خرجت من البيت إلى الشارع دون انتظار، مسرعةً، والشمس الذهبية انعكست بنورها تنتشر في السماء، صباحًا لا يماثله إلا جمال الطبيعة الصامتة، لتتأمل وتشعر بكل الحيوية لشراء الفطور.
ماذا لو أردتِ أن يكون فطور اليوم طبقًا من (المسقعة)؟ أجل، فهي وجبتي المفضلة دائمًا. مررتُ بالشوارع، فإذا بي أسمع أصواتًا هاتفه وترجيًا يأتي من محل صغير ومزدحم:
- "أين المسقعة؟! ويا تُرى، هل انتهيتِ من إعدادها سيدتي أم لا؟! لماذا لم تصنعيها حتى الآن؟!"
أدركتُ حينها أنني سأتناول وجبتي المفضلة من هذا المكان الذي لا يشبه من الداخل المطاعم المعروفة، ليس له لافتة تدل على اسمه، بل إنه يمثل العشوائية الفجة التي تجعلك تنسى همومك؛ لأنك ببساطة تُجبر على نسيان ما تفكر فيه، وتبدأ في البحث عن مكان للوقوف في أي زاوية.
وإليك وصف الحدث:
المكان مؤثث بقطعة رخام كبيرة تحمل صواني معدنية ضخمة، تحتوي على مختلف الأصناف التي تجعلك تشتهي النظر إليها، ولا تجيد الاختيار، نظرًا لطغيان معدتك على تفكيرك في آنٍ واحد، وإشارة ضعيفة من المخ تجعلك تنتظر لحظة، وتتردد لحظة أخرى، لتقرر ماذا ستختار لتبقى معدتك صامدةً طوال اليوم، لا سيما إذا كنت ذاهبًا لعملٍ شاق.
ويقف البعض خلف زجاجٍ مُنظف بعناية، ينادون على سيدتي، التي تعمل في صمت وسرعة لتحضير السلطات الخضراء، وتوجد قطعة خشب موضوعة على كل صينية، ولا أعرف سبب ذلك حتى الآن! كما يوجد وعاء ماء تتعثر به كلما تحركت؛ نظرًا لضيق المكان، إلى جانب مطحنة كبيرة.
فسيدتي تتميز بإعداد صنفين فقط من الطعام: أولهما المسقعة بالخضرة والفلفل الرومي، وهي لذيذة حقًّا. وثانيهما الطعمية الخضراء بالسمسم.
أما عن المسقعة، فقد أردتُ إخبارك أنها تضع قطع الباذنجان التي لا تُرى بالعين المجردة، ولكنني رأيتها، لأني أعشق المسقعة.
قررتُ أن أدخل المحل ووقفتُ أراقب ما يدور بداخله، فإذا بطفل صغير تناديه بـ"كوتي"، وتطلب منه أن يُسرع في تقطيع الخضروات، وهي تُعدُّ مسقعتها التي ينتظرها الجميع. وبعد دقائق من الصمت، تنهيه بكلمتها الشهيرة:
- "المسقعة جاهزة على التقليب!"
ويبدأ الزبائن في الصياح والتوسلات مجددًا:
- "يا سيدتي، لقد انتظرتُ كثيرًا، وأنتِ لم تجيبيني!"
فترد عليه بثقة:
- "لماذا أنت غير صبور؟!"
أما زبائن سيدتي، فهم عالم آخر، البعض يتأمل حياته في أثناء الانتظار، والآخر يتأمل سيدتي وهي تطهو، فالكل ينتظر هناك بكامل إرادته، لك أن تنتظر أو تذهب، فهي تترك لك القرار، ولك أن تتخيل مدى المعاناة التي يتحملها زبائنها من أجل انتظار الطعمية أو المسقعة المملوءة بالفلفل الحار، التي تسبح في زيتٍ غزير، ثم بعد ذلك يأتي الندم الشديد الذي ينتاب المرء بعد تناولها.
في جميع الأحوال، القرار لك: إما أن تنتظر حتى الثمالة، وإما أن تذهب وتحتفظ بما تبقى من صحتك الغالية، وعلى الرغم من وقوفي صامتةً مدة طويلة، انتبهت لي قائلة:
- "ماذا تريدين يا بوسبوسة؟"
وعندما طلبتُ المسقعة، تهللت أساريرها، فطلبي كان تأكيدًا على أن مسقعتها يأتي الناس من كل الأنحاء لتذوقها، وأحضرت طلبي على الفور بسرعة شديدة، على الرغم من ثورة الزبائن عليها، ثم أخمدت ثورتهم بقولها:
- "لقد انتظرت طويلًا دون أن تتكلم!"
حينها، أدركتُ أن سيدتي تحب الصمت.
يوم آخر... ذهبتُ إليها، فقد اشتهيتُ فطورًا مميزًا يعج بالزيت الغزير والفلفل الحار، فوجدتها تعمل بصمت، وفجأة صاحت بـ"كوتي" الذي تبيَّن أنه حفيدها، وهو طفل ذو كرش يدل على أنه مدلل، وطلبت منه أن يضع قطعة من الثلج داخل وعاء كبير به ماء للشرب، فسقطت منه قطعة الثلج على الأرض، فمررها داخل الوعاء دون تنظيف!
فصاحت به:
- "كيف لم تغسل قطعة الثلج قبل أن تضعها؟!"
فاستجاب فورًا؛ لأنه يعرف عقابها جيدًا، وهو عدم ذهابه مع أصدقائه في العطلة الأسبوعية.
وفي أثناء انشغالها بإعداد المسقعة، ذهب يلهو خارج المحل، فنادته مرة أخرى ليكمل عمله، وهو تقطيع السلطة، لكنها فوجئت بشيف محترف يقطع السلطة بعناية، لا يفلت منه شيء، متحكمًا بسكينه الحاد، وليس بطفلٍ تخشى أن يجرح أصابعه.
في أثناء تأملي لـ"كوتي"، وهو اسم حفيدها الذي تعتني به، فوجئت بسيدتي تداهمني بسؤالها:
- "هل الملح في المسقعة كثير؟!"
ما هذا السؤال؟!
ترددتُ كثيرًا قبل أن أنطق، فهي لا تهتم كثيرًا برأي العملاء وزبائنها، فهي تعلم جيدًا ما تفعله -كما تردد دائمًا- حتى وإن لم تكن على صواب، ربما أرادت بسؤالها هذا التأكد من أن ما تصنعه جيد أم لا؟!
لا أدري! لكني ارتعبت لحظتها...
ما الذي وضعني في هذا المأزق؟! أخشى أن أنطق بكلمة تُحسب عليَّ للأبد... وما أدراك يا صديقي بغضب سيدتي؟!
أذكرُ ذات مرة، تجرأ أحد الزبائن، معقبًا بأنه وجد "باذنجانة سوداء متفحمة" من القلي في المسقعة، فصاحت بصوت عالٍ:
- "إذا كنت لا تريد، فلا تنتظر كثيرًا، فأنا لا أرغمك على الإطلاق! فنحن نفتخر دومًا بزيارتك."
وأكملت عملها، وكأنها اعتادت روتينها في الرد على الانتقادات، موجهةً كلامها لهذا العملاق الذي أراد أن ينتقد سيدتي، معتقدًا أنها ستوافقه الرأي، لكنه صُدم بإجابتها، فوقف محرجًا، فاقدًا هيبته.
وهي تعلم تمامًا أنه سيأتي اليوم التالي طالبًا العفو... والباذنجان قبل العفو.
(الباذنجان قبل العفو) لا يترك لي قراءة ناقد، فقط قراءة المستمتع بمذاق ونكهة السرد قبل النقد.
دمتي في تألق أستاذة عائشة
شكرا لسيادتك جدا
بالفعل... ممتع جدا
شكرا ليكي جدا وربنا يوفقنا جميعا
لقد قرات القصه واسمتعت و كانى ارى المشهد استمرى ومنتظرة القصه القادمه شكرا لكى وماحلى الباذنجان والمسقعه بالفلفل
شكرا ليكي وتفرحي بيوسف ان شاء الله
شكرا ليكي وتفرحي بيوسف ان شاء الله
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.