانتحار حتى قدوم أكتافيوس الذي رفض كل طلباتها، وأصر على أن يصحبها هي وأولادها الثلاثة إلى روما، حيث (عرض النصر) وهو تقليد روماني قديم، ليشاهدهم شعب روما وهم في الأغلال، وهو ما لم ترضَ به كليوباترا؛ لما يمثله من إهانة ومذلة للملكة التي كانت تحكم البلاد وتنحني لها رؤوس الرجال، فانتحرت.
وتقول الحكايات غير المؤكدة أنها سمحت لأفعى الكبرى المصرية بأن تعضها لتموت مسمومة، في حين تُشير بعض الأقوال الأخرى أنها استخدمت نوعًا من المراهم الذي يحتوي على تركيبة قوية من السموم.
وهكذا رحلت كليوباترا وهي في عمر الـ39 بعد أن عاشت في عمرها القصير كثيرًا من الأحداث والصراعات، وتركت خلفها ابنها قيصرون الذي أعلن حاكمًا على مصر مدة 18 يومًا فقط، ثم أصدر أكتافيوس أوامر بإعدامه، لتسقط دولة البطالمة وتصبح جزءًا من التاريخ المملوء بالأحداث والحقائق والأكاذيب أيضًا.
وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حياة كليوباترا السابعة أشهر ملكات التاريخ، نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.