ربما أطلق لقب المرأة الحديدية على عدد من النساء اللاتي اعتلين العرش أو مارسن السياسة، وكان لهن تأثير كبير، لكن إيلين جونسون سيرليف رئيسة جمهورية ليبيريا السابقة والحاصلة على جائزة نوبل للسلام تُعدُّ أكثر امرأة تستحق هذا اللقب في قارة إفريقيا؛ نظرًا للتحديات التي واجهتها والطريق الصعب الذي مشت فيه، فكانت أول رئيسة منتخبة في القارة، وانتقلت معها البلاد إلى عصر الديمقراطية.
وفي هذا المقال نأخذك في جولة سريعة في تجربة إيلين جونسون سيرليف، وكيف وصلت إلى كرسي الحكم في ظل ظروف صعبة وأجواء ملتهبة في السطور التالية.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. سيرمافو باندرانيكا أول امرأة حاكمة في العصر الحديث
المولد والنشأة
ولدت إيلين جونسون سيرليف في العاصمة الليبيرية مونروفيا يوم 29 أكتوبر عام 1938، وتلقت تعليمًا مميزًا حتى حصلت على شهادتها من كلية غرب إفريقيا، ثم تزوجت بجيمس سيرليف، واتجهت إلى الولايات المتحدة عام 1961 لدراسة الأعمال في كلية ماديسون وجامعة هارفارد، فقد حصلت على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وماجستير في الإدارة العامة.
مع أنَّ إلين جونسون سيرليف قد تعلمت في أمريكا ونشأت على الثقافة الأمريكية، لكن والديها ولدا في ريف ليبيريا الفقير، وبذلك فهي امرأة ليبيرية تأثرت بالثقافة الأمريكية، وتزوجت وهي في عمر السابعة عشرة، وأنجبت أربعة أبناء، وأصبحت ربة منزل في سن صغير، وكانت تعمل في بداية حياتها في وظيفة بإحدى متاجر تصليح السيارات بجانب دراستها ورعايتها لأسرتها.
اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. حتشبسوت أشهر ملكات مصر الفرعونية
المسؤوليات والوظائف
في عام 1972 تولت إيلين جونسون سيرليف مسؤولية العمل في وزارة المالية في ليبيريا مساعدة للوزير، لكنها كانت على خلاف دائم؛ بسبب عدد من السياسات المتعلقة بالإنفاق في الحكومة، وهو ما جعلها تستقيل بعد عام واحد ثم استدعيت لتتولى وزارة المالية عام 1979 في عهد الرئيس تولبيرت، لكن الأمر لم يستمر أكثر من عام، فقد تعرض الرئيس لانقلاب قام به صمويل دو في عام 1980.
شهدت ليبيريا في تلك المرحلة أحداثًا ساخنة ومتتابعة، فقد أعدم الرئيس تولبرت، واستحوذ الرئيس الجديد صامويل دو على السلطة، وهو ما جعل إلين جونسون سيرليف تهرب إلى خارج البلاد، وبالتحديد إلى الولايات المتحدة، إذ عملت في بعض الوظائف في بنوك ومؤسسات اقتصادية قبل أن تعود إلى ليبيريا عام 1985.
بعد عودة إلين سيرليف إلى ليبيريا عام 1985 عاملوها بطريقة سيئة، إذ وضعتها الحكومة تحت الإقامة الجبرية ثم قدمتها للمحاكمة وحُكِم عليها بالسجن عشرة أعوام بتهم عدة، أبرزها التحريض على الفتنة، لكن الضغوط الدولية الكبيرة أدت إلى موافقة الحكومة الليبيرية على إطلاق سراحها، لتتمكن بعد ذلك من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، لكنها اعترضت كذلك على طريقة سير الانتخابات التي شابها كثير من التزوير والتوجيه بالقوة، وهو ما جعل إيلين سيرليف ترفض المنصب البرلماني.
الطريق إلى كرسي الحكم
بعد انسحابها من الانتخابات البرلمانية عملت إلين جونسون سيرليف في عدد من المناصب رئيسة للبنك الليبيري للتنمية والاستثمار، ثم عملت في كينيا نائبة لرئيس المكتب الإقليمي الإفريقي لسيتي بنك، ثم عملت مديرة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إفريقيا، وهي وظائف ساعدت إلين جونسون سيرليف على اكتساب كثير من الخبرات على المستوى الاقتصادي والسياسي، والاطلاع على الأوضاع في إفريقيا، وفهم المشكلات الاقتصادية، وهو ما جعلها مهيأة لدور أكبر.
اختيرت إلين جونسون سيرليف ضمن سبع شخصيات للتحقيق في أحداث الإبادة الجماعية التي جرت في دولة رواندا، كما كانت مكلفة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بتقديم تقرير موسع عن دور المرأة في بناء السلام وأثر النزاع عليها في تلك المرحلة، وكذلك اختيرت عضوًا في مجلس القيادات النسائية العالمية، وهي شبكة دولية تضم شخصيات نسائية عدة ذات مناصب رفيعة تعمل على حل القضايا التي تخص المرأة على نحو عادل.
في عام 1997 تقدَّمت إلين جونسون سيرليف بأوراق ترشحها في الانتخابات الرئاسية وكانت منافسًا قويًّا على كرسي الحكم، لكنها خسرت السباق لمصلحة تشارلز تايلور الذي كان قد تمرد من قبل على الرئيس السابق، وهو ما جعله في نظر كثير من الليبيريين بطلًا قوميًّا، وساعده كثيرًا في سباق الرئاسة.
إلين جونسون سيرليف في حكم ليبيريا
عادت إلين جونسون سيرليف مرة أخرى للترشح على كرسي الرئاسة عام 2005، وكان منافسها في ذلك الوقت هو نجم ليبيريا الأول ولاعب كرة القدم السابق جورج ويا الذي كان يتمتع بشعبية كاسحة، لكنها استطاعت أن تقدم برنامجًا واعيًّا وواعدًا، وقدمت نفسها بصفتها خبيرة اقتصادية وسياسية ذات شهادات وخبرات كبيرة، في حين كان جورج ويا لاعب كرة قدم لم يكمل تعليمه، فربحت إلين جونسون سيرليف في السباق، وأصبحت أول امرأة تفوز في انتخابات ديمقراطية لحكم بلد إفريقي على الإطلاق.
كان عصر سيرليف مملوءًا بالإصلاحات الاقتصادية، فقد أنشأت لجنة لفض النزاعات والمصالحة وإصلاح ما خلفته الحرب الأهلية على مدار 20 عامًا، ثم نفذت برنامجًا اقتصاديًّا يقوم على دعم الحياة الاجتماعية، وتطوير الاقتصاد الليبيري، ويساعد النساء، ويعزز من وضعهن، إضافة إلى سعيها للاستفادة من الدول الكبرى عن طريق تحسين العلاقات وإقامة الاتفاقيات، فكانت لها مبادرات كبيرة مع كل من الصين والولايات المتحدة.
ظهر الأثر الكبير لسياسات إلين جونسون سيرليف على الحياة في ليبيريا، وهو ما جعلها تفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2011، ولكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد فازت بنسبة 90.7%، وهو ما يعني قناعة كبيرة من الناخب الليبيري بالرئيسة إلين جونسون سيرليف في انتخابات انتهت في النهاية بانسحاب منافسها وينستون توبمان في الدور الثاني، بعد تحققه من الفوز الساحق لرئيسة الدولة.
وضعت إلين جونسون سيرليف الشعب الليبيري على أول طريق التنمية والحرية والمساواة، وكان حكمها تجربة هائلة وملهمة لعدد من الشعوب في العالم، وكذلك ملهمة للنساء في كل مكان، خاصة في حربها على الفساد، وتعزيز مبادئ المساواة، ونبذ الطائفية خاصة في دولة قامت بها حروب عرقية هائلة، وبذلك مهدت الطريق للقادمين من بعدها، وهو ما جعلها محط أنظار واحترام وتقدير العالم الحر بحكوماته ومؤسساته.
