نساء على العرش.. بنظير بوتو بدايات رائعة ونهاية مروعة

مع أنَّ بنظير بوتو كانت أصغر وأول رئيسة وزراء لدولة إسلامية، وكانت بدايتها مبشِّرة لأن تصبح تجربة سياسية استثنائية ومدهشة، لكن اتهامات الفساد لاحقتها وأدت إلى إسقاط حكومتها أكثر من مرة، وقضت وقتًا طويلًا في المنفى حتى انتهت نهاية مروعة، فاغتيلت بإصرار شديد بعد عودتها إلى باكستان.

وفي هذا المقال نتجول سريعًا في تجربة رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنظير بوتو لنتعرف على أهم محطات حياتها، وكيف انتقلت من أن تكون ابنة الرئيس الذي أعدم إلى أن تصبح رئيسة وزراء باكستان، مرورًا بعدد من الأحداث في السطور التالية.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. سيرمافو باندرانيكا أول امرأة حاكمة في العصر الحديث

المولد والنشأة

وُلدت بنظير بوتو يوم 21 يونيو عام 1953، وكان أبوها ذو الفقار علي بوتو ينتمي لعائلة عريقة تمارس السياسة منذ مدة طويلة، وأصبح بعد ذلك رئيسًا لباكستان. وكانت هي الابنة الكبرى له من زوجته الثانية السيدة نصرت بوتو.

تلقَّت بنظير بوتو تعليمها الأول في باكستان، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة عام 1967 للالتحاق بجامعة هارفارد من أجل دراسة العلوم السياسية ونظم الحكم. في هذه المرحلة، عايشت بنظير بوتو كثيرًا من الأحداث السياسية الساخنة في أمريكا مثل الحرب على فيتنام، وتعلقت كثيرًا بتلك المرحلة التي قضتها في جامعة هارفارد قبل أن تنتقل إلى جامعة أكسفورد عام 1973.

في أكسفورد، تخلصت بنظير بوتو من خجلها القديم وشاركت في عدد من الأنشطة الطلابية على مدار أربع سنوات، إذ أصبحت أول فتاة من آسيا تصبح رئيسة لاتحاد الطلاب في أكسفورد، وهو ما جعلها محط أنظار وسائل الإعلام في ذلك الوقت. وكانت دائمًا تتحدث عن تلك المرحلة قائلة: "لقد كانت أكثر حملاتي الانتخابية نجاحًا في عام 1976".

إعدام ذو الفقار بوتو

تحرَّكت الأحداث بسرعة بعد تعيين ذو الفقار بوتو رئيس باكستان، محمد ضياء الحق قائدًا للقوات العسكرية عام 1976، إذ كان ذو الفقار بوتو يسعى إلى تعيين قائد ليس له أي طموحات في الحكم أو ميول سياسية، ولذلك اختار محمد ضياء الحق، متجاوزًا عددًا من القادة الأكبر سنًّا والأعلى رتبة. لكن كثيرًا من الفوضى والنزاعات التي ثارت في باكستان في المرحلة التالية دفعت محمد ضياء الحق إلى شن انقلاب عسكري ضد الرئيس ذو الفقار بوتو في يوليو 1977.

كانت المعارضة الإسلامية قد اشتدت على الرئيس ذو الفقار بوتو، ما دفعه إلى طلب تدخل الجيش للسيطرة على الوضع، وهو ما استغله محمد ضياء الحق للإطاحة بالرئيس ذو الفقار بوتو، ثم فرض الأحكام العرفية على البلاد ووضع الرئيس في السجن، وحكم عليه بالإعدام. وعلى الرغم من الضغوط والنداءات الدولية التي طالبته بعدم تنفيذ حكم الإعدام، لكن الأمر انتهى بإعدام ذو الفقار علي بوتو في سجن روالبندي في إبريل عام 1979.

كانت السلطات قد ألقت القبض من قبل على زوجة الرئيس السيدة نصرت بوتو إضافة إلى ابنته العائدة من الخارج بنظير بوتو، وسمحت لهما السلطات برؤية الرئيس السابق ذو الفقار بوتو قبل إعدامه في زيارة امتدت لنصف ساعة قبل إعدامه بيوم واحد، وبقيت بنظير بوتو ووالدتها تحت الإقامة الجبرية حتى استطاعت أن تخرج من باكستان، ولم تعد إليها مرة أخرى إلا عام 1988 بعد وفاة الرئيس محمد ضياء الحق في حادث طائرة غريب، حين انفجرت الطائرة وعلى متنها ضياء الحق والسفير الأميركي ومجموعة من الضباط في أثناء مرحلة تفاوض لشراء مجموعة من الدبابات الأمريكية.

