70 عامًا قضتها الملكة إليزابيت الثانية في حكم إنجلترا والدول التابعة للكومنولث، جعلتها أكثر حكام إنجلترا جلوسًا على العرش، وشهدت البلاد فيها عددًا من الأحداث المهمة، واحتلت خلالها إليزابيث الثانية مكانة خاصة في قلوب وعقول الشعب الإنجليزي، إضافة إلى تأثيرها الكبير في المحيط الدولي، حتى إن هتلر قال عنها (المرأة الأخطر في أوروبا) قبل أن تصبح ملكة، فكيف وصلت إليزابيث الثانية إلى العرش، وما أبرز التحديات التي واجهتها، ولماذا تحتل مكانة خاصة بين ملوك وملكات إنجلترا؟
أسئلة نجب عنها في هذا المقال الذي يتناول حياة إليزابيث الثانية ملكة إنجلترا، وأهم المحطات التي مرت بها في جولة لن تخلوه أبدًا من المعرفة والمتعة والأسرار المدهشة.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. أنديرا غاندي المرأة الحديدية في الهند
المولد والنشأة
ولدت إليزابيت الثانية يوم 21 إبريل عام 1926 لأبيها (الأمير ألبرت) الذي أصبح بعد ذلك (الملك جورج السادس)، وأمها (إليزابيت باوز ليون) التي أصبحت بعد ذلك (الملكة إليزابيث) بعد تولي زوجها حكم إنجلترا، وقد احتاجت الولادة إلى عملية قيصرية لتخرج الفتاة الصغيرة بسلام، وقد سُمِيت إليزابيث كاسم والدتها، وسُميت أيضًا ألكسندرا وماري في حين كانت العائلة تناديها باسم (ليليبت).
لم يكن لإليزابيث الثانية إخوة أو أخوات سوى أختها الأصغر مارجريت، وقد تربيا معًا وتلقيا تعليمهما في المنزل على يد عدد من المدرسين في مجالات الموسيقى والرقص والأدب والتاريخ واللغات، وعُرِفت إليزابيث في صغرها بحبها للكلاب والخيول، إضافة إلى قدرتها الهائلة على الحفظ والدراسة، وميلها إلى التأمل والتفكير.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. إيلين جونسون سيرليف المرأة الحديدية في إفريقيا
الزواج والأبناء
وقعت إليزابيث في غرام الأمير فيليب (دوق أدنبرة) صاحب الأصول اليونانية والدنماركية والألمانية، وارتبطت به رسميًّا بعد إعلان خطوبتهما عام 1947، وتزوجا في العام نفسه وسط كثير من الاعتراضات وعدم الرضا من الأوساط الملكية والسياسية في إنجلترا، حتى قيل إن والدة إليزابيث الثانية لم تكن راضية تمامًا عن هذا الزواج؛ بسبب نسب الأمير فيليب.
يذكر أن الأمير فيليب قد تخلى عن جميع ألقابه الملكية التي كانت يملكها من خارج إنجلترا، كما تحول إلى الكنيسة الإنجليزية، وارتبط بكنيته البريطانية، فأعلن دوقًا على أدنبرة، ومُنِح لقب السمو الملكي، وهي إجراءات ساعدت على تقبل الأمير فيليب في العائلة الملكية، ومع ذلك لم يستطع الأمير فيليب أن يدعو أقاربه إلى حفل الزفاف؛ نظرًا لنسبهم الألماني، حتى شقيقاته البنات لم يستطعن حضور الحفل.
