اضطرت الظروف والأوضاع المعيشية الصعبة في عالمنا العربي، كثيرًا من الآباء لتغييب دورهم في تربية الأبناء، بحثًا عن لقمة العيش وتوفير حياة كريمة لأبنائهم.
فئة أخرى اختارت طواعية التخلي عن هذا الدور تاركين المسؤولية للأم في تربية أبنائه، في حين يقضي هو وقته على الكافيهات مع الأصدقاء.
في هذه المقالة نناقش النتائج المترتبة على غياب دور الأب تربويًّا، ومخاطر ذلك على الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة التي تتكون فيها شخصية الطفل وبنائه النفسي.
اقرأ أيضًا هكذا يؤثر تشتت الانتباه على تركيز طفلك وتحصيله الدراسي
هل دور الأب جمع المال فقط؟
غير أنه يتوجب في البداية الإشارة إلى أن هذه المقالة ليست من باب التوبيخ أو اللوم أو العتاب وإشعار الآباء بالذنب تجاه الأسرة والأولاد، لكنها لفتة للآباء الذين أخذتهم الحياة بمشاغلها حول مخاطر التخلي عن دورهم التربوي تجاه أبنائهم مهما كانت مشاغلهم.
يتحجج بعض الآباء مبررًا تقصيره في تربية الأبناء والجلوس معهم ومساعدتهم في حل مشكلاتهم والتقرب منهم ومشاركتهم ألعابهم وهواياتهم المفضلة، بالانشغال في العمل سعيًا لتوفير لقمة العيش وسبل الحياة الكريمة لأبنائه، لاسيما في ظل الظروف والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس في منطقتنا العربية.
في البداية أعان الله كل رب أسرة في هذا الزمان، فهو في جهاد حقيقي يومي بحثًا عن لقمة عيش حلال يوفرها لأبنائه يغنيهم بها عن السؤال.
وهذا مطلب أساسي لا غنى عنه للأبناء، من توفير لاحتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس وغيرها من أساسيات الحياة التي لا تستقيم الحياة دونها.
غير أنه على هذه الفئة من الآباء أن يضعوا في حسبانهم أن كل هذه الأمور من الرعاية وليس التربية، وإذا كانت أمور الرعاية لا غنى عنها للأبناء، فالتربية كذلك، وإلا فلمَ الإنجاب والذرية؟
أنت بصفتك أبًا سوف تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وتُحاسب على تربيتك لهؤلاء الأبناء وزوجتك، هل أدَّيت واجبك نحوهم، أم قصرت وضيعت!
المبررات الواهية التي تخدعنا جميعًا ونصدقها بأننا مشغولون بتوفير لقمة العيش للزوجة والأبناء لا تنطلي في هذا الموقف، فالتربية ليست بطول الوقت الذي تقضيه مع زوجتك وأولادك، فرُب أب حاضر طول اليوم مع أهله وأولاده، ولكنه حضور كعدمه، يحضر جسده فقط، أما وجوده الحقيقي فغير محسوس أو ملموس للزوجة والأبناء.
إن التربية لا غنى عنها، وهي مطلب رئيس ودور منوط بالآباء القيام به على أكمل وجه، سواء كان الزوج مقيمًا أو مسافرًا.
فالتربية تعني الحضور الدائم في كل مناسبة وموقف يستدعي وجودك فيه بالقرب من أبنائك عندما يحتاجون إليك حتى دون أن يتكلموا أو يطلبوا ذلك.
التربية تعني إحساس الأبناء بوجودك معهم، في كل صغيرة وكبيرة، يستشيرونك، يجدونك وقتما يحتاجونك، أب وصديق لهم، تشاركهم آمالهم وآلامهم، تكون لهم صدرًا حنونًا.
حتى وأنت في العمل، يكفي أن ترفع سماعة الهاتف وتتصل بهم تطمئن على أحوالهم، وتعرف منهم تفاصيل يومهم، ماذا أحزنهم، وماذا أسعدهم، كيف كان اليوم الدراسي، وما الواجبات التي تم تكليفهم بها، وغيرها من الأمور التي لا يجوز للآباء بأي حال من الأحوال التخلي عنها.
حتى في الوقت القصير الذي يقضيه في البيت معهم، عليه أن يُشعرهم بوجوده، واهتمامه بهم، وسؤاله عنهم، وقربه منهم، ووقوفه على مشكلاتهم، وعمله على حلها، وتذليل كل الصعاب أمامهم.
اقرأ أيضًا لماذا يقبل الأبناء نصائح الأصدقاء ويرفضون نصائح الآباء؟
تأثير غياب الأب على الأبناء
لكن ماذا لو غاب هذا الدور؟ العواقب وخيمة على الأبناء، ضحية التقصير دومًا من جانب الأبوين، سواء بالخلافات والمشاجرات، أو بالانفصال والطلاق، أو كالحالة التي نحن بصددها، غياب الأب حتى وإن كان حاضرًا بجسده.