ظلت إلين جونسون سيرليف تحكم البلاد حتى عام 2017، حيث أقيمت الانتخابات التي تنافس فيها كل من جورج ويا لاعب الكرة الشهير ضد جوزيف بوكاي، وفاز جورج ويا بالانتخابات لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الشعب الليبيري، وكذلك في حياة إيلين جونسون سيرليف.
حصيلة رحلة إلين جونسون سيرليف
بعد سنوات من العمل الاقتصادي والسياسي وبعد 12 عاما قضتها إيلين جونسون سيرليف في حكم ليبيريا كونها أول امرأة تحكم البلاد نتيجة انتخابات ديمقراطية، كانت الحصيلة تضم عددًا من التكريمات والجوائز والأوسمة، ومنها على سبيل المثال:
- جائزة مو إبراهيم للحكم الرشيد في إفريقيا عام 2018
- جائزة الاقتصاد العالمي عام 2014.
- وسام الصليب الأكبر لجوقة الشرف عام 2012.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفارد عام 2011.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة ييل عام 2010.
- ميشان الصليب الأعظم لوسام الوردة البيضاء في فنلندا عام 2009.
- جائزة إنديرا غاندي عام 2012
إضافة إلى اختيار إلين جونسون سيرليف واحدة من أفضل 100 امرأة على مستوى العالم في تصويت أجرته إذاعة بي بي سي الإنجليزية عام 2017.
وعلى الرغم من أهمية هذه التكريمات والأوسمة، فإن الجائزة الأكبر في حياة إيلين جونسون سيرليف هي جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها عام 2011؛ بسبب جهودها في تعزيز الديمقراطية ومشاركة المرأة في ليبيريا بعد سنوات من الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد، وجاءت الجائزة بالمشاركة مع كل من الليبيرية ليما جبوي والناشطة اليمنية توكل كرمان، إذ اشتركن جميعًا في الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق السلام.
وقد صرَّحت إلين جونسون سيرليف بأن جائزة نوبل هي جائزة لكل الشعب الليبيري، وهي اعتراف دولي بنضال شعبها وحقه في الحرية والعدالة والتنمية بعد الحرب.
آثار إلين جونسون سيرليف
تركت الرئيسة السابقة لليبيريا عددًا من الآثار بجانب تجربتها الكبيرة في رئاسة البلاد، وإعادة الأمن، وتعزيز الديمقراطية والسلام، وبداية طريق التنمية، ومنها كتابها الذي حقق نجاحًا وانتشارًا كبيرًا بعنوان (هذه الطفلة ستكون عظيمة الشأن)، وهو يُعدُّ سيرة ذاتية تتحدث فيها عن نفسها منذ طفولتها حتى أصبحت رئيسة البلاد.
كذلك أنشأت إيلين سيرليف وأسست مركز (ايلين سيرليف للمرأة والتنمية) عام 2008 من أجل دعم المرأة وتمكينها على المستوى السياسي والاجتماعي، إضافة إلى محاولة زيادة تمثيل النساء في الأدوار المهمة والقيادية في المجتمع الليبيري وفي إفريقيا كذلك، محاولة وجود فرص للتدريب والعمل في عدد من المجالات سواء في ليبيريا أو خارجها، وما زالت إلين جونسون سيرليف ترأس هذا المركز حتى الآن.
من أقوال إيلين جونسون سيرليف
- لدينا جميعًا مصلحة في المعركة ضد مرض الإيبولا، لذا يجب أن نتحد ونصبح يدًا واحدة.
- المرأة تعمل بجد، والنساء أكثر أمانًا، ولديهن أسبابًا أقل ليكن فاسدات.
- يجب أن يتجاوز حجم أحلامك دائمًا قدرتك الحالية على تحقيقها، إذا كانت أحلامك لا تخيفك، فهي ليست كبيرة بما يكفي.
- لا يتم إعطاء القيادة عن طبق من الفضة على المرأة أن تخوض المعركة لتكسبها.
- يجب أن يثرينا العرق، ويجب أن يجعلنا شعبًا فريدًا في تنوعنا ولا نستخدمه لتفريقنا.
وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة في حياة وتجربة إيلين جونسون سيرليف أول امرأة تتولى حكم دولة في إفريقيا بعد انتخابات ديمقراطية، نرجو أن نكون قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.