القراءة في الموضوعات الفلسفية قد تكون مملةً، وهذا ما تظنهُ بدايةً، قد يكون سبب اعتقادك هذا مستندًا إلى وجهة نظر الأكثرية، لكنَّ الفلسفة ما إلا نظرةٌ مُتأملةٌ نحو كل شيء: الحياة، الروح، الموت، الحب، الصداقة، الشغف... وربما ما أبعد من ذلك بكثير.
لا نستطيع تجاهل الضجيج المحيط بنا، في حين نستمر بدورنا سائرين مع الجموع دون أن ننظر من حولنا، دون أن نستطيع التوقف بغية التقاط أنفاسنا بهدوء والإنصات إلى دقات قلوبنا.
أنا أكتب هذا المقال لأقول لكَ: توقف الآن، لا عليك.
كتاب منهج أرسطو
منذُ سنةٍ تقريبًا نصحني أحد الأصدقاء بقراءة كتاب منهج أرسطو للكاتبة إديث هول، والحقيقة أنني لستُ مختلفةً عنكَ، عزيزي القارئ، فقد شعرت بالملل لمجرد نطق اسم الكتاب، لكنني أتوقف وأعطي الأشياء فرصة، أليس هذا ما علينا فعلهُ؟!
لذلك عزمت على قراءتهِ، وقد أبهرني أسلوب الكاتبة Edith Hall ومدى تفهمها لكلمات وأفكار المنهج الأرسطي، وقد عملت على صياغتها بطريقة مبسطة، إضافة إلى توضيحها بربطها بمواقف من حياتها الشخصية، إضافة إلى ذكر عدد من الأمثلة حول وقائع الماضي، الحاضر، وتغير أنماط الحياة، وتطور المجتمعات.
ما الذي سعى إليه أرسطو؟
هو السعي نحو مفهوم في غاية البساطة، ألا وهو تحقيق السعادة الذاتية.
وحينئذ لا ريب أنك ستطرح على نفسك مجموعةً من الأسئلة:
كيف أحقق سعادتي الذاتية؟!
هل أجني المزيد من المال؟!
هل أحاول الوصول إلى المزيد من الثناء والترقية في مجال عملي؟!
هل أسافر؟!
هل أعمد إلى العزلة أم أختلط بمزيد من الناس؟!
بدايةً، الفكرة الأساسية التي أشار لها المنهج الأرسطي هي الاعتدال، ولنلخِّص أيضًا معنى أو كيفية الوصول إلى السعادة الذاتية أو ما يسمى أيضًا السعادة الأرسطية، وفقًا لما ورد في الكتاب:
"السعادة الذاتية تكمن في تحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات الكامنة لدى الفرد لتحقيق أهدافه، وذلك في ظل حياة توفر لهُ الفرصة والحرية".
كيف تصل للسعادة الذاتية حسب منهج أرسطو؟
هنا نلاحظ أمرين في غاية الأهمية، سأعمد إلى ذكرهما على التوالي:
أولًا: تكمن السعادة في بذل الجهد وتقدير إمكانياتنا وقدراتنا الداخلية، وحينئذ لا يرتبط الأمر بفكرة هل ننجح أم سيواجهنا الفشل لبلوغ أهدافنا، فالسعادة الأرسطية تتجلى ببذل كلّ ما لدينا من طاقة، ومواهب، والتحلّي بالصّبر والإصرار خلال ما نعمل على تحقيقه.
ثانيًا: لا يلغي أرسطو الاعتراف بدور ما أسماه الحظ في مسار الحياة، فالحياة قد لا تكون عادلة مع البعض، وهذا ما أُشير إليه بوضوح في العبارة السابقة عن وجوب توافر شرطين، ألا وهما الفرصة والحرية.
وهذا ما أعجبني في الاطلاع على المنهج الأرسطي، فهو منهج مرن وقابل للتطبيق في كل زمن، وهذا ما أكدت عليه الكاتبة أيضًا، إذ إنَّ تعمقها في دراسة هذا المنهج والفلسفة القديمة ساعدها في حياتها اليومية.
هو كتابٌ استمتعت بقراءتهِ حقًا، فقد صدمني ومكنني من تحطيم حاجزٍ آخر في طريق المعرفة الطويل.
👍👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.