عدم اتزان شخصية الأبناء
في بناء الشخصية الإنسانية وتحقيق الاتزان النفسي لذلك الكائن الصغير الضعيف -الطفل- لا بد من وجود الأب والأم معًا؛ لتحقيق السواء النفسي للابن الذي يحتاج إليه خلال سنوات عمره الأولى.
ولذلك عندما يقع الطلاق بين الزوجين في هذه المرحلة، تتأثر شخصية الطفل والأبناء عمومًا على نحو سلبي بالغ.
اقرأ أيضًا لماذا يفشل الأب المتعلم وينجح غير المتعلم في تربية الأبناء؟
افتقاد الأمن والأمان
لا يختلف اثنان على أن وجود الأب في حد ذاته يمثل مصدرًا للأمن والأمان للأبناء، فهو بمنزلة حائط الصد أمام الأخطار التي يواجهها الأبناء، يتلقى عنهم الضربات، لذلك بغياب الأب، يشعر الأبناء وكأن صدورهم مفتوحة أمام هذه الضربات دون حائط يحميهم.
ينتاب الأبناء الخوف من كل شيء وفي أي مكان، في البيت، المدرسة، النادي، الشارع؛ لأن الأب لهم رمز للحماية من كل هذه التهديدات التي يواجهونها.
شعور الأبناء باليتم
للأسف كثير من الآباء يتخلى عن مسؤولياته طواعية، تجده يقضي أغلب الوقت خارج البيت، يعود من عمله، يتناول غداءه، ثم يغير ملابسه ويجلس مع الأصدقاء ولا يعود إلا على موعد النوم، حينها يكون الأبناء قد ناموا، فلا هم رأوه، ولا هو جالسهم واطمأن على أحوالهم.
يقول د. محمد المهدي -خبير تربوي- "الأب المشفر" نوع جديد من الآباء يقضي معظم أوقاته وهو يستخدم التليفون، ويؤثر ذلك في أسرته؛ ما يتسبب في وجود أرامل وأيتام السوشيال ميديا.
وتوجد نوعية أخرى من الآباء أدت الخلافات المتكررة مع الزوجة إلى ترك البيت والأبناء لسنوات دون سؤال، حتى إن الطفل الصغير كبر، وهو يظن أن والده قد تُوفي، وفي الحقيقة هو حي يُرزق لكن دون حضور فعلي في حياة أبنائه.
اقرأ أيضًا متى تنتهي صراعات الآباء مع الأبناء؟
معاناة الأمهات
غياب دور الأب يلقي بظلاله على الأم التي تزداد معاناتها خاصة إذا كان الأبناء ذكورًا، ومهما يكن فوجود الأب يسهل دور الأم في التربية، ويجعلها موضع احترام وتقدير من الأبناء، أما في غياب الأب، فإن الأبناء قد يتطاولون على أمهم.
في وجود الأب يستحيل أن يفكر الأبناء حتى في مجرد الرد على الأم، خشية تعرضهم للعقاب من الأب، خاصة الذكور، وتحديدًا في مرحلة المراهقة التي تشهد مشادات وخلافات كبيرة بين الأبوين والأبناء.
فضلًا على المعاناة التي تجدها الأم في تربية الأبناء تحديدًا في هذه المرحلة -المراهقة- التي يكونون بأمس الحاجة لوجود الأب، من جنسهم، يشعر بهم، يتحدث إليهم، يطمئنهم بشأن التغيرات التي تطرأ عليهم، جسميًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وعقليًّا.
غياب الأب يلقي بظلاله كذلك على صحة الأم النفسية التي تقوم بدور الأب والأم معًا، فتجدها طوال الوقت عصبية متوترة، وينتقل هذا إلى الأبناء، فتجدهم عصبيين يغضبون لأتفه الأسباب، وذلك بسبب الضغوط الكبيرة الملقاة على عاتقها.
اقرأ أيضًا 4 نصائح عملية للأمهات للتخلص من العصبية في أثناء المذاكرة مع أطفالهن
مشكلات سلوكية
غياب الأب قد يدفع الأبناء إلى انحرافات سلوكية وأخلاقية، فيتجه الابن نحو التدخين وربما الإدمان؛ اعتقادًا منه أن الرجولة تقتضي ذلك، فلا يجد من يقوِّمه، وقد تنتهي به نهاية مأساوية كتلك التي نسمع عنها في الصحف أو نشاهدها في وسائل الإعلام.
مشكلات عاطفية
الأب ليس فقط مصدر الأمن والأمان للأسرة والأبناء، ولكنه أيضًا نبع الحنان والقلب الكبير الذي يحتوي الجميع.
كثيرًا ما نلاحظ تعلق الفتيات بآبائهن، ونجد الآباء يعاملون الفتيات معاملة خاصة، ويخافون على مشاعرهن؛ لذلك فغياب الأب للفتيات مشكلة كبيرة، قد تؤدي بهن إلى البحث عن تعويض ذلك بالعلاقات بالشباب لا سيما في مرحلة المراهقة.
وأنتم أعزائي القراء -وتحديدًا الأمهات- شاركونا آراءكم من واقع تجربتكم، حول أهمية دور الأب في حياة الأبناء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.