أنجبت إليزابيث الثانية وزوجها فيليب أول أطفالهما الأمير تشارلز عام 1948، ثم ابنتها الأميرة آن عام 1950، ثم الأمير أندرو عام 1960، والأمير إدوارد عام 1964، وقد حصلت على إجازة من والدها الملك جورج السادس بأن يحمل أطفالها الألقاب الملكية، وهو ما لم يكن مسموحًا لهم؛ نظرًا لأن والدهم ليس أميرًا ملكيًّا.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. سيرمافو باندرانيكا أول امرأة حاكمة في العصر الحديث
الطريق إلى عرش إنجلترا
كانت إليزابيث الثانية هي صاحبة الترتيب الثالث على خط العرش، إذ كان جدها (جورج الخامس) ملكًا على إنجلترا، وكان عمها إدوارد هو ولي العهد.
بينما كان أبوها هو الثاني في الترتيب، وكانت إليزابيث التالية بعد أبيها، لكن احتمالات زواج عمها إدوارد وإنجابه للأطفال كانت واردة، ومع ذلك فعندما توفي جدها جورج الخامس عام 1936 تنازل عمها الأمير إدوارد عن العرش في العام نفسه؛ بسبب ارتباطه بامرأة مطلقة، وهو ما يتعارض مع الدستور البريطاني، وبذلك اختار إدوارد أن يرتبط بحبيبته ويتنازل عن عرش إنجلترا.
وفعلًا تولى والد إليزابيث الثانية (جورج السادس) حكم البلاد، وأصبحت إليزابيث الثانية ولي العهد إلا في حالة إنجاب أبيها ولدًا، وهو ما لم يحدث حتى وفاة والدها عام 1952؛ ما جعل إليزابيث الثانية تتحضر لأن تكون ملكة إنجلترا، فتعلمت اللغة الفرنسية، وقرأت في التاريخ الدستوري، وشاركت في عدد من الأحداث المهمة في مراحل تاريخية صعبة، وزارت فرق الجيش في أثناء الحرب العالمية، وعُيِّنت برتبة عقيد في الجيش الإنجليزي.
رفضت إليزابيث مغادرة بلادها في أثناء القصف الألماني والهرب إلى الولايات المتحدة أو حتى الانتقال إلى إسكتلندا، واتخذت القرار بالبقاء مع أبنائها، وبدأت في سلسلة من الزيارات للمستشفيات والفقراء بشجاعة كبيرة، حتى إنها أخذت دروسًا في الرماية، واحتفظت بمسدس شخصي لها، وأعلنت أنها تستعد لتطلق النار على هتلر إذا دخل إلى بيتها، وهو ما جعل إليزابيث الثانية تحظى بشعبية كبيرة بين صفوف الشعب الإنجليزي في أصعب الظروف التاريخية.
ومع بداية عام 1951 وتدهور الحالة الصحية للملك جورج السادس، أصبحت إليزابيث الثانية تنجز عددًا من الأدوار الملكية، مثل الظهور في المناسبات العامة وإجراء الجولات الدولية والزيارات الرسمية، وحين حضرت في كينيا مع زوجها الأمير فيليب استعدادًا لجولة في أستراليا ونيوزيلندا يوم 6 فبراير عام 1952، جاءها خبر وفاة (الملك جورج السادس)، لتصبح ملكة على إنجلترا.
ومع أنَّها سُئلت عن الاسم الملكي الذي سيصاحبها في حكمها، لكنها اختارت أن تظل كما هي باسم إليزابيث، كما أصدرت فرمانًا يفيد ببقاء اسمها (إليزابيت ويندسور)، إذ كانت التقاليد تنص على أن يتحول اسمها إلى اسم زوجها؛ وذلك بناء على طلب رئيس الوزراء (ونستون تشرشل)، وهو ما أغضب الأمير فيليب كثيرًا.
إليزابيث الثانية ملكة إنجلترا
مرَّ حكم الملكة إليزابيث الثانية بعدد بالمحطات المهمة على مدار 70 عامًا، جعلتها صاحبة أطول مدة حكم بين ملوك وملكات إنجلترا، فتولت عرش بريطانيا في ظل هيمنة كبيرة للإمبراطورية البريطانية، وأجرت جولات عدة من بينها زيارة لألمانيا عام 1965 كانت هي الأولى منذ 50 عامًا، وشهدت الملكة على عدد من حركات الاستقلال وتحول الإمبراطورية البريطانية الكبيرة إلى كومنولث.
