نزوى.. أيقونة عمان وشاهد على تاريخها

كانت تُعدُّ عاصمة لعُمان في عصر الإسلام، فبفضل نشاطها الفكري وتراثها العربي الأصيل، يتذكر المار من أمامها تلك المكانة المتميزة التي احتلتها في مراحل ذهبية لسلطنة عُمان، ولا تزال الأيقونة التي أسهمت بطريقة ما في تعزيز مكانتها الإسلامية الرفيعة، فالحصون والقلاع والمساجد والعمران تزخر بها ولاية نزوى، شاهد حي على القيمة التاريخية والثقافية والسياسية لها.

أصل كلمة نزوى

كلمة نزوى اسم مشتق من الفعل «نزوى»، ذلك أنها تقع على مَفرِقِ طرق بين مدينة مسقط العاصمة وسلسلة جبال الحجر المعروفة والأجزاء الشمالية من سلطنة عمان، حيث تبعد عن العاصمة مسقط ما يقارب 164 كم. وبما حفلت به من نخبة فريدة من العلماء والفقهاء وأصحاب الرأي والمؤرخين والرحالة العُمانيين الأفذاذ الذين أرخوا تاريخ عُمان في مرحلة الحكم الإسلامي التليد، جاءت تسميتها «بيضة الإسلام» نظرًا لأنها أنجبت كوكبة من رجال الدين والعلم والفقه والذين أسهموا في نشر الدعوة إلى الإسلام ورفع شأنه والجهاد في سبيله. وفي السياق نفسه، يُعدُّ صاحب «المصنف» وصاحب كتاب «بيان الشرع» من أشهر الفقهاء المنتمين إلى مدينة نزوى.

لميزاتها المتعددة وتكريمًا لدورها الفكري استحقت نزوى أن تكون «عاصمة الثقافة الإسلامية» 2015

ولميزاتها المتعددة وتكريمًا لدورها الفكري، استحقت أن تكون نزوى «عاصمة الثقافة الإسلامية» في عام 2015 بلا منازع، فلا يغفل أحد أهميتها التراثية والروحية، فارتبط اسمها بمرحلة النهضة الإسلامية في المجالات جميعها. فلا غرو أنها كانت نبراسًا أشعل حماس الرحالة الغربيين والمستشرقين لسبر أغوار تاريخها وتفحص معالمها التاريخية والأثرية، فمثلت علامة فارقة في مضمار جمال وهيبة التراث العربي الإسلامي الذي أذهل الغرب، فبحثوا فيها وأعملوا فيها تفكيرًا واستقصاء، للتعرف على الإرث المجيد لتلك المدينة الخالدة في التاريخ الإسلامي.

نزوى.. شاهد على تاريخ عمان

فتراها تضم معالم بارزة تتحدث عن عبق ماضيها العتيد، فمن الحصون حصن نزوى الذي يسمى أيضًا «الشهباء»، الشاهد الماثل للعيان على تلك الروعة في العمران والبناء البشري الجميل، والدقة المتناهية في التصميم، والإبداع في تنظيم النوافذ والأبواب، لتدلل على شموخ صانعيها، والبساطة في تشكيل أسوارها وأسطحها.

فهي من أقدم القلاع في سلطنة عُمان، أمر ببنائها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي عام 1660 (وهو ذات الإمام الذي كان له الفضل في طرد المستعمر البرتغالي من الأراضي العُمانية)، وقد استغرق بناؤها 12 عامًا. فقد كانت قلعة نزوى أشبه بالقاعدة الدفاعية والعسكرية في عهد حكم اليعاربة، وهي الواجهة الدفاعية الأولى لمدينة نزوى ضد هجمات المستعمر البرتغالي الذي رزح تحت سيطرته أهل عُمان ردحًا من الزمن. وقد كان للإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي الفضل في خلاص العُمانيين من نير الاستعمار البرتغالي، إذ قويت شوكة عُمان، ومهدت لتصبح جزءًا مهمًّا من الحضارة الإنسانية والفكرية والعلمية.

كما يستطيع الزائر لقلعة نزوى أن يرى ما يشبه المتحف الطبيعي داخلها، فيسلب لُبَّه تلك التوليفة الأنيقة من الغرف والمخازن والمطابخ والقاعات، التي يُعرض بها الثياب والأواني الفضية والعديد من الأسلحة التي كانت تُستخدم وقتذاك. وأيضًا، يوجد حصن آخر، وهو «بيت الرديدة»، وقد بُني في القرن التاسع عشر الميلادي. يشاهد الرائي فيه ذلك الفن المعماري العُماني التقليدي المهيمن على الحصن الذي يمتاز به معظم العمران في عُمان، وبنزوى بصورة خاصة.

حصن نزوى.. من أقدم القلاع  في سلطنة عُمان بناها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي عام 1660

وما يعظم من رمزية ولاية نزوى الفكرية، هو ذاك الشعور الذي يسري في وجدان زائريها بعبق الحضارة الإسلامية وآثارها، ومن تلك الآثار «فلج دارس»، ويُعدُّ من أكبر الأفلاج في ولاية نزوى. والفلج هو قناة مائية تشرف على إرواء الأراضي الزراعية، وحديقة تحتضن الفلج التي تزهو بها نزوى، وتضيف ألقًا وروعة طبيعية إليها. وإلى جانب «فلج دارس» يظهر للمتأمل «فلج خطمين» الذي يتفرع إلى ثلاث مشارب، كل واحد منها يروي أراضي زراعية مختلفة، ولتميزه أُدرج ضمن قائمة التراث العالمي.

وتحوي ولاية نزوى عددًا من البيوت والحارات والأزقة القديمة، التي تميز أماكن سكنى العُمانيين في تلك المدة الزمنية، كما في «حارة العقر» القديمة، حيث تمتاز بيوتها بالبساطة في زخرفها الموجود على نوافذها وأبوابها ومشربياتها.

أضف إلى ذلك الأسواق التي تعمر بها نزوى، ومن أهم تلك الأسواق «السوق المركزي» و«سوق نزوى للحرف اليدوية القديمة»، بما يضم من صناعات ومشغولات يدوية غاية في الإبداع والإتقان، كأواني الفخار التي برع فيها الحرفيون والصناع في ذلك الزمن، إلى جانب الجوامع والمساجد، كـ«جامع القلعة» الذي يحاكي في نقوشه الإسلامية العمران العُماني في باقي ولايات السلطنة.

وإذا أردنا أن نلقي نظرة على التضاريس الطبيعية التي تتمتع بها نزوى، فإنها تبعد عن سلسلة الجبل الأخضر مسافة 94.2 كم، ويشتهر هذا الجبل بمناخ معتدل في فصل الصيف، وشديد البرودة في فصل الشتاء.

أما مدينة نزوى فيمتاز مناخها بأنه حار في فصل الصيف وبارد في فصل الشتاء، وتُعدُّ وجهة سياحية فريدة لمحبي الاستكشاف والمغامرة، بما يضمه الجبل الأخضر الذي تطل عليه من كهوف ومغارات قديمة. فضلًا على السكينة التي يشعر بها الزائر أو السائح لتلك المدينة، ما يثير في نفسه الشغف والحماس للتعرف على تفاصيل تاريخها التراثي والفكري والديني والسياسي العريق.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة