نساء على العرش.. أنجيلا ميركل الفتاة الصغيرة صاحبة القرار

تُعدُّ المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل من الشخصيات ذات التأثير الكبير سواء على التاريخ الألماني الحديث أو حتى على مستوى أوروبا والعالم، فتولت حكم ألمانيا لأربع فترات متتالية وخاضت عددًا من المعارك السياسية، وحققت لبلادها كثيرًا من الإنجازات. وقد أطلق عليها المستشار الألماني السابق هيلموت كول لقب "الفتاة الصغيرة"، في حين كان السياسيون في ألمانيا يطلقون عليها "صاحبة القرار"؛ نظرًا لقوتها وقدرتها على اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها.

وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في تجربة أنجيلا ميركل لنتعرف على أهم محطاتها الشخصية والسياسية في السطور التالية.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. 123 عامًا على عرش هولندا.. الجدة والابنة والحفيدة

المولد والنشأة

ولدت أنجيلا دوروتيا كاسنر التي عرفت بعد ذلك باسم أنجيلا ميركل في مدينة هامبورغ الألمانية الغربية في 17 يوليو عام 1954. كان والدها قسًّا لوثريًّا، في حين كانت والدتها معلمة للغة الإنجليزية، وكان لديها اثنان من الأشقاء، أحدهما فيزيائي والأخرى معالجة مهنية.

كانت أسرة أنجيلا قد انتقلت إلى ألمانيا الشرقية بسبب انتقال الأب الذي أصبح راعيًا لإبراشية في كنيسة كيتزو في مدينة براندنبورغ التي كانت تقع في ذلك الوقت في الجزء الشرقي من ألمانيا، ولذلك عاشت أنجيلا ميركل طفولتها في شمال برلين الشرقية.

تلقَّت أنجيلا تعليمها في مدارس ألمانيا الشرقية وأجادت الرياضيات واللغة الروسية، وانضمَّت إلى جامعة تمبلين في مدينة لايبزيغ، وتخصصت في الفيزياء وتخرجت عام 1978 لتعمل بعد ذلك في المعهد المركزي للفيزياء والكيمياء التابع لأكاديمية العلوم، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في كيمياء الكم، واستطاعت أن تنشر عددًا من البحوث في ذلك الوقت.

وعن حياتها الشخصية، فقد تزوجت أنجيلا ميركل وهي في الثالثة والعشرين من عمرها بـ(أولرش ميركل) الذي حصلت منه على لقبها، لكن هذا الزواج لم يصمد أكثر من خمس سنوات ثم تطلقا.

لتتزوج بعد ذلك بستة أعوام من زوجها الحالي، وهو أستاذ متخصص في الكيمياء ويدعى (يواخيم زور)، وتُطلق عليه وسائل الإعلام لقب "الشبح"؛ لأنه لا يظهر كثيرًا في الأضواء ويعيش حياة متقشفة إلى حد ما، وينشغل كثيرًا ببحوثه ودراساته. ومن ناحية أخرى، لم تنجب أنجيلا ميركل أي أطفال طوال حياتها، كما عُرِف عنها خوفها الكبير من الكلاب.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. أنا إيفانوفنا إمبراطورة الدماء والجليد

الحياة السياسية لأنجيلا ميركل

قد يجب أن نعرف أن غالبية الطلاب كانوا أعضاء في حركة (الشباب الألماني الحر)، التي كان يفرضها حزب الوحدة الاشتراكي الحاكم في ألمانيا الشرقية، ومع أنَّ الأمر كان يبدو تطوعيًّا، لكنه في الحقيقة كان مفروضًا على الجميع.

وعندما سقط جدار برلين عام 1989، انضمَّت ميركل إلى حزب (الصحوة الديمقراطية)، حيث أقيمت أول انتخابات بعد سقوط الجدار في ألمانيا الشرقية، وأصبحت أنجيلا ميركل المتحدثة باسم الحكومة الانتقالية، لكن الأمر لم يستمر طويلًا، حيث وُحِدَت ألمانيا وانتهى وجود الحكومة ودُمِج حزب الصحوة الديمقراطية مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ ألمانيا.

كانت الانتخابات الأولى لألمانيا الاتحادية في عام 1990 التي شهدت ترشح أنجيلا ميركل على أحد المقاعد في البوندستاغ، ونجحت في الحصول على ذلك المقعد وأصبحت بعد ذلك عضوًا دائمًا في ست دورات متتالية. فقد عُيِّنت عام 1990 في مجلس الوزراء وأصبحت وزيرة للنساء والشباب.