شاركت إليزابيث الثانية في عدد من الأحداث الكبيرة، فحضرت مؤتمر الكومنولث عام 1973 في كندا، وشاركت في احتفال أمريكا بالانفصال عن بريطانيا عام 1976 في الولايات المتحدة، وافتتحت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في العام نفسه، وفي عام 1979 كانت لها جولة مهمة في دول الخليج العربي بين البحرين والسعودية والكويت والإمارات وعمان.
وفي عام 2002 احتفلت الملكة إليزابيث الثانية بيوبيلها الذهبي الذي يعبر عن مرور 50 عامًا على جلوسها على عرش إنجلترا، وفي العام نفسه توفيت أختها مارغريت بعد الإصابة بجلطة في المخ، وتوفيت أمها إليزابيت الشهيرة باسم الملكة الأم في العام نفسه.
أما في عام 2011 فكانت زيارة إليزابيث الثانية لجمهورية إيرلندا هي الأولى منذ 100 عام لملك بريطاني، وفي عام 2012 احتفلت الملكة باليوبيل الماسي الذي يدل على مرور 60 عامًا على توليها حكم إنجلترا.
وفي العام نفسه تم اتخاذ إجراءات حكومية بغرض إلغاء (القائمة المدنية) في إنجلترا، وهو ما يعني إيقاف الدعم الحكومي للعائلة المالكة والنظام الملكي؛ توفيرًا للنفقات.
وشهد عام 2015 رقمًا قياسيًّا للملكة إليزابيث الثانية، إذ أصبحت أطول ملوك بريطانيا جلوسًا على العرش بعد أن تخطت الملكة فيكتوريا التي جلست على عرش إنجلترا مدة 63 عامًا وسبعة أشهر ويومين فقط، ويذكر التاريخ أن هناك ملك فقط في العالم استطاع أن يسجل مدة حكم أطول من إليزابيث الثانية، وهو ملك فرنسا (لويس الرابع عشر ) الذي جلس على العرش نحو 72 عامًا.
وخلال مدة حكم الملكة إليزابيث الثانية أدت أكثر من 21 ألف واجب رسمي، ووافقت على أكثر من 4 آلاف مشروع قانون، واستقبلت الملكة إليزابيث الثانية أكثر من 112 زيارة رسمية، منها زيارة الإمبراطور الياباني عام 1971، والإمبراطور الإثيوبي هايلا سيلاسي عام 1954، والرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2011، وكانت إليزابيث الثانية أول ملك بريطاني يزور الصين عام 1996، وكذلك أول ملك بريطاني يلقي خطابًا في مجلس النواب الأمريكي عام 1991.
وقبل أن تتوقف الملكة إليزابيث الثانية عن السفر إلى خارج البلاد عام 2015 حينما بلغت من العمر 89 عامًا، كانت قد جالت العالم نحو 42 مرة، وذلك وفق الحسابات الدقيقة التي أجرتها صحيفة (ديلي جراف) الإنجليزية، ومن بين رحلاتها خارج المملكة المتحدة كانت رحلتها عام 1953 / 1954 هي الأطول التي استمرت نحو 168 يومًا زارت خلالها الملكة إليزابيث الثانية 13 دولة.
في عام 1969 عيَّنت الملكة إليزابيث الثانية الأمير تشارلز ولي للعهد، وقد تزوج تشارلز عام 1981 من (ديانا سبنسر) التي نعرفها جميعا باسم (الأميرة ديانا)، وهو الزواج الذي صاحبه عدد من الشائعات التي تفيد بتعرض الأمير تشارلز لكثير من الضغوط لقبول الزواج من الفتاة ذات الـ19 عامًا التي لقت مصرعها بعد ذلك في حادث سيارة.
