"مصر ليست دولة تاريخية، مصر جاءت أولًا ثم جاء التاريخ".. نجيب محفوظ.
قد يرى بعض الناس أن تلك الجملة هي مبالغة أو مغالاة في حق مصر، أو لأن صاحب المقولة مصري، فيريد أن يمدح بلاده، لكن الواقع يقول عكس ذلك.
فعندما تبحر في التاريخ تكتشف أن تلك الجملة ليست مجرد مدح مبالغ فيه، وليست مدحًا أصلًا، بل هي حقيقة مثبتة علميًا، فكل يوم يوجد اكتشاف جديد في مصر يمحو تاريخ الاكتشاف الذي يسبقه من ناحية الأقدمية، فتلك الأرض لا تنضح بالبترول، وإنما تنضح بالكنوز.
اقرأ أيضًا: من هو أبو الهول؟ وما حقيقة نومه؟ وهل بناه إدريس عليه السلام؟
واليوم نبدأ بالحديث عن كنز من تلك الكنوز، لكنه كنز كبير، كبير لدرجة أن الأرض لم تستطع إخفاءه داخلها مثل سابقته من الكنوز، نتحدث عن تمثال أبو الهول، ذلك الحارس المخلص الذي ظل واقفًا في مكانه لآلاف السنين يحرس الأهرام الثلاثة الأشهر في تاريخ الإنسانية؛ لذا كن على موعد لتتلقى بعض المعلومات عن ذلك الأسد الإنساني، أو الإنسان الأسدي.
لماذا لقب "أبو الهول" بهذا الاسم؟
بداية عندما أنشئ أبو الهول في بداية الأمر لم يكن اسم ذلك التمثال "أبو الهول" كما ننطقه الآن، بل مر على اسمه عدة تغيرات ومنحنيات، حتى صرنا ننطقه بذلك الاسم، فمنذ 4500 عام في العهد القديم للدولة المصرية، كان يدعى أبو الهول باسم "روتي".
إلى أن أتت الدولة الوسطى، وتغير اسمه إلى "شسب عنخ" وتعني "الصورة الحية"، وتلك الكلمة لم تكن تطلق على تمثال أبو الهول الذي يقطن أمام الأهرام فحسب، بل كانت تلك الكلمة تطلق على أي تمثال من فصيلة أبو الهول نفسها.
فأبو الهول لم يكن التمثال الوحيد الذي نحت بالهيئة نفسها؛ أي رأس إنسان وجسد أسد، أيضا يوجد اعتقاد أن الاسم الإنجليزي (sphinx) جاء من تلك الكلمة.
حتى جاءت الدولة الحديثة، وتغير اسم أبو الهول للمرة الثالثة ليصبح "حور إم أخت"، التي تعني "حورس في الأفق"، لكن عندما جاءت العصور المتأخرة تغير الاسم إلى "حور ما خيس".
أيضا من الأسماء التي لازمت أبو الهول هو "حورونا" وذلك نسبة لإله كنعاني كان يكنى بالاسم نفسه، وذلك إله الحماية عند الكنعانيين.
اقرأ أيضًا: أبو الهول.. حارس الفراعنة الأمين
ماذا تعني كلمة "أبو الهول"؟
أما الاسم العربي الذي نذكره الآن، فقد جاء من كلمة فرعونية تدعى "بر حول" أو "بو حول" بمعنى "بيت حورس" أو "ملاذ حورس" فعبر العصور كان تمثال أبو الهول يمثل "حورس" في الثقافة المصرية القديمة، إلى أن عُربت الكلمة وحرفت لتصل إلى "أبو الهول" بدلًا من "بو حول".
في تلك السطور الماضية قد تلاحظ ارتباط اسم أبو الهول بـ"حورس" تلك الملاحظة صحيحة؛ لأن المصريين القدماء عدّوا أبو الهول رمزًا ممثلًا للشمس، وإله الشمس عندهم كان "حورس"، بل إنه قد عبد أبو الهول.
اقرأ أيضًا: أبو الهول.. سر السراديب الأربعة
من بنى "أبو الهول"؟
أغلبنا يعرف أن من بنى تمثال أبو الهول هو الملك "خفرع" وأغلب الاعتقادات تشير إلى ذلك فعلًا، فيوجد تشابه كبير في ملامح الوجه بين أبي الهول والملك خفرع، لكن يوجد اعتقاد مثير للفضول يقول عكس ذلك.
يرى بعض العلماء أن من بنى تمثال (أبو الهول) هو الملك "جدف رع" الذي قد سبق خفرع في الحكم، وجدف رع هو ابن لخوفو، يقول بعض الباحثين إنه الأخ الأكبر لخفرع، لكنه من أم أخرى، في حين يقول آخرون إنه أبو خفرع.
وقد حاول جدف رع أن يبني هرمًا مثل أبيه خوفو، لكن في منطقة أبو رواش، لكنه لم ينته من إكماله، فقد بنى القاعدة، وانتهى البناء في ظروف غامضة، يرجح أن سببها هو عزله عن الحكم، فإن فترته كانت ممتلئة بالمشاحنات والخلافات بينه وبين إخوته؛ لذا الإجابة عن سؤال من أبو الهول الحقيقي إجابة تحمل ألغازًا، لكن أغلب الظن أو من بناه هو الملك "خفرع"، فإن التمثال بني في المدة بين 2550 ق.م و2450 ق.م.
اقرأ أيضًا: هل حطّم نابليون أنف أبي الهول؟
لماذا خشم "أبو الهول" مكسور؟
حتى أنف أبو الهول لم يسلم من الشائعات، فيوجد من قال إن "نابليون بونابرت" وجه المدافع لأبي الهول بغية تدميره، لكن لم يستطع أن يكسر إلا أنفه، لكن تلك المعلومة غير صحيحة، ويوجد من قال إن سبب كسر الأنف هو تنافس الملوك المصريين القدماء على الرماية نحوه، في حين يقول بعض المتخصصين إن عوامل التعرية هي السبب الذي أسقط أنف أبو الهول.
بينما الرأي الذي يصدق عليه أغلب العلماء وذكره المؤرخ الشهير "المقريزي" أن سبب كسر تمثال أبو الهول يرجع لشخص يدعى "محمد صائم الدهر" حاول تحطيم التمثال؛ لأن المصريين كانوا يتقربون له ويقدسونه ويقدمون القرابين له من أجل زيادة إنتاج محاصيلهم، فقرر هدمه لكنه لم يتمكن إلا من أنفه.
"ياما في الجراب يا حاوي"..
بذلك المثل المصري الشهير نختم مقالنا، فبلا شك يوجد كثير من الأسرار والكنوز التي تخفيها لنا باطن الأرض في مصر حتى يأذن الله أن ترى النور.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.