ثم في عام 1994 وفي عهد المستشار هيلموت كول، اختيرت وزيرة لشؤون البيئة والسلامة النووية، إذ كان مقتنعًا تمامًا بقدراتها وأطلق عليها لقب "الفتاة الصغيرة"، فقد كانت في ذلك الوقت من أصغر الوزراء في الحكومة الألمانية، لكنها كانت تعد بالكثير.

في عام 1998، بدأت مرحلة جديدة من حياة أنجيلا ميركل، فقد غادرت الحكومة الألمانية بعد هزيمة المستشار هيلموت كول، لكنها بدأت في الارتقاء السياسي داخل الحزب الديمقراطي المسيحي، إذ استطاعت تحقيق انتصارات متتالية للحزب في الأعوام التالية.

ثم تطورت الأحداث وتورط بعض من قيادات الحزب في فضيحة خاصة بتمويل نشاط الحزب، وهو ما أطاح بزعيم الحزب نفسه (فولفغانغ شويبله)، وهو ما استغلته أنجيلا ميركل من أجل أن تصعد إلى رئاسة الحزب وتصبح أول امرأة تتولى زعامة حزب ألماني، فقد أطاحت بقائدها السابق لتجلس على كرسي رئاسة الحزب الذي يحمل كثيرًا من الأفكار المحافظة، في حين كانت ميركل ذات اتجاهات بروتستانتية معتدلة، لكن السياسة لا تعرف المبادئ وإنما تحتاج إلى تبديل الأوجه حسب الحاجة والظروف.

أصبحت أنجيلا ميركل زعيمة للحزب الديمقراطي المسيحي، وهو ما جعلها تظهر في استطلاعات الرأي العام في ألمانيا كونها أحد الشخصيات ذات الشعبية الكبيرة، وبذلك بدأت تفكر في المنصب الكبير، وهو منصب المستشار، لكنها لم تستطع المنافسة في انتخابات عام 2002 على الرغم من زيادة شعبيتها وتقدمها في البرلمان، وهو ما كان إعدادًا للمرحلة القادمة، إذ كانت أنجيلا ميركل تدعو إلى عدد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد من أجل الحصول على تأييد أكبر عدد من الناخبين، كما وعدت المجتمع الألماني بتغيير قانون العمل وزيادة عدد ساعات العمل الأسبوعية والتخلص من الطاقة النووية والتقرب أكثر من أمريكا.

اقرأ أيضًا: نساء على العرش.. الملكة فيكتوريا جدة القارة الأوروبية

أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا

في عام 2005 كانت الانتخابات في ألمانيا أشبه بالولادة المتعسرة، فلم يحصل أي حزب من الأحزاب أو التكتلات السياسية في الانتخابات على النسبة التي تسمح له بتشكيل الحكومة. ولذلك، فقد استمر الأمر لأكثر من ثلاثة أسابيع من المفاوضات بين الأطراف حتى وصلوا إلى تسوية تسمح باختيار أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا، في حين يحصل كل حزب على مقاعد معينة في مجلس الوزراء، وهو ما أدى في النهاية إلى أن تصبح أنجيلا ميركل مستشارة لألمانيا كأول امرأة تتولى هذا المنصب، لا سيما أنها قادمة من ألمانيا الشرقية.

استطاعت أنجيلا ميركل أن تبقى في المنصب لأربع دورات متتالية، وهو رقم كبير بالنظر إلى الأحداث السياسية المتتابعة، لكن صاحبة القرار كانت دائمًا على قدر التحديات؛ فقد شغلت منصب مستشارة ألمانيا منذ عام 2005 حتى عام 2021، وكان لها عدد من الإنجازات التي صبت في مصلحة المواطن الألماني وفرضت السياسة الألمانية على المحيط الخارجي سواء في أوروبا أو العالم.

على مستوى السياسة الخارجية، كانت أنجيلا ميركل متحمسة للتعاون الأوروبي واتفاقيات التجارة العالمية، إضافة إلى علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية التي وصلت إلى أن وصفها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنها "أقرب شريك دولي لأميركا".

وفي الناحية الأخرى، كانت تتعامل بحذر شديد مع روسيا وتحذر من الاعتماد على الطاقة الروسية، وكانت تدعم أوكرانيا في مواقفها ضد روسيا، إضافة إلى فهمها وإدراكها الكبير لأهمية الصين بصفتها دولة اقتصادية عملاقة، وبذلك عقدت عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين على مدار 16 عامًا.

