من حبك لي العذر

في هذه القصيدة النابضة بالمشاعر، يأخذنا الشاعر في رحلة وجدانية مشحونة بالحب والحنين، يبوح فيها بكل ما يختلج في قلبه من أشواقٍ وعذوبةٍ وعهدٍ لا ينكسر. الكلمات ليست عبارات رومانسية فحسب، بل هي اعتراف صادق يُكتب بالنبض، ويُنشد كونها أغنية خلقتها الأحاسيس الصادقة.

تتداخل الصور الشعرية مع الإيقاع الهادئ لتعزف مقطوعة عشق خالدة في زمنٍ عزّ فيه الصفاء. إنها قصيدة كتبت بروحٍ عاشقة لا ترى في المحبوبة إلا النور والعطر والقدر الجميل.

 كلامكِ حين أسمعهُ أحس بطعم السكر

وأشعر حين تبتسمين بأن الكون قد أزهر 

 فصوتكِ قد شجى قلبي وهزَّ مشاعري أكثر 

أسكرتِني بلا خمرٍ وعهدي لم أكن أسكر 

 فيا أملي ويا حلمي ويا حبي تعاليْ الليلة كي نسهر

 فأنتِ الياقوت والمرجان وأنتِ المسك والعنبر

رأيتك نجمةً تسري، وفي عينيكِ كم سَحر

كأنّكِ روضةٌ خضراءُ في أنسامِها عِطر

إذا ناديتُكِ اشتاقتْ إليكِ الروحُ والفِكر

فيا زهرًا تُعانقني، بهِ الأحلامُ تزدهِر

أحنُّ إليكِ في صمتي، وفي صوتي لكِ الوتر

كأنَّكِ نغمةٌ عذبة، بها الأحزانُ تنكسر

فدعيني الآن أُخبركِ بما في القلبِ يستتر

أحبُّكِ فوق ما يُروى، وفوق الشعرِ والذِكر

أحبكِ والهوى طفلٌ على كفِّي له أمر

إذا ما غابَ وجهُكِ عن عيوني ضاق بي صبر

أرى الأيامَ تبتسمُ إذا ما مرَّ بكِ الذكرُ

ويورقُ في دمي وردٌ، ويخضرُّ الدجى العسر

فعيشكِ في فؤادي صارَ إنشادًا لهُ جَهر

كأنكِ آيةٌ نزلتْ بها الأرواحُ تُؤزر

تعاليْ ننسج الأحلام من ضوءٍ لهُ نهر

فإني دون حبكِ لا أكونُ… ومهجتي قَفر

تعاليْ نرسم الآهاتِ همسًا بيننا سِحر

ونكتب من هوانا ما يُغنِّي العاشقُ الشعر

نعانق ليلنا دفئًا، ويحضننا لنا قمر

فننسى كل ما مضى، ويُمحى الحزنُ والضجر

سأزرع في يديكِ الوردَ إن جفَّتْ بنا الزهر

وأهتف باسمكِ الغالي إذا ما أخرسَ الدهر

فأنتِ العمرُ في عيني، وأنتِ النبضُ والسطر

فهل تقبلين بي قلبًا؟ له في حبِّكِ العذر

حديثكِ فيهِ موسيقى تطوِّق مهجتي بالسُرر

وفيكِ بدا لقلبي حبُّكِ الغالي بلا عُذر

أنا مذ جئتِ في دنيايَ زالَ الهمُّ والكدر

وصرتُ أراكِ أغنيتي، وأجمل لوحةٍ تُذكر

وفي عينيكِ أمنحني سكونَ البالِ والسُّرر

فلا قبلك ولا بعدك وجدتُ الحُبَّ بالقدر

أحبكِ يا منى عمري، ويا دفءَ المدى الأخضر

تعاليْ واملئي قلبي، فحبكِ دائمًا يُثمر

زرعتكِ بين أضلُعي، فصرتِ النبضَ في الصدر

تغلغلتِ بأوردتي كأنكِ قطرةُ المطر

إذا ناديتُكِ اشتاقتْ إليكِ الروحُ بالفِكر

وإن غبتِ استحالَ الكونُ صمتًا حالكًا مُر

حنيني فيكِ لا يُطفى، ولا يُروى، ولا يُحصر

كأنكِ في دمي نجوى، وفي وجداني المستقر

أراكِ الحُسنَ مكتملًا، وأنتِ الروحُ والسِحر

تعالي نختم العمرَ بحبٍّ طاهرٍ يزهر

سنسكنُ في قصورِ الحُبِّ فوقَ الغيمِ والسَّحرِ

ونشربُ من ندى الوردِ، ونحيا الحلمَ في الفِكرِ

نُحلِّقُ فوق أفلاكٍ، بلا همٍّ ولا غُبَر

وتغفُو فوقَ راحتنا الأماني، والمنى تُدر

نُؤلِّف من خطانا لحنَ عشقٍ نادرِ النبر

نُوشِّحُ ليلنا وردًا، ونُلبسُ صبحَنا زهر

وفي عينيكِ أبحرُ إلى شطآنكِ الأخر

ففيكِ البحرُ والمينا، وفيكِ السِرُّ والجُزر

سنسكنُ تحت أقمارٍ تُغنِّي لحنَكِ السَحر

ويحضنُنا شُعاعُ البدرِ إن داعبْتِني الفِكر

أُشيِّدُ من خطاكِ دروبَ عشقٍ تُفرِحُ العمر

ونرقص فوقَ أهدابي كضوءٍ راقصٍ نضِر

نجوبُ كواكبًا حمراءَ، في أنفاسِها عطر

ونغسلُ ليلَنا بالفلِّ إن جفَّت بنا الزهر

نعلِّقُ في سماءِ الحبِّ أمنياتنا كدرر

فلا حزنٌ يُجاورنا، ولا نُدنى من الكدر

وفي حضنِكْ -أيا قمري- تُنسَّى الأرضُ والصُّور

كأنكِ جنةٌ سُحريَّةٌ… ما مثلها عمر

أنا في حضنكِ الدافي وجدتُ الروحَ تُستَقر

وفي نبضاتكِ الأولى يُفتَّح داخلي الزهر

فأنتِ الحُبُّ يا أنفاسي، والنبضُ الذي يُسر

وأنتِ الدفءُ إن بردتْ عليَّ مواسمُ الدهر

أحبكِ لا لشيءٍ بل لأنكِ وحدكِ القدر

أراكِ بكل ما في الكونِ من لطفٍ ومن فخر

كأنكِ دعوةٌ سُقيَتْ من الإخلاصِ والطهر

فصرتِ النورَ في دربي، وصوتَ القلبِ إن يسر

فابقَ لي قلبًا لا يملُّ من هواكِ السَّمر

وسأظلُّ أهيمُ بكِ، مهما طالَ السَّفر

فأنتِ الحياةُ، وأنتِ في الوجدِ الأسر

وفي كل نبضةٍ، أنتِ لي أجملُ قدر

وجودكْ في حياتي صارَ لي شمسًا بها الفجر

وأنتِ النبضُ في صدري، وأنتِ الحلمُ إن سهر

إذا ضاقتْ بيَ الدنيا، فأنتِ سُكونها الأكبر

وأنتِ الدفءُ في قلبي إذا ما البردُ قد غَمر

فلا شيءٌ يُعادلكِ، ولا حبٌّ له قدر

وجودكْ مثلُ نبضي… إن غفوتُ، يسبقُ العمر

إذا ناديتُ بالأحلام، صوتُكِ أوَّلُ الذكر

وإن ضاقتْ بيَ الأيام، طيفُكِ يبعثُ الصبر

أراكِ بكلِّ تفصيلٍ، كأنكِ داخلي جذر

تمدُّ الروحَ بالحُبِّ، وتُزهر داخلي الثمر

فلا عيشٌ يطيبُ لديَّ إن غبتِ، ولا عمر

ولا قلبٌ سواكِ لهُ على شرياني مُمر

أحبكِ، لا كتعبيرٍ، ولكنْ مثلما البحر

يخبِّئ في صداهُ السرَّ، ثمّ يُفصحُ المَدَر

سأسكن في عيونكِ لو أذنتِ، فها هنا العمر

وفي رمشِكْ أمانُ الروحِ، بل في نبضكِ الوتر

أضمكِ بين أشواقي، كما يشتاقُكِ السَّحر

فلا بعدٌ يفرِّقنا، ولا الأيامُ تُعتَر

أيا أنثى تحدَّتني، بها الأشواقُ تُزهر

أحبكِ ما حييتُ أنا، وإن متُّ… لكِ أعتذر

في هذه القصيدة الطويلة، لا نقرأ مجرد كلمات، بل نعيش سيرة حب كاملة، تبدأ بالهمس وتنتهي بوعد الخلود. فقد استطاع الشاعر أن يُجسّد الحنين والوله والطمأنينة في آنٍ واحد، وأن يجعل من كل بيتٍ مرآةً لروحٍ تعشق بصدق.

هذه القصيدة ليست تجربة شخصية فقط، بل مرآة لكل من ذاق الحب الصافي، وذاق عطر اللقاء ومرارة الغياب، ومن بين السطور، نلمح رسالة واحدة: الحب الحقيقي لا يُقاس بالزمن، بل بالنبض الذي لا يتوقف.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة