ميكانيكا الكم بداية من إسحاق نيوتن حتى أينشتاين

تعد النقطة المحورية التي بنيت علها النظرية الكمية هي محاولة معرفة طبيعة الضوء إن كان موجة أو جسيم.

توماس يونغ وتجربة الشقين 

ثم في نحو سنة 1800م كان القول وبالإثبات إن الضوء موجة حيث قام توماس يونغ بتجربة الشقين، إذ إنه وضع مصدرًا للضوء يقابل مباشرة شاشة، ووضع بين مصدر الضوء والشاشة لوحة بها شقين إذ إن الضوء يسقط على اللوح، ويعبر من طريق الشقين، ومن ثم يسقط على الشاشة.

فيونغ قال إنه من المنطقي أنه لو كان الضوء موجات فإنه بعد اجتيازه اللوح ذا الشقين سيحدث تداخل بين الموجات، ومن ثم سيظهر على الشاشة نمط التداخل، وهو خطوط من الضوء بجانب بعضها البعض، ولو كان الضوء جسيمات لظهر على الشاشة خطان من الضوء.

فلما أجرى التجربة كانت النتيجة ظهور نمط التداخل، وهذه إن دل على شيء فلا يدل إلا على أن الضوء موجات، وبعد عقود قام ماكسويل بوضع معادلاته الشهيرة التي قال فيها إن الضوء موجات كهرومغناطيسية، وأصبحت نظرية الموجات هي السائدة ومن ثم بداية ميكانيكا الكم، التي تمكنت من تفسير عدة أشياء منها طبيعة الضوء، فيشار إلى أن بداياتها كانت مع تفسير إشعاع الجسم الأسود.

ستجد أيضًا على منصة جوك تخصص علم القانون.. فروعه ووظائفه

رايلي جينز والفيزياء الكلاسيكية

في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، وفي بحث لماكس بلانك، الذي فسر فيه إشعاع الجسم الأسود، فقد أجرى تغييرات على تفسير رايلي جينز، الذي فسر الظاهرة من منظور الفيزياء الكلاسيكية، إذ إن الجسم الأسود هو كل جسم يمتص كل الإشعاع الساقط عليه، ويشع إشعاعًا حراريًا (ذاتيًا).

أي إن الإشعاع الصادر منه نحن متيقِّنون أنه خارج منه، وليس العكس، وهذا الإشعاع يسمى بالـ (black body  radiation)، وهذا ما سنقوم بدراسته، والجسم الأسود هو جسم تخيلي بقصد تسهيل الدراسة، وينص تفسير رايلي جينز على أنه لو سخنت جسم عند درجة حرارة معينة، فمن المفروض أن يشع إشعاعًا متنوعًا، لكن (infrared) تكون قليلة، وأشعة الـ (microwaves) تكون أقل.

والـ (visible) أكثر منهم، وفوق البنفسجية وأشعة إكس والغاما تكون كبيرة جدًّا؛ أي إن الإشعاع يزداد مع زيادة التردد، وكان هذا التفسير مبنيًا على أن الإشعاع هو أمواج كهرومغناطيسية، وأنه ينتقل متواصلًا، ولكن تجريبيًا لاحظنا أنه عند تسخين جسم عند 5000 كلفن يصدر إشعاعًا مطابقًا تمامًا لتفسير رايلي جينز.

ويختلف معه فقط عند الأشعة ذات الترددات العالية، فقد لاحظ أن هذه الأشعة قليلة، وهذا ما يخالف تمامًا تفسير رايلي جينز، وحل بلانك هذه المشكلة، التي سميت بالكارثة فوق البنفسجية عن طريق مراجعة تفسير رايلي جينز، فقد وجد أن الخطأ في تفسير طبيعة الضوء والإشعاع نفسها لأنه ليس موجة كهرومغناطيسية تنتقل متواصلة من المصدر، بل هو أمواج كهرومغناطيسية تنتقل متقطعة على هيئة قطع من الطاقة؛ أي موجات ولكن متقطعة، كل موجة لها بداية ونهاية، وتسمى فوتون، وقال إن طاقة الفوتونات تتناسب طردًا مع التردد؛ أي كلما زاد التردد زادت الطاقة، وأنه يوجد ثابت بينهما (h)، وسماه ثابت بلانك، ووضع المعادلة hf = E.

وعن طريق هذه المعادلة تمكن من تفسير إشعاع الجسم الأسود، ووضع منحنى بلانك، وأوجد حلًا للكارثة فوق البنفسجية، وهو تفسير يوافق النتائج التجريبية، وبعدها وفي بداية القرن الـ20 وباستخدام أينشتاين لفرضية بلانك حول طبيعة الضوء تمكن من تفسير التأثير الكهروضوئي. وهو ظاهرة تفسيرها أنه أينما تكون عندنا إلكترونات ناتجة عن فوتونات عندما يسقط الضوء على صفيحة معدنية ويكون الضوء بأطوال موجية معينة؛ سوف تتحرر إلكترونات من الصفيحة؛ أي سينتج تيار كهربائي.

ستجد أيضًا على منصة جوك الميتافيرس... عولمة تكنولوجية والثورة المعلوماتية الجديدة

متى تقوم الإلكترونات بتصرف الجسيمات؟

وقد حاولت الفيزياء الكلاسيكية أن تعطي تفسيرات لهذه الظاهرة بناءً على نظرية الموجة، التي بنيت عبر سنوات إلى أن نتائج التفسير لم تتطابق مع النتائج التجريبية على عكس تفسير أينشتاين المعتمد على بلانك.

بعدها بسنوات قام العلماء بإعادة تجربة توماس يونغ، ولكن هذه المرة باستخدام إلكترونات بدلًا من الضوء، والمعروف وقتها أن الإلكترونات هي جسيمات، فكنتيجة للتجربة فبالتأكيد سيتشكل خطان من الإلكترونات، إلا أنه عند إجراء التجربة وبعد ضرب عدد معتبر من الإلكترونات في الشاشة ظهر نمط التداخل.

أي إن الإلكترون الذي نعرف أنه جسيم تصرف كموجة بدلًا من جسيم، حتى مع القيام ببعث إلكترون بعد إلكترون، فالعلماء أرادو أن يعرفوا من أي شق يعبر كل إلكترون منطلقًا، فوضعوا جهازًا كاشفًا، وبعد إنهاء التجربة كانت النتيجة تشكل خطين من الإلكترونات؛ أي عند وضع الجهاز الكاشف بمعنى رصد الإلكترونات تصرفت كجسيم.

وعند عدم وضع الجهاز أي عدم مراقبة الإلكترونات تصرف كموجة، وفي تفسير لتجربة الشقين الذي ينص على أنه لا يمكن وصف الشيء الذي يتحرك كجسيم مادي، يمكن فقط الحديث عن الاحتمالات؛ أي احتمالات أين قد يكون الإلكترون، وهذه موجة الصدفة للإلكترون بطريقة ما تنتقل من كلا الشقين محدثة نمط التداخل مثل الموجة.

وعند الوصول إلى الشاشة عندها فقط تختفي كل الاحتمالات، ويظهر الإلكترون على الشاشة، فيقول نيلز بور: إنه لا يمكن أبدًا معرفة أين يكون الإلكترون حتى نقيسه، فهو موجود في جميع الحالات؛ أي في حالة التراكب، فعملية القياس تؤثر في السلوك الكمي وتؤدي إلى انهيار الدالة الموجية، وهذا هو تفسير كوبنهاغن.

ستجد أيضًا على منصة جوك تدوين الملاحظات.. طريقك للنجاح

تفسير أينشتاين لميكانيكا الكم

وفي مبدأ آخر من ميكانيكا الكم يقول هايزنبرغ إنه من غير الممكن أن نحدد لكل شيء كوانتي موقعه وسرعته في نفس الوقت، فكلما أردنا حساب الموقع زاد الارتياب في حساب السرعة، وهذا هو مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ، ولتوضيح مدى لا منطقية الـ (superposition) اقترح شرودنغر الذي لم يتفق مع بور تجربة ذهنية تنص على ما يأتي:

لو وضعنا قطة داخل علبة ومعها كتلة مشعة وقارورة غاز سام معلق فيها مطرقة، وعند صدور الإشعاع ستنكسر القارورة ويخرج السم فهناك احتمال 50 بالمئة أن يصدر الإشعاع وخروج الغاز وموت القطة، و50 بالمئة ألا يصدر الإشعاع، فحسب بور قبل فتح العلبة تكون القطة في حالة التراكب فهي حية وميتة في الوقت نفسه.

وقد كان أينشتاين الرافض لهذه التفسيرات قد قال إنه وجد ثغرة في جزئية من ميكانيكا الكم، وهي التشابك الكمي، وتعني عندما يكون جسيمان مثل زوجين من الفوتونات أو زوجين من الإلكترونات ويصبحان متشابكين فيما بينهما، فسوف يبقيان متصلين حتى لو تم فصلهما بمسافة كبيرة.

 فلو تم رصد الزوج الأول من الإلكترونات فالزوج الثاني في نفس اللحظة سيعرف أن الإلكترون الأول تم رصده وسيتصرف بناءً عليه، حتى لو كان الجسيمان بعيدين عن بعضهما البعض بمسافة بعيدة جدًا، فأينشتاين قال: مهما كانت وسيلة التواصل بينهما فهي أكبر من سرعة الضوء، وهذا مستحيل.

لهذا اقترح فرضية حول التشابك وهي أن الإلكترونات تتصرف تبعًا لأصلها، وليس لها علاقة بالزوج الآخر من الإلكترونات، واقترح لذلك تجربة القفازين الشهيرة.

ستجد أيضًا على منصة جوك العلم والمعرفة وكيف تستفيد منهما في الحياة

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 10, 2023, 9:50 ص - امين يونس عوكل
ديسمبر 5, 2023, 3:03 م - زقاي نورالدين
نوفمبر 22, 2023, 3:44 م - محمد ايمن عجوة
نوفمبر 18, 2023, 10:27 ص - محمد ايمن عجوة
نوفمبر 11, 2023, 7:23 ص - جوَّك علوم
أكتوبر 18, 2023, 12:51 م - جهاد عبدالرقيب علي
أكتوبر 17, 2023, 5:11 م - دكار مجدولين
أكتوبر 9, 2023, 8:04 ص - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 8, 2023, 5:18 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
سبتمبر 24, 2023, 11:00 ص - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
سبتمبر 18, 2023, 4:16 م - عمرو سيف
أغسطس 27, 2023, 5:47 م - دينا محمود احمد الحامد
أغسطس 22, 2023, 3:10 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 19, 2023, 5:02 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 19, 2023, 12:09 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 17, 2023, 7:47 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 15, 2023, 8:09 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 15, 2023, 3:09 م - محمد أمين العجيلي
أغسطس 12, 2023, 6:55 م - رضوان عبدالله سعد الصغير
أغسطس 10, 2023, 8:40 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 9, 2023, 7:52 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 6, 2023, 12:13 م - رغد الامير حسن
أغسطس 1, 2023, 4:10 م - زينب جمال محمد
يوليو 30, 2023, 7:00 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 27, 2023, 1:57 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
يوليو 25, 2023, 4:46 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 25, 2023, 7:58 ص - زينب جمال محمد
يوليو 24, 2023, 4:53 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 24, 2023, 12:34 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 24, 2023, 10:51 ص - محمد أمين العجيلي
يوليو 23, 2023, 6:51 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 23, 2023, 3:35 م - اسامه غندور جريس منصور
يوليو 19, 2023, 3:13 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
يوليو 16, 2023, 4:23 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
يوليو 15, 2023, 1:00 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
يوليو 11, 2023, 8:32 م - عبدالحليم عبدالرحمن
يوليو 8, 2023, 12:51 م - محمد أمين العجيلي
يوليو 7, 2023, 1:50 م - عبدالحليم عبدالرحمن
يونيو 21, 2023, 6:36 م - محمد أمين العجيلي
يونيو 21, 2023, 12:25 م - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 21, 2023, 11:12 ص - اسامه غندور جريس منصور
يونيو 19, 2023, 7:48 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
يونيو 14, 2023, 8:48 ص - عدنان بهجت جليل
مايو 24, 2023, 2:10 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
مايو 14, 2023, 12:37 م - حنان الزهراني
مايو 11, 2023, 10:27 ص - سعيد إبراهيم محمد
نبذة عن الكاتب