نساء على العرش.. أنديرا غاندي المرأة الحديدية في الهند

لا شكَّ أن أنديرا غاندي هي أحد أهم الشخصيات النسائية في التاريخ، لا سيما بين النساء اللاتي اعتلين العرش وربما تزاحم الرجال أيضًا، فقد تصدَّت المرأة الحديدية في الهند لعدد من القضايا وفازت بعدد من المعارك، وكانت أول امرأة تتولى منصب رئيس وزراء في دولة الهند، ولم يتكرر الأمر حتى الآن. ومع ذلك، فقد اغتيلت في نهاية المطاف على يد الأشخاص الذين وثقت بهم ورفضت استبدالهم؛ لتكتمل الدراما في حياة أنديرا غاندي وتصبح حكايتها قصة مملوءة بالأسرار والأحداث المدهشة.

وفي هذا المقال نتجول معًا في تجربة أنديرا غاندي بين أهم محطات حياتها الشخصية والسياسية في جولة لن تخلو من المتعة والمعرفة في السطور التالية.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. إيلين جونسون سيرليف المرأة الحديدية في إفريقيا

المولد والنشأة

ولدت أنديرا بريا دارشيني نهرو في مدينة (الله أباد) يوم 19 نوفمبر عام 1917 لعائلة ذات سمعة كبيرة في السياسة والعمل العام، فكان كل من جدها ووالدها رمزين للوطنية والسياسة في الهند، وكانا ضلعين في الثالوث المقدس لدى الهنود ضد الاحتلال البريطاني الذي كان ضلعه الثالث المهاتما غاندي. كذلك كان والدها جواهر لال نهرو هو أول رئيس وزراء للهند بعد أن استقلت عن بريطانيا عام 1947.

تلقت أنديرا غاندي تعليمها في الهند في معهد (بون شانتيني كيتان) الذي أنشأه من قبل الشاعر الهندي المعروف طاغور، ثم اتجهت إلى سويسرا لدراسة العلوم السياسية، وبعدها أكملت دراستها في جامعة أكسفورد وكلية سومر في بريطانيا.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. سيرمافو باندرانيكا أول امرأة حاكمة في العصر الحديث

طريق أنديرا غاندي

كانت أنديرا غاندي معايشة لكفاح جدها ووالدها من أجل نيل حرية الهند، وهو ما جعلها تنظم جيش القردة وهي في الثالثة عشرة من عمرها، كما انتسبت إلى حزب المؤتمر الهندي عام 1939 وهي في الثانية والعشرين من عمرها، قبل أن تتزوج من فيروز خان عام 1942 الذي غير اسمه بعد ذلك وأصبح فيروز غاندي، وهو صحفي ذو نشاط سياسي، وأنجبت منه ولديها راجيف وسانجاي.

كانت أنديرا غاندي منذ بداية حياتها متأثرة كثيرًا بالزعيم الهندي المهاتما غاندي، كما كانت تقلده في لبس الرداء الهندي المصنوع يدويًّا، وهو ما كان يجعلها أحيانًا محل سخرية من صديقاتها في مراحل التعليم المختلفة. كما كان والدها مثلها الأعلى في السياسة والحياة العامة، فكانت أنديرا غاندي كارهة للتعصب الطائفي والديني حتى قبل أن تتولى أي سلطة.

في عام 1942 اعتقلت أنديرا غاندي وزوجها، ووجه إليهما تهمة مناهضة السياسة الاستعمارية وتنفيذ أعمال تخريبية، ما ترتب عليه السجن مدة 13 شهرًا للزوجين حديثي الزواج، وهو ما يُعدُّ أول مشاركة سياسية حقيقية لأنديرا غاندي. لكن الأمر تطور بعد ذلك فقد تولى والدها رئاسة وزراء الهند، ما جعلها تقترب كثيرًا من صناعة القرار وتعيش الأحداث السياسية وتتفاعل معها حتى أصبحت مساعدة رئيسة لوالدها ومديرة لأعماله، وبذلك صاحبته في عدد من الفعاليات والرحلات داخل وخارج الهند، لا سيما في الزيارات الهامة مثل زيارة الاتحاد السوفيتي وزيارة الصين.

أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند

في عام 1960 توفي زوجها، وتم انتخابها في العام نفسه رئيسةً لحزب المؤتمر، وهو المنصب الذي لم يستمر أكثر من عام واحد. لكنها قد اتخذت إجراءات قوية في ذلك العام، فقد طهرت حزب المؤتمر من الفساد والقيادات التي لا تتناسب مع المرحلة الجديدة، ونجحت في إدخال دماء جديدة إلى الحزب واستطاعت أن تنتصر على الحزب الشيوعي المنافس في أهم مناطقه في ولاية كيرلا، وهو ما جعل اسم أنديرا غاندي يتردد بقوة في الأوساط السياسية بصفتها قائدة ولاعبة سياسية مهمة.

استطاعت أنديرا غاندي أن تمثل بلادها في محافل مهمة ومنظمات كبيرة مثل اليونسكو واليونيسف، حتى استدعيت سريعًا إلى الهند بسبب تدهور حالة والدها الصحية، ما جعلها تمارس مهام رئيس الوزراء بالوكالة حتى وفاة والدها.

ثم طلب منها رئيس الوزراء الجديد (لال بهادور شاستري) أن تتولى منصب وزارة الخارجية، لكنها فضلت وزارة الإعلام، وهو ما سمح لها بإجراء عدد من التعديلات والسماح للمعارضة بعرض وجهة نظرها في وسائل الإعلام.

في عام 1966 توفي رئيس الوزراء الهندي شاستري فجأة في أثناء وجوده في طشقند عاصمة أوزبكستان، فقد كانت توجد مفاوضات لحل النزاع على مشكلة كشمير، وهو ما أدى إلى إعادة ترشيح الحزب لأنديرا غاندي عام 1967.

ومع أنَّ الأمر لم يكن سهلًا، فقد كان الصراع كبيرًا بين رجال وقيادات الحزب، لكن أنديرا غاندي انتصرت في هذه المعركة السياسية وتحالفت مع تيارات اليسار الهندي في البرلمان حتى نجحت في كسب أولى معاركها السياسية وفرض عدد من التغييرات التي جعلتها تحظى بتأييد الشعب الهندي، وهو ما منحها مزيدًا من القوة لتنفيذ إصلاحات جديدة على المستوى الاقتصادي والدستوري والاجتماعي من أجل تحديث الهند.

كذلك كانت الحرب مع باكستان عام 1971 من أهم محطات أنديرا غاندي وهي رئيسة للحكومة، فأعطت أوامرها بدخول باكستان الشرقية، وهو ما كان قرارًا شديد الخطر سمح للجيش الهندي بالانتصار على الجيش الباكستاني. وخرجت الهند بمكاسب كبيرة من هذه الحرب، وهي انفصال باكستان الشرقية التي أصبحت بعد ذلك بنغلادش الموالية للهند.

على المستوى الخارجي، كانت أنديرا غاندي تميل إلى فكرة عدم الانحياز وتتعامل بذكاء شديد مع القوى العظمى الموجودة في العالم في ذلك الوقت. وكانت دائمًا تدعم القضية الفلسطينية وترفض التطبيع مع إسرائيل، كما كانت تنتقد الهيمنة والسيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، وهو ما عده كثير من المحللين السياسيين ذكاءً شديدًا من أنديرا غاندي لاستمالة العرب والمسلمين في حربها مع باكستان، في حين كانت تجري محادثات سرية مع إسرائيل على مستوى الأمن والمخابرات وتبادل المنافع، لا سيما في نهاية الستينيات.

على مستوى السياسة الداخلية، كانت أنديرا غاندي تمارس التفرقة الطائفية بعكس ما كانت تنادي به دائمًا؛ فكانت تتبع سياسة القوة ضد الطوائف الأخرى في مجتمع مملوء بالطوائف، ولا سيما مع طائفة السيخ، وهو ما تسبب بعد ذلك في مجزرة أمريتسار، حيث اعتصم مجموعة من زعماء السيخ في معبدهم المعروف بالمعبد الذهبي، وهو مكان مقدس ومشهور لدى السيخ.

وبينما هم مضربون عن الطعام، أصدرت أنديرا غاندي أوامرها باقتحام المعبد بالقوة، حيث حدثت معركة هائلة قُتِل فيها أكثر من 500 شخص وجُرح الآلاف، ومن بين القتلى كان زعيم طائفة السيخ، وهو ما أدى إلى كثير من الحقد والاحتقان والضغينة في المجتمع الهندي تجاه أنديرا غاندي.

سقوط أنديرا غاندي

بدأ سقوط المرأة الحديدية عندما تعرضت الهند للجفاف الذي أدى إلى قلة المحاصيل وارتفاع الأسعار في بداية السبعينيات، وهو ما جعل أنديرا غاندي في مواجهة كثير من الأصوات التي تنادي بتخليها عن الحكم، وكثير من المظاهرات التي تتحدث عن الفساد في مختلف القطاعات.

وذلك، أعلنت حالة الطوارئ في عام 1975 واعتقلت كثيرًا من الخصوم والمعارضين، كما فرضت رقابة على الصحف، ودخلت الهند في نفق مظلم تحاول فيه رئيسة الوزراء البقاء في السلطة مع محاولات كبيرة لتهيئة الأمر لابنها لتولي رئاسة الوزراء من بعدها حتى جاءت انتخابات 1977.

خسر حزب أنديرا غاندي الانتخابات أمام تكتل المعارضة وخسرت هي نفسها مقعدها في البرلمان، لكنها استطاعت أن تعود للسلطة عام 1980، كما استطاع ابنها سانجاي أن يحقق انتصارًا كبيرًا هو الآخر في الانتخابات، وهو ما أعطى أنديرا غاندي القوة من جديد لتتصرف كما تريد، وهو ما أدى إلى التصرفات الطائشة التي حدثت في مجزرة أمريتسار التي أدت في النهاية إلى مقتل أنديرا غاندي.

وفي العام نفسه الذي عادت فيه أنديرا غاندي إلى السلطة، حدث لها ما لم تتوقعه؛ إذ مات ابنها سانجاي في حادث مروع، سقطت به الطائرة حينما كان يحلق بها بنفسه.

وكان هذا كارثة إنسانية لموت ابنها وكارثة سياسية، إذ كانت تبني كثيرًا من الأحلام على سانجاي ليتولى بعدها رئاسة الوزراء ويبقى الحكم في العائلة. كما جاءت ضربة أخرى لأحلام أنديرا غاندي عندما كونت أرملة ابنها حزبًا معارضًا ضد أنديرا غاندي، وبذلك لجأت إلى آخر الحلول وهو الاستعانة بابنها الآخر راجيف ودفعته إلى البرلمان الهندي ليحل محل أخيه في العمل السياسي مع أنَّه لم يكن مدربًا أو مهيأً أو راغبًا حتى في أي دور سياسي، وهو الذي صار بعد ذلك رئيس الوزراء الهندي على نحو درامي.

جوائز وتكريمات أنديرا غاندي

حصلت المرأة الحديدية في الهند على عدد من الجوائز والتكريمات، أبرزها:

  • جائزة جواهر لال نهرو عام 1984
  • جائزة لينين للسلام عام 1984
  • الوسام الأولمبي الذهبي عام 1983
  • الدكتوراه الفخرية من جامعة واسيدا
  • لقب المواطن الفخري لمدينة كييف الأوكرانية
  • الدكتوراه الفخرية من جامعة شيفتشينكو في أوكرانيا

من أقوال أنديرا غاندي

  • الحرية هي أهم شيء في الحياة، دونها لا يمكن أن تكون هناك تنمية حقيقية.
  • حيث يوجد الحب توجد الحياة.
  • يميل الناس لنسيان واجباتهم وتذكر حقوقهم.
  • دائمًا ما يكون وراء الغضب حجة لكنها نادرًا ما تكون سليمة.
  • كانت الزعامة قديمًا تعني العضلات، أما الآن فهي تعني التجاوب مع الناس.
  • الحق في السؤال هو أساس تقدم الإنسانية.

اغتيال أنديرا غاندي

نتيجة لما حدث في مذبحة أمريتسار ومقتل عدد من المواطنين السيخ، إضافة إلى مقتل زعيم الطائفة، كان كثير من السيخ ينادون بالانتقام من الزعيمة ذات القلب المتحجر والقبضة الحديدية، وهو ما جعل كثيرًا من الأصوات تطالبها بتغيير حراسها الشخصيين الذين ينتمون إلى طائفة السيخ. لكنها رفضت وقالت إنها لن تقبل أن تعاملهم بذنب الآخرين، وكانت مخطئة تمامًا، إذ أقدم حراسها على قتلها بالرصاص تعاطفًا مع أبناء طائفتهم، لتموت المرأة الحديدية في حديقة منزل رئيس الوزراء الذي كانت تتولى منه حكم البلاد يوم الأربعاء 31 أكتوبر عام 1984، وهو ما أدى إلى إعلان ابنها راجيف رئيسًا لوزراء الهند.

وبحسب الشعائر الدينية الهندوسية التي تنتمي إليها أنديرا غاندي، فقد أحرق جثمانها في المكان نفسه الذي أحرق فيه جسد زوجها وجدها وأبيها والمهاتما غاندي، وهو ما تبعه انتقام كبير قامت به طائفة الهندوس ضد طائفة السيخ بسبب قتل الزعيمة أنديرا غاندي.

وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حياة الزعيمة الهندية الكبيرة أنديرا غاندي والتعرف على أهم محطاتها الشخصية والسياسية منذ مولدها حتى اغتيالها، نتمنى أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة.

ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات عن تجربة حكم النساء اللاتي تولين مناصب الرئاسة في بلادهن في العصر الحديث، وكذلك مشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة