من الظلام إلى النور: رحلة مع اضطراب ثنائي القطب

قبل الدخول في صلب الموضوع أود أن أتوجه بالشكر لمنصة جوَّك التي أفسحت المجال أمام الجميع للتعبير عن أنفسهم بكل حرية بالمشاعر والأفكار والتجارب.

اليوم سأحكي عن تجربة شخصية لي مع أحد الأمراض النفسية التي لم أكن أعرف لها اسمًا، لكنني فيما بعد علمت أن ما كنت أعاني منه يسمى "اضطراب ثنائي القطب".

قد يهمك أيضًا ماذا تعرف عن أمراض اضطرابات القلق؟

هلوسة مع نوم غير منتظم

بدأت المعاناة عندما كنت في المرحلة الإعدادية من التعليم، لا أتذكر كم كان عمري بالتحديد، لكني أعلم أنني كنت في مرحلة المراهقة، ولم أكن ناضجًا بما يكفي.

وجدت نفسي دون أي أسباب أشعر بفرح غامر يملأني يصل إلى حد الهستيريا يدوم لأيام قليلة عدة، تقريبًا ثلاثة أيام، ثم أجد نفسي بعدها مباشرة ودون أي أسباب أشعر بالحزن، وتدريجيًّا يومًا بعد يوم، وبمنتهى السرعة يتحول الأمر إلى اكتئاب شديد.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتطور ليصل إلى حد الهلوسة وسماع أصوات غير موجودة، في هذه الأثناء لا أشعر بالجوع أو العطش، ولا أنام إلا قليلًا جدًّا على نحو متقطع؛ ما يؤثر فيَّ تأثيرًا سلبيًّا.

يتحدث إليَّ أهلي في البيت ولا أسمعهم إلا بعد أن يدفعوا جسدي بهزة خفيفة لأستعيد تركيزي وأرد عليهم، وبعد وقت قصير جدًّا أسرح مرة أخرى ويمتلئ عقلي بالأفكار التي غالبًا لا معنى لها.

تستمر هذه المعاناة إلى ما يقارب الشهر، ثلاثون يومًا أشعر فيها في كل لحظة بالعار والخزي من نفسي، ويؤنبني ضميري باستمرار، وتهاجمني الأفكار بأنني شخص سيئ للغاية قد ارتكبت كثيرًا من الأخطاء، وأسأت معاملة كل من أحبني.

بعد انتهاء الشهر المؤلم هذا أبدأ في استعادة العافية تدريجيًّا، ويعود ذهني إلى حالته الطبيعية مرة أخرى، لكنه يترك لي ذكريات سيئة جدًّا، لأنني كنت أخرج من هذه الحالة لأجد نفسي خسرت بعض الأشخاص الذين أحبهم بسبب إساءة مني لهم أو إساءة منهم لي.

استمر الأمر نحو ما يزيد عن ثماني سنوات متواصلة، ضاعت فيها ثمانية أشهر تقريبًا من عمري على لا شيء. ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين في منطقة قريبة منا وتلقيت العلاج في أثناء مرضي.

قال لي الدكتور إن عليَّ تناول الأدوية مدى الحياة حتى لا أمرَّ بهذه الحالة بشدتها نفسها، لكني في كل مرة كنت أتوقف بعد أن أسترد عافيتي؛ لأنني لم أشأ أن أؤمن بأنني لن أُشفى شفاءً كاملًا، لقد كنت عنيدًا، ولم أستسلم، ولم أذهب إلى الطبيب في آخر أربع سنوات من هذا الصراع.

قد يهمك أيضًا اضطراب المزاج.. تعريفه وأعراضه وطرق علاجه

كيف تخطيتُ الأمر ؟

لقد سألت أحد الأطباء النفسيين على الإنترنت بعد أن وصفت له حالتي، وأكد لي أيضًا أن هذا المرض هو "اضطراب ثنائي القطب"، ونصحني بالمداومة على تناول الأدوية، لكني رفضت، وقررت أن أعرف كل شيء عن هذا المرض، بحثت في جوجل وقرأت بعض الكتب.

أذكر أنني كنت ألاحظ بداية التغييرات المزاجية التي كنت أشعر بها، عندما كنت أشعر بفرح غامر يملأني بدون سبب يصل إلى حد الهستيريا.

كنت أتوقف وأجلس مع نفسي وأتحدث معها مخبرًا نفسي أن لا سبب لهذه الهستيريا، وأنني شخص ناضج وقوي، كنت أنتقد نفسي وأخبرها أن تكف عن هذا الجنون، وأسخر من نفسي كثيرًا إلى أن تختفي هذه السعادة الزائدة التي لا سبب لها.

وعندما أدخل في حالة حزن كنت أتحدث مع نفسي مخبرًا ذاتي أنه لا يوجد لديَّ سبب مقنع لما أشعر به من حزن، وأنه لا داعي للقلق والتوتر، وأخبر نفسي أنني غير مضطر للدخول في حالة منالاكتئاب الشديد.

في أثناء رحلة التعافي في آخر سنوات من الصراع مع المرض، كنت بدلًا من التعرض للمعاناة مدة شهر كامل كل عام كان الأمر يأخذ عشرين يومًا فقط، ثم في السنة التي تليها دامت المعاناة مدة تقل عن أسبوعين، ثم في السنة التي تليها دامت معاناتي مدة أربعة أيام.

والآن تأتي لي أعراض مشابهة لكنها لا تستمر سوى يوم واحد، واستطعت أخيرًا أن أسيطر على حياتي وأضبط انفعالاتي، وتوقفت أخيرًا عن كوني متقلب المزاج.

قد يهمك أيضًا الوسواس القهري واضطراباته وطرق الوقاية منه

في النهاية أود توجيه رسالة لكل شخص يواجه مشكلة مع نفسه أو مع الحياة

حب نفسك

إن لم تستطع أن تحب نفسك لن تستطيع أن تحب غيرك، وغيرك لن يحبك، فكيف يحبك وأنت لا تحب نفسك.

آمن بنفسك

لا أحد سيدفعك لتكون شخصًا أفضل سوى نفسك، لذلك صدِّق نفسك وثِق في الله أنه يريد لك الخير، ويريدك أن تكون أفضل من حيث الشخصية وطريقة التفكير والسلوك.

كن كريمًا مع الآخرين ولا تنتظر رد الجميل، عندما يسيء إليك الآخرون اغفر لهم إذا كنت تحب أن يغفر لك الله أخطاءك.

لا تستسلم

مهما حدث لا تفقد إيمانك، كن عنيدًا وصمِّم على ما ترغب فيه، واطلب من الله بإيمان أن يعينك على ما تريد تحقيقه.

أنا الآن عمري 28 سنة، متزوج ولديَّ طفل عمره سنتان، وطوال الثلاثة أعوام الماضية لم أدخل في صراع مع المرض مرة أخرى، مع أنني أتعرض لكثير من المشكلات والضغوط العائلة والوظيفية، لكنني لا أنهار تحتها بل أبحث عن القوة في داخلي، وأرفع عينيَّ نحو السماء مكملًا السعي في الحياة.

وعندما أفشل وأتعب أستريح لبعض الوقت، لكنني لا أستسلم وأعاود السعي من جديد.

أنت يا صديقي الذي تقرأ يمكنك أن تشاركني قصتك سأكون سعيدًا بالتحدث معك... دمتم في أمان الله ورعايته.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لك يا صديقتي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ماشاء الله تبارك الله انا اعرف جيدا حجم مامررت به في رحلة التعافي التي تعد بمثابة الحرب الداخلية مع النفس ابتي لاينتصر فيها إلا قله ونسبة ضئيلة للأسف فمن مجال تخصصي ارفع لك القبعة على قوة الوعي قبل الإرادة لأن الوعي مفتاح الشفاء والتعافي اسأل الله العظيم ان يتم عليك فضله بمزيد من الوعي البناء وان يحفظك بحفظه ✌️💪🤝
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا من القلب 🙏😃
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ماشاء الله تبارك الله انا اعرف جيدا حجم مامررت به في رحلة التعافي التي تعد بمثابة الحرب الداخلية مع النفس ابتي لاينتصر فيها إلا قله ونسبة ضئيلة للأسف فمن مجال تخصصي ارفع لك القبعة على قوة الوعي قبل الإرادة لأن الوعي مفتاح الشفاء والتعافي اسأل الله العظيم ان يتم عليك فضله بمزيد من الوعي البناء وان يحفظك بحفظه ✌️💪🤝
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة