هل تمتلك الشجاعة للنظر نحو الداخل؟! نحو أعماقك؟! هذا ما تصرخ به الكلمات في رواية "الكتاب الأبيض" للكاتبة هانغ كانغ الحاصلة على نوبل للآداب عام 2025. منذُ أعوام عدة قرأتُ رواية "النباتية"، وسأحاول يومًا ما تخصيص مقالة عنها، فقد أثارت هذه القراءة غضبًا من نوع غريب في داخلي.
نبذة عن الرواية
هذا العام، عندما حصدت هانغ كانغ نوبل للآداب، غمرتني غبطةٌ ودمعت عيناي، بطريقة ما شعرتُ بالانتصار. كيف يمكن أن يكون لذلك معنى؟! عندها قررتُ قراءة "الكتاب الأبيض"، حيثُ تحاصرك هانغ كانغ بسلاسل من التساؤلات، لتجبرك على حبس أنفاسك، لتلاحظ ذلك الشعور في داخلك، وتعبر كلماتها من خلالك، كلماتٌ ترتجفُ كصرخةٍ حزينة، تجعلك تدرك حاجتك للاختباء بين هذه العبارات بدورك، لتبتعد عن الأنظار في حين يخفيك شاشٌ أبيض.
من المدهش كيف استطاعت الكاتبة وصف تلك التفاصيل الروتينية في حياتنا بطريقة شديدة الشاعرية، شديدة الحساسية. وأنتَ، عزيزي القارئ، ستحتاج إلى استجماع شجاعتك لتقرأ!
طريقةُ الانتقال بين ضمير المتكلم وضمير الغائب تحمل متعةً وحيوية مباغتة للقارئ، في حين تتأرجحُ الجمل بين القصر والطول، لتبدو مترددةً حينًا، وشجاعةً حينًا آخر.
هانغ كانغ لا تكذب، هذا ما لاحظتهُ وأثار إعجابي، وصفُ الشعور كان صادقًا لدرجةٍ يصعب معها ألا تدركهُ، كما لو أنك تسير على حافة الجرف، يطوّقك الضباب الأبيض، ولا تترك لك الرواية خيارًا سوى التقدم، بخطى قصيرة، مترددة، متباطئة، متسارعة، لكن ثابتة.
اقتباسات من الرواية
سأذكر بعض الاقتباسات المميزة:
- "ليس لديّ عزيزٌ، لا المكان الذي أعيش فيه، ولا الباب الذي أعبره كل يوم، ولا حتى حياتي اللعينة! هكذا تحدثت الأرقام من بين أسنانها المطبقة بإحكام وهي تحدّق بي."
- "في كلّ مرة، كان يختار القرار الأصعب، القرار الذي قد يجبن الكثيرون عن اتخاذه. في زمن ساد فيه الفساد والمحسوبية، كان وحده يرفض الرشاوى، ولهذا صار إنسانًا منبوذًا، تعرّض لاعتداءات جسدية. في النهاية، نصبوا له فخًا ووقع فيه، على أثره، طُرد من العمل فعاد إلى بيته وحيدًا. هناكَ، ترك نفسه يضيع في بحر أفكاره، ملأت قمم ووديان تلك الجبال البعيدة مجال رؤيته، المكان الوحيد الذي لا يمكنه الذهاب إليه. أرض الجليد، حيث تقبع جثة والده المتجمدة، مختفيةً، منسية، وحيث لا يداس على البشر."
- "كانت تجلس أمام المكتب، مثل شخصٍ لم يعرف المعاناة أبدًا، ليس كشخص كان يبكي منذ لحظات، أو على وشك أن يفعل. كانت تبدو مثل شخصٍ لم ينكسر أبدًا. كما لو أنه لم يأتِ وقتٌ أبدًا، كانت فيه الراحة تكمن فقط في استحالة استمرار أي شيءٍ إلى الأبد."
- وبينما تغمرُ وجهك ضحكةٌ بيضاء، ستبقى يا صديقي مُحتفظًا بذكرى هذه القراءة اللطيفة، غير المجهدة، إنَّما المؤثرة والحقيقية إلى أبعد الحدود.
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.