اقرأ أيصًا: نساء على العرش.. أنا إيفانوفنا إمبراطورة الدماء والجليد

بنظير بوتو رئيسة وزراء باكستان

بعد تحطم الطائرة العسكرية، تولى رئيس مجلس الشيوخ رئاسة البلاد بالنيابة حتى موعد الانتخابات التالية التي شاركت فيها بنظير بوتو التي عادت لتقود المعارضة عن طريق حزب الشعب الباكستاني الذي أسسه والدها من قبل، إذ حصلت على نسبة كبيرة من مقاعد الجمعية الوطنية، وبذلك استطاعت أن تقود الحكومة الائتلافية وتصبح بذلك أصغر وأول رئيسة وزراء في دولة إسلامية في العصر الحديث، بل وأصبحت كذلك أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء وتلد وهي في الحكم.

كانت المرحلة الأولى لرئيسة الوزراء بنظير بوتو بين عامي 1988 و1990 مملوءة بالأحداث والصدامات بينها وبين الرئيس غلام إسحاق، فقد حاولت بنظير بوتو خصخصة المؤسسات الكبرى في باكستان مثل الخطوط الجوية، لكن التجربة كانت فاشلة تمامًا.

إضافة إلى الخلاف على تعيين القيادات العسكرية ورئيس المحكمة العليا، كما بدأت أصابع الاتهام تشير إلى بنظير بوتو بعدها تُسيء استخدام السلطة مع اتهامات أخرى بالفساد، وهو ما جعل غلام إسحاق خان يقيل بنظير بوتو من منصب رئيس الوزراء ويعلن حل المجلس الوطني ويدعو لانتخابات جديدة.

تسارعت الأحداث بالنسبة لبنظير بوتو التي وجدت نفسها فجأة خارج السلطة عام 1990، ثم وُجهت عدد من التهم لرئيسة الوزراء السابقة في العام التالي ومحاكمتها بتهمة سوء إدارة المال وسوء استخدام السلطة، وهو ما استمر سنوات عدة حتى ظهرت براءة بنظير بوتو من هذه التهم عام 1994.

وكذلك فقد قُبِض على زوجها آصف علي زرداري وتوجيه عدد من التهم له منذ عام 1990 حتى عام 1993، كما أصبح لبنظير بوتو عددًا من الأعداء السياسيين داخل باكستان، وعلى رأسهم الأحزاب الإسلامية؛ نظرًا لآرائها وتوجهاتها العلمانية.

جاءت المرحلة الثانية لبنظير بوتو في رئاسة الوزراء بين عامي 1993 و1996، فقد انتخب المجلس الوطني في أكتوبر 1993 بنظير بوتو مرة أخرى رئيسة للوزراء بأغلبية كبيرة ضد المرشح الآخر نواز شريف، وهو ما منحها القدرة على تشكيل حكومة ائتلافية من بعض الأحزاب الضعيفة بحيث يكون لها اليد العليا في الإدارة السياسية. وما جاء في صالحها بعد ذلك هو ترشح فاروق ليجاري كرئيس للدولة، وهو رجل قليل الخبرة، وبذلك أصبحت بنظير بوتو تتحكم في جميع مفاصل الدولة في حين كان الرئيس ليجاري مجرد واجهة أو دمية في يدها.

لكن الأحداث تكررت مرة أخرى مثلما حدث في الولاية الأولى لبنظير بوتو؛ إذ لم تستطع مواجهة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها باكستان، إضافة إلى عدم قدرتها على قيادة الجبهة الداخلية في البلاد التي كانت تمثل اتجاهات مختلفة وتحتاج إلى سياسة حكيمة.

فقد كانت بنظير بوتو تتعامل بكثير من الغرور مع خصومها السياسيين والجماعات والتكتلات التي تخالفها الرأي، بالإضافة إلى السمعة السيئة التي طالت رئيسة وزراء البلاد وزوجها، إذ اتهما بالرشوة والفساد والتورط في عدد من المعاملات الاقتصادية المشبوهة، لدرجة أن زوجها أصبح يُعرَف في الأوساط الاقتصادية الباكستانية باسم "السيد 10%" إشارة إلى النسبة التي كان يحصل عليها من أي معاملة اقتصادية تحدث عن طريق الحكومة الباكستانية.

وفي النهاية، انقلب الرجل الهادئ فاروق ليجاري رئيس الدولة، على حليفته رئيسة الوزراء بنظير بوتو، وأصدر قرارًا بإسقاط حكومتها لتخرج بنظير بوتو من السلطة للمرة الثانية بالطريقة نفسها. لكن الأمر كان أسوأ من المرة الأولى، إذ اتهمت مجموعة من المحامين بنظير بوتو وزوجها بغسل الأموال المنهوبة من باكستان في بنوك سويسرية، ما أدى إلى محاكمة الزوجين في محكمة روالبندي عام 1999، وصدر قرار ضدهما بالسجن لخمس سنوات، في حين كانت بنظير بوتو وزوجها خارج البلاد، حيث استقرت في لندن وبدأت في الدفاع عن نفسها ضد هذه التهم.

اقتباسات بنظير بوتو

  • لصنع السلام يجب أن يكون المرء قائدًا لا هوادة فيه، ولتحقيق السلام يجب على المرء أيضًا أن يجسد التسوية.
  • الحرية ليست نهاية، الحرية هي البداية.
  • الديمقراطية هي أفضل انتقام.
  • كل ديكتاتور يستخدم الدين كدعامة ليبقى في السلطة.
  • يريد الجيش نظامًا يحمي سياساته وامتيازاته، لذا لا يريد الديمقراطية.

اغتيال بنظير بوتو

بدأت الأمور تصبح أصعب وأصعب على رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو التي تعيش خارج البلاد، فقد وضع الرئيس الباكستاني برويز مشرف عدد من القوانين والتشريعات التي تحدد عدد مرات الترشح، بحيث لا تزيد عن مرتين فقط، وهو ما يمنع بنظير بوتو من اعتلاء المنصب مرة أخرى. لكن الرئيس الباكستاني نفسه أصدر عفوًا رئاسيًّا عن مجموعة من الرموز السياسية ومنهم بنظير بوتو، وبذلك أصبح لها الحق في العودة إلى البلاد.

كان برويز مشرف قد فعل اتفاقًا لتقاسم السلطة في البلاد، وهو ما شجَّع بنظير بوتو على العودة إلى باكستان طمعًا في الفوز في الانتخابات التشريعية واستعادة مجدها السابق، إذ كانت تعوِّل كثيرًا على شعبيتها وشعبية حزبها مع أنَّ عددًا من الأصوات قد حذرتها من العودة إلى باكستان، لكن بنظير بوتو عادت في أكتوبر 2007، واستقبلها مناصروها بموكب كبير، لكن الأمور كانت أسوأ مما تعتقد رئيسة الوزراء السابقة.

استهدف موكب بنظير بوتو تفجيرين انتحاريين في مدينة كراتشي الباكستانية، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص وإصابة آخرين، لكن رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو خرجت سليمة من الانفجارين، وهو ما كان ينذر بما هو قادم. فقد اغتيلت بنظير بوتو بعد ذلك بشهرين فقط، وبالتحديد يوم 27 ديسمبر عام 2007، حينما خرجت بنظير بوتو من مؤتمرها الانتخابي لتقف في فتحة السقف الخاصة بسيارتها وتحيي الجماهير. فأطلق مستهدفوها النار على صدرها وعنقها، ثم أقدم انتحاري آخر على عملية تفجيرية بالقرب منها في مدينة روالبندي، ليتم إعلان مقتل رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو بعد 20 دقيقة فقط نتيجة رصاصات اخترقت عنقها وصدرها ورأسها، مع أنَّ السلطات الباكستانية قد أعلنت رسميًّا أنها توفيت نتيجة ارتطام رأسها بالسيارة التي كانت تقلها.

وفي النهاية، قُتلت بنظير بوتو، أصغر رئيسة وزراء تتولى الحكم في دولة إسلامية التي عُرِفَ عنها عشقها للسلطة واستعدادها لفعل أي شيء من أجل كرسي الحكم.

وكانت بنظير بوتو قد حصلت على جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان عام 2008، إضافة إلى جائزة أخرى في حقوق الإنسان وهي جائزة برونو كرايسكي، كما أصدرت كتابها الشهير "ابنة القدر" الذي تتحدث فيه عن سيرة حياتها وكيفية انتقالها من محطة إلى أخرى حتى أصبحت رئيسة وزراء البلاد.

وفي نهاية هذه الجولة السريعة في تجربة رئيسة وزراء باكستان السابقة بنظير بوتو، نتمنى أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة