من زمن العمود إلى زمن الهاشتاغ

من السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، كان الإعلام التقليدي ممسكًا بزمام الأمور: صحف تُطوى في الأيدي، وإذاعات تصدح في البيوت، وتلفزيونات تحجز المقاعد في غرف المعيشة.

وكان لكُتَّاب الأعمدة مهابة في نفوس الناس، بل حتى عند الوزراء والمسؤولين؛ قلم الكاتب كان كفيلًا بإشعال قضية أو إخمادها.

ثم أتى العام 2000، سنة مفصلية لم يُدرك كثيرون وقتها ما كانت تُخبئه.

في تلك السنة، بدأ الناس يكتشفون شيئًا جديدًا اسمه «الإنترنت».

بدأت الحواسيب تدخل البيوت، ومقاهي الإنترنت تنتشر، وشريحة صغيرة من الشباب دخلت هذا العالم بشغف وطموح.

هكذا بدأ التغيير.. الإعلام الجديد لم يطرق الأبواب… بل دخل من النافذة.

كان أشبه ببذرة صغيرة تنمو على مهل. لم يصطدم مباشرة بالإعلام التقليدي، بل راح يسحب جمهوره بهدوء، عامًا بعد عام، حتى أزاحه من على العرش.

ظهرت المنتديات بعد الألفية كنواة أولى للصحافة الإلكترونية، ثم دخلت أجهزة مثل «الباندا» و«أبو دمعة» من نوكيا وغيَّرت قواعد اللعبة.

فجأة أصبح الهاتف أداة توثيق، والكاميرا في الجيب أقوى من كاميرات القنوات الرسمية.

ما علاقة الهاتف بالإعلام؟

كل العلاقة!

فجأة لم يعد الخبر حكرًا على الصحفي في الميدان، بل صار كل مواطن شاهد عيان رقمي، يوثق الأحداث بالصوت والصورة ويرفعها للعالم بضغطة زر.

لم يعد أحد ينتظر الصحف لتروي ما حدث، بل بات الحدث يُنقل لحظيًّا من قلب الميدان، بأعين الناس، لا بعدسات المصورين المحترفين.

ومع ظهور الأجهزة الذكية، ظهر جيل جديد من الإعلاميين: ناشطون، مؤثرون، هواة، صانعو محتوى.

ثم جاء السيل الجارف: فيسبوك، إنستغرام، تويتر «X»، سناب شات، تيليغرام، تيك توك… وانطلقت ثورة «الميديا البديلة».

اليوم، الهاتف الذكي يحمل كل أدوات الصحافة:

مسجِّل صوت، دفتر ملاحظات، كاميرا 12 ميغابيكسل، بريد إلكتروني، وربما أهم من كل ذلك: حسابات في كل المنصات.

النتيجة؟

فيديو واحد يُوثقه مواطن يمكن أن يهزُّ الشارع.

مقطع من 30 ثانية قد يُقيل مدير مستشفى، أو يُسقط مسؤولًا خلال ساعات.

أما المقال في الصحيفة الورقية؟ فغالبًا لا يتعدى صداه حدود قارئ يتناول فنجانه الصباحي.

منصة «X» تحديدًا صارت ساحة المعركة الحقيقية.

هاشتاغ واحد قادر أن يفعل ما لا تفعله افتتاحية صحيفة، حتى لو كتبها أشهر الكُتَّاب.

حتى الصحفيون المخضرمون، باتوا يستعينون بمنصة «X» لنشر مقالاتهم.

لا يكتفون بالنشر في الصحيفة، بل يُغرِّدون بالمقال ويجنون تفاعلًا يفوق ما يحققه في الصحيفة نفسها.

لقد تغيَّرت قواعد اللعبة.

الإعلام الآن ليس في يد المؤسسات فقط، بل في يد الأفراد أيضًا.

القوة لم تعد للعنوان العريض… بل للترند الصاعد.

لكن، كما قيل: دوام الحال من المُحال.

وكما تغيَّر الإعلام بالأمس، سيتغيّر غدًا، وربما نكون اليوم فقط في فصل جديد من رواية لم تنتهِ بعد.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.