عن الملكة إليزابيث الثانية
على مستوى المشاعر والميول الشخصية، فإن الملكة إليزابيث الثانية تُعدُّ من الشخصيات الهادئة والمتكتمة التي يصعب كثيرًا معرفة مشاعرها الشخصية أو حتى آرائها الاجتماعية والسياسية؛ نظرًا لأنها لا تعبر عنها، ولا تستخدمها في أي مقابلة رسمية، إضافة إلى أنها قليلة الظهور في الحوارات الخاصة، حتى في بعض الأوقات التي وجهت فيها أسئلة للملكة كانت الإجابات عامة، ولا تعبر عن مشاعر أو ميول أو اتجاهات.
كانت الملكة إليزابيث الثانية تضع التزامًا خاصًّا بالواجب الديني والأعمال المدنية، وكانت دائمة اللقاء بقادة الكنائس، ولعل رسالة عيد الميلاد التي بُثَّت في عام 2000 تعبر كثيرًا عن طبيعة الشخصية المتدينة للملكة إليزابيث الثانية، إذ قالت (لكثيرين منا فإن المعتقدات ذات أهمية كبيرة وأساسية وأنا على المستوى الشخصي أعيش حياتي بممارسة تعاليم المسيح ومسؤوليتي أمام الله وأستمد راحتي الكبيرة من كلمات المسيح في الأوقات الصعبة).
أما على مستوى العمل العام، فإن الملكة إليزابيث الثانية كانت ترعى عددًا من المنظمات والجمعيات الخيرية، ويذكر أن مؤسستها الخاصة استطاعت أن تجمع نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني في حكمها؛ من أجل الأعمال الخيرية، وهو ما رفع من أسهمها كثيرًا، وجعلها شخصية محبوبة على مدار تاريخها في حكم إنجلترا، ولم تتعرض الملكة للانتقادات إلا في بعض الحالات القليلة جدًّا.
وعلى المستوى الشخصي، فإن الملكة إليزابيث الثانية كانت معروفة بحبها للخيول والكلاب، لكنها لم تكن تظهر كثيرًا في الأجواء غير الرسمية، في حين قُدِّرت ثروتها الإجمالية في عام 2020 بنحو 350 مليون جنيه إسترليني، وهو ما يجعلنا نوضح أن الممتلكات الملكية مثل الجواهر والأعمال الفنية لا تُعدُّ ضمن الممتلكات الشخصية للملكة إليزابيث الثانية، وإنما تظل عهدة طوال الحكم، وتنتقل مع انتقال الحكم.
يذكر أيضًا أن إليزابيث تعرَّضت لمحاولتي اغتيال، إحداهما في عام 1981 عندما صوب رجل مسدسه إلى الملكة في أثناء عرض عسكري أقيم للاحتفال بعيد ميلادها، لكن البندقية كانت فارغة، والمحاولة الثانية كانت عام 2021 حيث اقتحم رجل يحمل قوسًا ونشابًا قلعة ويندسور محاولًا اغتيال الملكة في أثناء الاحتفال بعيد ميلادها أيضًا الذي قال بعد ذلك إنه كان يحاول الانتقام من الملكة؛ بسبب مذبحة أميرتسار الهندية التي حدثت عام 1919.
وفاة الملكة إليزابيث الثانية
توفيت الملكة إليزابيث الثانية أطول ملوك إنجلترا جلوسًا على العرش يوم 8 سبتمبر عام 2022، وهي في الـ96 من عمرها بعد مدة قصيرة من توارد أنباء عن تدهور صحتها، وبعد نحو عام ونصف من موت زوجها الأمير فيليب الذي مات عن عمر ناهز 99 عامًا، وتولى بعدها ابنها الأمير تشارلز ليصبح (الملك تشارلز الثالث).
وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حياة الملكة إليزابيث الثانية المرأة الأخطر في أوروبا وصاحبة أطول مدة حكم في تاريخ إنجلترا، ونتمنى أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.