أما على مستوى السياسة الداخلية، فقد كانت ميركل تنتهج سياسة معتدلة تقوم على إصلاح منظومة الضرائب وقانون العمل، وإصلاح البنى التحتية، وتعزيز الأمن، كما تعاملت جيدًا مع أزمة المهاجرين الأوروبيين، وكانت دائمًا حاضرة بنسبة كبيرة في استطلاعات الرأي التي تقيس شعبيتها. ومع أنَّ حزبها لم يحصل على الغالبية المطلقة، لكنها كشخصية قيادية كانت إلى حد ما محبوبة في المجتمع الألماني.

الخروج من الحكم

في عام 2018 خسر التحالف الذي يضم الحزب الديمقراطي المسيحي في الانتخابات المحلية في ولايتي هيسين وبافاريا لمصلحة أحزاب (الخضر والبديل من أجل ألمانيا)، وهو ما عدَّه البعض فضيحة كبيرة وخسارة مدوية هي الأولى من نوعها للأحزاب الشعبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، وهو ما دفع أنجيلا ميركل إلى التراجع عن قيادة الحزب.

وفي العام نفسه، قرَّرت أن تكون هذه المدة هي آخر مدة لها في المستشارية، وفعلًا وجهت أنجيلا ميركل خطابًا أخيرًا بصفتها رئيسة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ديسمبر 2018 وتم انتخاب خليفة لها في الحزب، في حين انتهت ولايتهت رسميًّا في المستشارية الألمانية في سبتمبر عام 2021.

وبهذا تنتهي مدة "صاحبة القرار" و"الفتاة الصغيرة" في حكم ألمانيا، إحدى أهم الدول في أوروبا والعالم، بعد 16 عامًا من تولي المستشارية.

وكانت مجلة (فوربس) الاقتصادية الأمريكية قد اختارت أنجيلا ميركل كأقوى امرأة في العالم سنوات عدة، كما مُنِحَت وسام التميز عام 2013 كونها أكثر شخصية تأثيرًا في العالم بواسطة المجلس الدولي لحقوق الإنسان، كما كانت صاحبة أطول مدة لرئيس حكومة في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى زعامتها لمجمع الدول السبع.

جوائز وأوسمة وتكريمات أنجيلا ميركل

وسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية، الصليب الكبير.

جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي من الهند.

ميدالية الرئيس.

وسام استحقاق الجمهورية الإيطالية، الصليب الكبير.

فارس الصليب الأكبر من النرويج.

وسام الشمس من دولة بيرو.

نيشان الأمير هنري من البرتغال.

وسام الفارس الكبير من المملكة العربية السعودية.

وسام الحرية الرئاسية من الولايات المتحدة الأمريكية.

دكتوراه فخرية من جامعة القدس عام 2007.

دكتوراه فخرية من جامعة لايبزيغ الألمانية عام 2008.

الدكتوراه الفخرية من جامعة التكنولوجيا في بولندا عام 2008.

الدكتوراه الفخرية من جامعة رادبود نايميخن عام 2013.

دكتوراه فخرية من جامعة زيجيد عام 2013.

دكتوراه فخرية من جامعة كومينوس في براسلافا عام 2014.

دكتوراه فخرية من جامعة بيرن عام 2015.

دكتوراه فخرية من جامعة خنت وجامعة لوفان الكاثوليكية.

جائزة رؤية من أجل أوروبا عام 2006.

جائزة شارلمان عام 2008.

جائزة بناي بريث عام 2008.

جائزة القيادة العالمية من جامعة جونز هوكينز عام 2010.

ميدالية ليو بيك من مؤسسة ليو بيك البحثية في الولايات المتحدة الأميركية عام 2010.

جائزة إنديرا غاندي للسلام عام 2013.

أقوال واقتباسات أنجيلا ميركل

الحرية لا تعني أن تكون حرًّا من كل شيء، وإنما أن تكون حرًّا في القيام بشيء ما.

عندما تصل الأمور إلى الكرامة الإنسانية لا يمكننا إجراء التسويات.

لا تتعثر بحياة الناس الآخرين أو بأخطائهم.

ربما أنحني، لكنني لا أنكسر أبدًا، لأن ذلك ليس من طبيعتي.

وفي نهاية الحديث عن أنجيلا ميركل، "صاحبة القرار" وحاكمة ألمانيا الاتحادية مدة 16 عامًا التي قورنت كثيرًا برئيسة وزراء إنجلترا السابقة مارغريت تاتشر، إذ كان كلاهما متخصصًا في العلوم وكلاهما أطلق عليه "المرأة الحديدية"، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة